عقدة إيران: هل ستتمكن السعودية من تطوير برنامجها النووي؟

عقدة إيران: هل ستتمكن السعودية من تطوير برنامجها النووي؟

3645

في الوقت الذي توصلت إيران والقوى الكبرى الست إلى اتفاق نووي الثلاثاء 14 يوليو 2015 يقضي برفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة على إيران مقابل موافقتها على فرض قيود طويلة المدى على برنامجها النووي، فإن السؤال المطروح حاليا، هل سيدفع ذلك السعودية لتطوير قدراتها النووية لمواجهة إيران، الخصم التقليدي لها في المنطقة؟.

وفي هذا الصدد، نشر الكاتب “يوئيل جوزانسكي”، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في جامعة تل أبيب، دراسة في شهر مايو 2015 بعنوان “المارد النووي السعودي خارج السباق”، تناول فيها تداعيات الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى على القدرات النووية السعودية، وإمكانية تطويرها مستقبلا لمجابهة الخطر الإيراني، في ضوء الحسابات الإقليمية المختلفة وفي ظل علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

دوافع سعودية لامتلاك النووي
:
يُشير جوانسكي إلى أن ثمة عوامل تدفع السعودية لتطوير برنامجها النووي المدني؛ لعل أبرزها موضوع تحلية المياه، حيث إن 70% من مياه الشرب في المملكة تأتي من مياه البحر المُحلاة، كما أن استخدام الطاقة النووية في تحلية المياه أرخص كثيرًا على المدى البعيد من استخدام البترول. هذا بالإضافة إلى النمو السكاني المتزايد، وتوسع قطاع الصناعة بشكل كبير واحتياجاته الحادة للطاقة، وارتفاع الطلب على مكيِّفات الهواء، خصوصًا في فصول الصيف، وأخيرًا الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة للمواطنين فيما يتعلق بأسعار الكهرباء والذي من غير المرجح إلغاؤه لما قد ينتجه من اضطراب اجتماعي.

وقد أنتجت السعودية 292.2 مليار كيلووات في الساعة من الكهرباء في عام 2013، وهو ما يعد ضِعف ما أنتجته في عام 2000، ومن المتوقع أن يزداد إنتاجها في عام 2032 إلى 120 جيجاوات، كذلك من المتوقع أن يزداد الطلب على الكهرباء بنسبة 7-8% في المتوسط كل عام، وهو ما دفع القيادة السعودية إلى التفكير في بديل عن الوقود الذي يعد المصدر الأساسي لدخلها؛ حيث تستهلك المملكة ما يزيد عن ربع إنتاجها من الوقود، ومن ثم، ومع الاستهلاك المتزايد، فإن هذا سيؤثر بشكل حاد على دخلها القومي، بما دفعها في النهاية إلى التفكير في البديل النووي المدني.

يؤكد جوزانسكي أنه برغم أن السعودية ليست الدولة الوحيدة من دول مجلس التعاون الخليجي التي لديها برنامج نووي سلمي، حيث إن الإمارات هي الأخرى تطور برنامجها الخاص، فإنها، أي السعودية، تعد الدولة الوحيدة التي طوَّرت من برنامجها السلمي، نتيجة احتياجات الطاقة المتزايدة؛ إذ بدأت في السنوات الأخيرة في تطوير قدراتها، خاصة بعد أن أعلنت الرياض في القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي عام 2006 نيتها امتلاك قدرات نووية مدنية، ثم في عام 2010 أسس الملك عبدالله “مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة K.A.CARE” والتي تختص بتنسيق قضايا السياسات والتشريعات والبحوث الخاصة بمجال الطاقة.

وفي عام 2011، أعلنت الرياض خطة طموحة لبناء ما لا يقل عن 16 محطة نووية لتوليد الكهرباء بتكلفة قُدِّرت بما يزيد عن 100 مليار دولار.
ولعلَّ أبرز ما يساعد المملكة في تطوير تكنولوجيتها النووية هو مصادرها المالية القوية، وعدم وجود معارضة سياسية داخلية لهذا الأمر أو خطورة على البيئة من التطوير النووي في ظل وجود مساحات شاسعة من الأراضي غير المأهولة بالسكان والصالحة لبناء محطات نووية متعددة. وقد شكَّلت كل من الأرجنتين والسعودي شركة مشتركة “Invania” يتركز اهتمامها على تطوير القوة النووية، كما وقَّعت السعودية مذكرة تفاهم في مارس 2015 في أعقاب اجتماع الملك سلمان بن عبد العزيز مع رئيس كوريا الجنوبية بارك جين-هاي تتضمن خطة لدراسة إمكانية بناء مفاعلين نوويين على الأقل.

ويمثل هذا التطوير للبرنامج النووي السعودي، كما يشير الكاتب، استجابة ورد فعل قويًّا للتطورات الإيرانية النووية من ناحية، كما أنه يضغط على الولايات المتحدة، من ناحية أخرى، للتعامل بشكل أقوى مع إيران فيما يتعلق بالاتفاق النووي، لأن كل ما ستحصل عليه إيران ستسعى السعودية للحصول عليه بالضرورة في إطار المنافسة الإقليمية بين الطرفين.

ويرى البعض أن هذه المنافسة النووية ستؤدي إلى إحداث توتر في المنطقة بالكامل، على عكس ما تريد الولايات المتحدة، وذلك في ظل الشكوك المثارة من جانب السعودية في أن يدفع الاتفاق النووي المبدئي مع إيران الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في حلفائها في المنطقة، والاعتماد على الشيعة الإيرانيين بدلا من السُنة السعوديين للتعاطي مع مشكلات الإقليم.

– التعاون النووي الأمريكي السعودي:

يُشير الكاتب إلى أن المملكة السعودية والولايات المتحدة وقَّعا مذكرة تفاهم في عام 2008، في ظل إدارة جورج بوش، تنص على أن “الولايات المتحدة ستساعد السعودية في تطوير قدراتها النووية لأغراض طبية وصناعية ولتوليد الطاقة”. وقد أشارت الخارجية الأمريكية إلى أن “المملكة أكدت نيتها في الاعتماد على الأسواق العالمية للوقود النووي، وفي عدم تطوير تكنولوجيا حساسة قد تقف في مواجهة إيران”، إلا أن التصريحات الأخيرة للمسئولين السعوديين والتي تتحدث عن “حق” السعودية في تخصيب اليورانيوم قد تتعارض مع ذلك الأمر.

جدير بالذكر أن الرياض قد بذلت جهودًا كبيرة في تنويع برنامجها النووي، وسبل الاستفادة منه، سواء فيما يتعلق بخلق فرص عمل جديدة، أو نقل المعرفة أو غيرها، كذلك أعلنت المملكة توصلها أيضًا إلى اتفاقات نووية مع كل من روسيا وإنجلترا والصين فيما يتعلق بتطوير برنامجها النووي، واقترحوا جميعهم المساهمة في بناء مفاعلات نووية في السعودية.

وبرغم أنه لم يتم الانتهاء من اتفاق محدد حتى الآن، فإن المملكة تُقدٍّر أن يبدأ بناء أول مفاعل في 2016 على أن يتم تسليمه في عام 2022، وعلى أن تشمل الأماكن المناسبة لبنائه “الجبيل” في الخليج، و”رابوك” و”جيزان” في البحر الأحمر، كما ستنتج مشروعات مدينة الملك عبدالله 17.6 جيجاوات من القدرات النووية بحلول عام 2032.

وقد شجع أعضاء من إدارة أوباما في السنوات الأخيرة التعاون النووي مع المملكة السعودية، إلا أن هذه المفاوضات توقفت نتيجة رفض الأخيرة لشروط إدارة أوباما لمنع الانتشار النووي، وفي ظل العلاقة القوية التي تربط البلدين ببعضهما سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو حتى العسكرية فإن هذا الأمر ما زال محل جدل بين من يؤكد أن هذا التعاون قد يسهم في زيادة الانتشار النووي بالمنطقة، وبين من يؤكد أنه فقط سيستخدم للأغراض السلمية.

ويمكن القول إن أي اتفاق بين إيران والقوى الدولية لن يسمح فقط لطهران بتخصيب اليورانيوم، بل إنه سيؤدي إلى وصول الاتفاقات الجارية بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية إلى طريق مسدود، وهو ما يزيد الأمور تعقيدًا، خاصة في ظل رفض المملكة التنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم في حين يتم إعطاء الحق والحرية الكاملة لإيران في ذلك الأمر.

يُشير جوزانسكي إلى أن احتمال وصول البرنامج النووي المدني لتحقيق استخدامات عسكرية في المستقبل هو احتمال وارد، ويؤكد ذلك سلسلة التعليقات التي صدرت من مسئولين سعوديين بداية من عام 2011 والتي تعبر جميعها عن نوايا المملكة في أن تطور برنامجها النووي العسكري في حالة فشل المجتمع الدولي في منع إيران من تطوير برنامجها، وهو ما قد ورد في تصريحات الملك عبدالله نفسه، والتي أكد فيها أنه “إذا نجحت إيران في تطوير أسلحة نووية، فكل من في الإقليم سيقوم بنفس الأمر، بمن فيهم المملكة السعودية”.

ومن ثمَّ يبدو المنطق واضحًا وراء تطوير البرنامج السعودي من ناحيتين؛ أولاهما أن الطبيعة ثنائية الاستخدام للتكنولوجيا المطلوبة لأغراض سلمية تُسهِّل من عسكرة البرنامج، وثانيهما أن معرفة كيفية تطوير البرنامج النووي المدني تسهم في تراكم المعرفة العامة حول المجال بما يُمِّكن من الاستفادة منها لاحقا في تطوير السلاح النووي، طبقا للتغيرات التي قد تحدث في المنطقة مستقبلا.

معوقات التطوير النووي

بيد أن ثمَّة معوقات تقف حائلا ضد تطوير السعودية لأسلحة نووية، لعل أهمها:

أولا: أن المملكة تعاني حاليًّا من قيود تقنية جوهرية؛ وهو ما يجعل تطوير برنامج مدني بالأساس أمرًا صعبًا، ويتطلب اتفاقات مع أطراف أخرى لتدريب وبناء الأفراد الماهرين، جنبًا إلى جنب نقل وتوفير الأدوات والتكنولوجيا المطلوبة لتنفيذ البرنامج.

ثانيًا:عدم كفاية البحوث المتعلقة بالمشروعات النووية، مع الحاجة إلى تطوير نظم تشريعية منتظمة تساعد في تحقيق تلك البرامج، وأخيرًا غياب ثقافة الأمان والحماية المناسبة للمواطنين من الاستخدامات النووية.

ثالثًا:  ضغوط الولايات المتحدة لمنع امتلاك السعودية لأسلحة نووية في المستقبل حتى بعد الوصول لاتفاق نهائي مع إيران، وفي هذه الحالة سيكون أمام الرياض خياران؛ إما متابعة تطوير استراتيجية الردع الخاصة بها، أو الاستفادة من الضمان الأمني الذي توفره لها الولايات المتحدة.
رابعًا: أن المملكة السعودية عضو في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وملتزمة بالمعايير التي أقرتها الاتفاقية، ومن ثمَّ لا يمكنها تطوير سلاح نووي مستقبلا بما يخالف تلك المعايير.

ويُشير الكاتب إلى أن السعودية في الوقت الحالي لا تمتلك الإمكانات التكنولوجية أو المعرفة التي تُمكِّنها من تطوير برنامج نووي مدني بشكل مستقل، ناهيك عن البرنامج العسكري، ولكن تظل هناك احتمالية حصولها على سلاح نووي بمعاونة أحد الأطراف حتى لو كان وسيلة للردع وحماية الأمن القومي للمملكة من أية تهديدات.

ختامًا، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية قد تُضطر في إطار سعيها لامتلاك سلاح نووي إلى اتباع استراتيجية مختلفة، خاصةً بعد أن تبين لهم أن الولايات المتحدة بمثابة الحليف الذي لا يمكن الاعتماد عليه بعد تطورات الاتفاق الأخير مع إيران، ومن ثم قد تسعى المملكة في هذه الحالة إلى الاعتماد على تشكيل تحالف مع قوة نووية أخرى حاضرة في النظام الدولي مثل روسيا أو الصين من أجل توفير الحماية لها ولمواطنيها، وبما يحفظ هيبتها الدولية وهُويتها في الإقليم الحاد التطورات.

يوئيل جوزانسكي

عرض:باسم راشد