يقيم نظام الأسد هذا الأسبوع معرضه السنوي الخامس لإعادة إعمار سوريا تحت عنوان “عمّرها 2019″، وكالعادة تم تسهيل الحدث وتمويله إلى حد كبير من قبل إيران. وكان السفير الإيراني جواد ترك آبادي قد شارك في في حفل قص الشريط في العام الماضي، وأكد على أهمية دور طهران في إعادة إعمار البلاد التي مزقتها الحرب.
ومن المزمع إقامة المعرض الذي يستمر حتى 21 أيلول/سبتمبر، بالقرب من بلدة السيدة زينب الواقعة في ريف دمشق، والتي تضم مقاماً شيعياً لعب دوراً مهماً في مساعدة إيران على حشد شبكتها الوكيلة الأجنبية. بيد، لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن مبادرات إعادة الإعمار ومواقعها المحددة التي سيتم مناقشتها خلال الحدث، وسيتم بلا شك تسليط الضوء على بعض المشاريع بناءً على قيمتها الدعائية وليس على فوائدها الفعلية للشعب السوري. ومع ذلك، لا يزال من المهم التدقيق في الجهات التي ستحضر تلك الفعاليات وفي سبب حضورها – خاصةً أنّ المشاركين في المعرض يضمون شركاتٍ تابعة لدول متحالفة مع الولايات المتحدة ومنخرطة في النقاش الدولي المستمر حول العقوبات على إيران.
القيمة الدينية والإستراتيجية والإقتصادية
تضم بلدة السيدة زينب مقام السيدة زينب بنت علي، حفيدة النبي محمد (صلعم) وابنة إمام الشيعة الأول. وبالنسبة لإيران، تنبع القيمة الإستراتيجية للبلدة من أهميتها الدينية العميقة. فعند طائفة الشيعة الإثني العشرية، تُعتبر السيدة زينب شخصيةً دينية وسياسية على حد سواء – فهي ليست امرأةً تقية تحظى بالاحترام فحسب، بل قائدة أيضاً كانت قد قاومت الاضطهاد الأموي السني من أجل الحفاظ على ذكرى أخيها الذي هو الإمام الثالث لدى الشيعة.
وعندما بدأت الانتفاضة التي قادها السنة ضد الديكتاتور بشار الأسد، استخدم «حزب الله» وغيره من وكلاء الميليشيات الإيرانية هذا المقام لإطلاق صيحة حاشدة لتجنيد المقاتلين الشيعة، وجمع الأموال، وإضفاء الشرعية على التدخلات عبر الحدود. ولذلك فإن إقامة مؤتمر لإعادة إعمار البلاد بالقرب من هذا الموقع نفسه بعد مرور ثماني سنوات [على بدء الانتفاضة]، قد تساعد طهران على إقناع الجماهير المحلية والإقليمية بأن وجودها المستمر في سوريا له ما يبرره. ويعزز اختيار هذا المكان أيضاً ادعاء إيران بتفانيها الديني في مساعدة “الضعفاء” من خلال تسريع عملية معافاة سوريا وانتعاشها بعد الحرب.
وفي الواقع، تشعر طهران بقلق أكبر إزاء فقدان نفوذها في دولةٍ تمنحها منفذاً استراتيجياً إلى لبنان، وبالتالي إلى الحدود الشمالية لإسرائيل. وكما قال أحد المسؤولين السابقين في نظام الأسد، عبد الحليم خدام، في مقابلة أجراها عام 2014، إنّ “سوريا هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لإيران”. وتُعتبر مؤتمرات إعادة الإعمار وغيرها من المشاريع الاقتصادية إحدى عدة وسائل يمكن لإيران استخدامها لضمان هذا المنفذ، وتعزيز نفوذها على دمشق، وصياغة مستقبل البلاد. وتصبح هذه النوايا الإستراتيجية حتى أكثر وضوحاً عندما يلاحظ المرء أن مثل هذه الفعاليات غالباً ما تكون برعاية «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني.
ويُعد السوق السوري أيضاَ أحد أفضل الخيارات المتاحة أمام طهران للتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. وفي هذا السياق، ذكر رئيس “منظمة التنمية التجارية الإيرانية” محمد رضا مودودي في الرابع من آب/أغسطس أن “الصفقات الاستثمارية طويلة المدى مع دمشق توفر لإيران سوقاً [تجارية] مستدامةً”.
تمهيد الطريق
يُقام معرض 2019 برعاية “اتحاد غرف الصناعة السورية” و”اتحاد غرف التجارة السورية”، إلى جانب منظمة غير حكومية يُزعم أنها مؤسسة أمريكية تأسست عام 1979 وتُدعى “إي سي تي” (ACT). ولا تتوفر أي معلومات عن “إي سي تي” على الإنترنت، مما يشير إلى أن مصداقيتها مشكوك فيها في أحسن الأحوال.
وفي سياق التحضير لمعرض هذا العام، اجتمع حوالي 300 رجل أعمال إيراني يمثلون العديد من الشركات في طهران في 4 آب/أغسطس لحضور “مؤتمر فرص الاستثمار والتجارة في سوريا” الذي نظّمته مؤسسة الباشق لتنظيم المعارض والمؤتمرات، وهي شركة معارض تجارية سورية متخصصة في قطاع البناء تولّت إدارة معرض إعادة إعمار سوريا (“عمّرها”) منذ عام 2015. وكان من بين الحاضرين البارزين الضابط العسكري في «الحرس الثوري» الإيراني والسفير السابق في العراق حسن دانائي فر الذي يرأس حالياً “مقر إعمار العتبات المقدسة”. كما أن معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية رانيا أحمد كانت هناك أيضاً، وقالت وفقاً للتقارير أن “استقطاب الاستثمارات الإيرانية هو أهم أولوياتنا لإعادة الإعمار”. وفي مقابلة لرئيس “منظمة التنمية التجارية الإيرانية” في 4 آب/أغسطس، زعم مودودي أن إيران منحت سوريا ما قيمته 11.5 مليار دولار من السلع في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الفارسي، الذي بدأ في 20 آذار/مارس.
ووفقاً للموقع الرسمي لمعرض إعادة إعمار سوريا (“عمّرها”)، يركّز هذا الحدث على العديد من القطاعات، بما فيها تكنولوجيا البناء، والأمن، وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والمياه، والكهرباء، والاتصالات، والمستشفيات، والفنادق، والتدفئة، والنفط/الغاز، والتكنولوجيا البيئية، والتغليف، والتعليم، والمأكولات/المشروبات، وإصلاح السيارات، والسلع الاستهلاكية. ويوفر هذا الحدث فرصة لعقد جلسات شخصية مع العملاء الدوليين الذين يبحثون عن مورّدين لدخول السوق السورية، فضلاً عن اجتماعات الشركات مع مهندسين مدنيين، ومهندسين معماريين، ومهنيين متخصصين بالخرسانة، ووكلاء عقاريين من عدة بلدان، وجميعهم يطمحون إلى المشاركة في مرحلة إعادة الإعمار التي تم الترويج لها بشكل مستمر من قبل وسائل الإعلام التابعة لنظام الأسد.
وتفيد مؤسسة الباشق أن معرض العام الماضي استقطب أكثر من 270 شركة عارضة من تسعة وعشرين دولةً. وقد ارتفع عدد المشاركين هذا العام، وفقاً لبعض التقارير، إلى 390 شركة عارضة من 31 دولةً.
حقيقة واضحة جداً لكن يتم تجاهلها
شاركت العديد من المؤسسات التي مقرّها في الدول الشريكة للولايات المتحدة في معرض عام 2018، من بينها بلجيكا والهند والعراق وإيطاليا وسلطنة عُمان وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة.
ومن المقرر أن يضم معرض إعادة إعمار سوريا (“عمّرها 2019”) شركاتٍ من الدول نفسها، بالإضافة إلى ألمانيا وإسبانيا ومصر. وسعت بعض هذه الدول إلى إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع دمشق والتطبيع مع نظام الأسد بغض النظر عن سياسة العقوبات الأمريكية. وفي الشهر الماضي، على سبيل المثال، أرسلت عُمان ودولة الإمارات مبعوثين إلى الدورة الحادية والستين لـ “معرض دمشق الدولي”، وهو معرض تجاري سنوي يدّعي فتح الاقتصاد السوري أمام العالم.
وفي معرض إعادة الإعمار لعام 2018، انحدرت الشركات التالية من الدول الشريكة للولايات المتحدة:
• بلجيكا: Global-Consult
• الهند: Goodrich Logistics Pvt. Ltd.
• إيطاليا: Elettronica Veneta SPA ؛ Rieter Morando SRL ؛ Ottierre-Anmic
• عُمان: الشركة العالمية للرخام ذ.م.م. : International Marble Co. LLC
• كوريا الجنوبية: Kumkang Kind Co. Ltd
• الإمارات: “اتش آي بي” لتجارة الأسلاك الكهربائية وأجهزة الطاقة الشمسية وملحقاتها – HIP Electricals Trading LLC
الخطة الإيرانية مداها أبعد من الخطة الروسية
تنعكس أهداف إيران بعيدة المدى في كيفية تعاملها مع الفعاليات المختلفة كمعرض إعادة إعمار سوريا. فالشركات المنحدرة من إيران والدول الحليفة لها هيمنت على المعرض في عام 2018. وشملت الشركات الإيرانية:
• Electronic Afzar Azma
• Gam Arak Industrial Company
• GITI Pasand Industrial Group (SGP)
• Hooman Polymer
• Hamrahan Pishro Tejarat Co (HPT)
• صناعات الالكترونيات الايرانية. Iran Electronics Industries
• Lotus Pars
• منظمة الصناعات البحرية. Marine Industries Organization
• Shahid Ghandi Corporation Complex
• TEPS (Goldis-Teps)
• عربة پارس/ واگن پارس. Wagon Pars
كما ضم المعرض العديد من الشركات اللبنانية، بالإضافة إلى شركتين عراقيتين. ونظراً إلى درجة تغلغل إيران ووكلائها الشيعيين في اقتصاد كلا البلدين، فمن الصعب معرفة ما إذا كانت تلك الشركات قد شاركت في المعرض بسبب مصالحها الاقتصادية الفردية أو بحُكم علاقتها بإيران.
وبالنسبة لروسيا، وبغض النظر عن الحكمة التقليدية بشأن انخراطها في إعادة إعمار سوريا، لم تشارك سوى شركة روسية واحدة في معرض عام 2018، في تناقض حاد مع الشركات الإيرانية الإحدى عشرة والشركات اللبنانية الواحدة والأربعين. ومع أنه لا يمكن فعلياً اعتبار قائمة العارضين بمثابة فهرس شامل لجميع الجهات الفاعلة التي تناور للاضطلاع بدورٍ في المستقبل الاقتصادي لسوريا، إلاّ أنّ رجحان الشركات الآتية من إيران وحلفائها المقرّبين تكشف الكثير عن مسار التوجهات الحالية. ومن المؤكد أن روسيا مهتمة بجني مكاسب قصيرة الأجل من تدخلها العسكري في سوريا – ومن ثم صفقة الفوسفات الأخيرة التي أبرمتها مع دمشق. ومع ذلك، تستثمر إيران في مشاريع إعمار طويلة الأمد وممولة بقروض بمليارات الدولارات والتي سيتعيّن على نظام الأسد تسديدها خلال خمسة وعشرين عاماً، ومن ضمنها مبيعات نفطية بقيمة 20 مليار دولار، وأعمال إعادة الإعمار بكلفة 8 مليارات دولار، ومشاريع زراعية تمتد على أكثر من 12 ألف فدّان وهكذا دواليك.
التداعيات السياسية
إنّ النفوذ الاقتصادي والسياسي لإيران في سوريا آخذٌ في التعاظم، وكل ذلك بهدف منح طهران عمق استراتيجي لممارسة سلطتها في داخل البلاد وخارجها. وحتى في ظل العقوبات الأمريكية المشددة، كما ذكرت صحيفة “فايننشل تايمز” مؤخراً، تمكنت الجمهورية الإسلامية من تسيير أعمالها في الشرق الأوسط و”جذب العملة الأجنبية من خلال السلع الأولية [و]غير النفطية”. وفي المقابل، كان نظام الأسد يستغل من جهته المساعدة الإيرانية السخية لتعزيز نفوذه وسلطته.
وبما أن الفعاليات المشابهة لمعرض إعادة إعمار سوريا تشكّل جزءاً من هذه الدينامية، يجب على وزارة الخزانة الأمريكية أن تولي اهتماماً أكبر لها. وعلى وجه الخصوص، عليها أن تراقب الأعمال التي تمارسها الشركات التي قد تنتهك أوامر العقوبات الأمريكية. ينبغي على واشنطن أيضاً أن تحث حلفاءها والمجتمع الدولي الأوسع على تأجيل إعادة إعمار سوريا على نطاق كامل إلى حين تحقّق عملية فعلية للانتقال السياسي.
معهد واشنطن