تزامن تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية في الجزائر، يوم 12 ديسبمر/ كانون أول القادم، مع ظهور نتائج الدور الأول لنظيرتها التونسية، وتصدر مرشحين من خارج النخبة المعروفة للنتائج، في مفاجأة أثارت تساؤلات بشأن إمكانية تكرار الأمر في الجارة الغربية.
وتأهل إلى الدور الثاني من الانتخابات (لم يتحدد موعده بعد) كل من: قيس سعيّد، مرشح مستقل، بحصده 18.4 بالمئة من الأصوات، ونبيل القروي، مرشح محبوس (بتهم تبييض أموال وتهرب ضريبي) عن حزب “قلب تونس”، بحصوله على 15.5 بالمئة من الأصوات.
بينما حل ثالثًا عبد الفتاح مورو، مرشح حزب حركة “النهضة” بـ12.8 بالمئة من الأصوات، ثم وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي بـ10.7 بالمئة، ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بـ7.4 بالمئة من الأصوات، وفق النتائج الرسمية.
** إشادة وحسرة
تلك النتائج خلفت موجة تعليقات بين نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر، بالتزامن مع تحديد موعد انتخابات الرئاسة، لاختيار خليفة لعبد العزيز بوتفليقة (82 عامًا)، الذي أجبرته انتفاضة شعبية على الاستقالة، في 2 أبريل/ نيسان الماضي.
وتنوعت التعليقات والمنشورات بين الطرافة والدعوة إلى الاقتداء بالتجربة التونسية وبين استحالة تحقيقها على أرض الواقع.
وقال قادة بن عمار، إعلامي جزائري، على صفحته بـ”فيسبوك”: “عندما نتحدث عن الإنجاز التونسي فهذا مصدر فخر للتونسيين وحدهم”.
وأردف: “أمّا نحن فعلينا أن نشعر بالخيبة”. واستطرد قائلًا: “لأننا تراجعنا بسنوات”.
وتونس هي الوحيدة التي حظيت بانتقال ديمقراطي سلس من بين دول عربية عديدة شهدت، عام 2011، ثورات شعبية أطاحت بأنظمتها الحاكمة، ومنها مصر وليبيا واليمن.
وغرّدت فتيحة زماموش، إعلامية جزائرية مقيمة في تونس، بقولها: “قيس سعيّد ونبيل القروي في الدور الثاني”.
وتابعت: “انتخابات تونس تجربة تستحق الإشادة والانتباه والدراسة”.
وساخرًا من الانتخابات في تونس والجزائر، كتب الطيب توهامي، مخرج ومنتج سينمائي، على “فيسبوك”: “قيس سيكون رئيس تونس و”عنتر” سيكون رئيس الجزائر المقبل” (نسبة لشاعرين في الجاهلية).
وتابع قوله: “فمرحى لـعبلة بالرئيسين القادمين”.
وأرجع لزهر ماني، ناشط جزائري، تأهل كل من سعيد (61 عامًا)، أستاذ قانون دستوري، والقروي (56 عامًا)، رجل أعمال وإعلام، إلى الدور الثاني من السباق نحو قصر قرطاج الرئاسي إلى أن “الانتخابات جرت في شفافية وكانت نزيهة”.
واستطرد: “في انتخابات مثل هذه أين يتواجد ضمن المترشحين لها، رئيس حكومة ووزير دفاع سابق، وينجح فيها أستاذ جامعي.. أبشر أنّها كانت نزيهة”.
ومنذ استقالة بوتفليقة (1999-2019)، يطالب الجزائريون، عبر احتجاجات أسبوعية، بضمان إجراء انتخابات نزيهة.
وتابع “ماني” أن “الخطابات الدينية وخطابات دغدغة العاطفة الوطنية لم تعد تجدي نفعًا”.
وأرجع ذلك إلى أن “الجدية والواقعية وتاريخ كل مرشح معروف عند العام والخاص في عصر الرقمنة”.
وأشاد خالدي فضيل، ناشط جزائري، بتجربة الانتخابات التونسية قائلًا: “قبل أيام تناقشت مع بعض الأصدقاء. وقالوا إن التجربة الديمقراطية الجزائرية أقدم وأنضج وأفضل من التجربة التونسية ولا مجال للمقارنة بينهما”.
وأردف متحسرًا: “تذكرت حالنا وديمقراطيتنا وغادرت النقاش… احترامًا للتجربة التونسية الفتية”.
وأضاف أنه بعد تنصيب اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات بالجزائر، في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، لاحظ حجم الكراهية والسب والشتم والتخوين لأعضائها.
وللمرة الأولى منذ استقلال الجزائر عن فرنسا، عام 1962، أُنشئت هيئة مستقلة تُعنى بتنظيم ومراقبة والإشراف على الانتخابات.
وكانت العملية الانتخابية من صميم مهام الحكومة، ممثلة في وزارة الداخلية، ثم أُقحم القضاء، عام 2012، في عملية فرز الأصوات ومراجعة سجلات الناخبين، بمساعدة لجنة للمراقبة كانت تضم ممثلين عن الأحزاب، ثم تحولت إلى هيئة تضم مستقلين.
** ظروف مختلفة
بخصوص إمكانية تطبيق التجربة التونسية في الجزائر، قال يوسف حنطابلي، بروفيسور في علم الاجتماع، إن “ظروف البلدين تختلف عن بعضها، كما تتباين ظروفهما في الانتخابات”.
وأضاف حنطابلي للأناضول أن “السيناريو التونسي لا يمكن استنساخه أو تقليده في الجزائر لسبب بسيط، هو أنّ تجربة الانتخابات التونسية الحالية مرتبطة بمسار ما يسمى بـ”الربيع العربي وثورة 2011 بهذا البلد”.
وأطاحت ثورة 2011 بالرئيس التونسي آنذاك، الراحل زبن العابدين بن علي (1987-2011).
وتابع: “منذ 2011 والتجربة التونسية تتمخض عنها هذه الخيارات التي تحولت إلى انتخايات رئاسية تشهد ترشح الأكاديمي والوزير ورئيس الحكومة وغيرهم”.
ورأى أن “الجزائر لا يمكن أن تشهد هكذا سيناريو، لكون العملية الانتخابية يلفها نوع من القلق الاجتماعي والضبابية”.
واعتبر حنطابلي أن “أي شخصية تعلن عن ترشحها للانتخابات الرئاسية (في الجزائر) لن تكون بذلك الصدى الذي عرفته الانتخابات في تونس”.
واستطرد: “ولو أنّ المسار الجزائري سيؤول إلى السيناريو التونسي، لكن لا يمكن تطبيق أو استسناخ التجربة التونسية في بلادنا”.
وختم بأن “تجارب الانتخابات لا تُطبق، فهي عبارة عن مسار مرتبط بالتجارب السياسية لأي بلد”.
وشرعت اللجنة العليا للانتخابات في الجزائر، الخميس الماضي، في توزيع استمارات جمع التزكيات للراغبين في الترشح للاقتراع الرئاسي، وهي عملية تستمر أربعين يومًا قبل إيداع ملف الترشح كاملًا أمام اللجنة للنظر فيه.
الأناضول