توجهت أنظار الملايين في العالم إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث انعقدت بالأمس أولى جلسات قمة العمل المناخي، التي يشارك فيها قرابة 60 دولة و70 شركة عالمية مختلفة، وتُعلّق عليها الآمال في اتخاذ توصيات فعالة لإيقاف معدل الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية. كذلك يُنتظر من هذه القمة أن تجدد الالتزام بمقررات اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، بالنظر إلى حضور قادة دول فاعلة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والهند، وأما الصين فقد اكتفت بإرسال وزير خارجيتها فقط رغم أنها أكبر مصدر لانبعاث الغازات الدفيئة في العالم. من جانبها كانت الولايات المتحدة قد انسحبت من اتفاقية باريس في حزيران /يونيو 2017 رغم أنها تأتي في المرتبة الثانية عالمياً من حيث استهلاك الكربون وتلويث العالم. والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لم يكن من المقرر أن يحضر فعاليات القمة، جلس لوقت قصير وسط الحاضرين واستمع إلى خطبتين قصيرتين.
وتنعقد القمة في إطار مخاوف متزايدة من الأضرار البيئية والمناخية الناجمة عن تضخم معدل الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين، في حين أن معظم التقديرات العلمية تشير إلى الضرورة القصوى لإبقاء المعدل عند سقف الـ 1.5٪. ويقول أحدث تقارير الأمم المتحدة في هذا الصدد إن هذا الهدف لن يتحقق إلا باعتماد تحولات سريعة وشاملة، في ميادين الطاقة والصناعة والبناء والمواصلات والعمران المديني. ويشير العلماء إلى ظواهر مثيرة للقلق مثل ارتفاع مستويات البحار وازدياد سخونة المحيطات، وما تلحقه من أذى مباشر بالمحاصيل والحياة البرية والمياه العذبة، وتهديد أنواع حيوانية ونباتية بالاندثار، إلى جانب القضاء التدريجي على تنوّع الحياة والأحياء على كوكب الأرض، وشيوع موجات الحرّ الشديد والأعاصير وذوبان الكتل الجليدية.
كذلك تنعقد القمة على أعتاب مظاهرات حاشدة من أجل المناخ، شهدتها أكثر من 600 مدينة في 120 دولة، وتضمنت آلاف الفعاليات والأنشطة وأعمال الإضراب، وغلبت عليها مشاركة الفئات الشبابية مما عنى أن المسألة المناخية باتت في صلب هواجس الجموع من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية والتوجهات السياسية والإيديولوجية. وعلى هذا الأساس تبلورت أكثر من ذي قبل المسؤولية المناخية المباشرة لمؤسسات مالية كبرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكتل صناعية واقتصادية مثل مجموعة الـ7 ومجموعة الـ20 وأمثالهما.
إن مسألة المناخ لا تنفصل عن معضلة انقسام العالم إلى فقر مدقع غالب وغنى فاحش مقتصر على حفنة دول، وليست المجاعات ونقص الموارد وظواهر الجفاف والكوارث الطبيعية سوى ترجمة عملية للأثمان الباهظة التي يسددها بؤساء الأرض لصالح أثريائه. والمسألة تخص أيضاً علاقة الشعوب بأنظمة الحكم وقوانين المال والأعمال والاستثمار، كما في مثال الولايات المتحدة التي تعتمد حكومتها الفدرالية سياسات مناخية تتناقض مع رأي 60٪ من مواطني أمريكا يبدون مخاوف جدية إزاء التغيرات المناخية الناجمة عن ارتفاع معدلات الاحتباس الحراري. وهذه حال مماثلة تنطبق على رفض غالبية المواطنين في البرازيل للموقف المستهتر الذي اتخذه الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو حول حرائق غابات الأمازون.
وقد يكون بعيداً تحقيق هدف العام 2020 الذي حددته اتفاقية باريس لتخفيض الاحتباس، لكن الأخطار المناخية ليست قريبة فقط بل هي وشيكة ومطبقة.
القدس العربي