تلعب مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً “فيسبوك”، كونه الأكثر استخداماً، دوراً رائداً في تداول الصور والوثائق التي تُسرّب عادةً عبر صحافيين يعلمون في مكاتب الأحزاب أو الوزارات العراقية، وفضحها وتفسيرها وتوجيه أسئلة ومطالبات للحكومة بالكشف عن حقيقتها. ولعلّ الحكومة العراقية الحالية كانت قد تراجعت وتريّثت في أكثر من قرار ومشروع قانون بسبب الضجة الشعبية التي يتركها عراقيون على تلك المواقع.
آخر الصيحات كان الوثيقة المرتبطة بوزارة الإعمار والإسكان، والصادرة عنها، والتي أظهرت صرف مبلغ 45 مليار دينار إلى شركة لإجراء أعمال بناء مرقد رجل الدين محمد باقر الصدر. وقد شهدت أعلى نسبة تداول على مواقع التواصل خلال الأسابيع الماضية، الأمر الذي دفع وزارة الإعمار لإصدار توضيحات، مع صدور تعليقٍ من زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، والذي غرَّد في “تويتر” قائلاً إنّه “يُمنع مباشرة العمل في المرقد من أي جهة حكومية كانت من داخل العراق وخارجه، فنحن آل الصدر لا نشيد قبورنا بأموال عامة، وعلى حساب الفقراء”.
وليست هذه المرة الأولى، إذ لا يزال ناشطون ومدونون يقفون بوجه قرارات “تريّثت” فيها الحكومتان المركزية والمحلية والسلطة التشريعية، مثل مشروع قانون “قدسية كربلاء” الذي يشهد معارضة إعلامية قوية، ومشروع قانون جرائم المعلوماتية الذي يصفه صحافيون بأنه عودة إلى قيود نظام صدام حسين.
في السياق، يقول الصحافي العراقي علي الحياني إنّ “الحكومة العراقية تراقب مواقع التواصل الاجتماعي، عبر مكاتبها الإعلامية ووحدات الرصد الخاصة، لكي تنقل توجهات العراقيين إلى رئيس الحكومة، وتحديداً بما يرتبط بالمشكلات والأزمات التي تأتي على أثر صراعات سياسية أو فساد مالي أو خلافات حزبية”، مبيناً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “كثيراً من الملفات والقوانين تراجعت عنها المجالس المحلية في المحافظات بعد حملات إعلامية على (فيسبوك) نفّذها مواطنون عاديون، وهذا يعكس مخاوف الحكومات من آراء العراقيين ورفضهم لأمرٍ لا يتناسب مع تطلعاتهم”.
ويُضيف أنّ “الحكومة العراقية باتت أكثر ذكاءً من السابق، فهي حتى بمشاريع قراراتها المستقبلية، تُسرّب أحياناً لمدونين أو لصفحات متعاونة معها أخباراً عن أمور مستقبلية وتتابع ردود الفعل، ومن خلالها تُقرر، فقد تنفي الخبر وتُلغي بعدها المشروع أو تستكمل إجراءاتها إذا تحقّق القبول الشعبي، ومثل ذلك قد حدث مع التجنيد الإلزامي الذي تظهر فكرته بين فترة وأخرى ثم تختفي”.
برلمانياً، يُشير عضو مجلس النواب علي البديري إلى أنّ “الجيل الجديد تحرر من أساليب القمع التي كانت تسيطر على الأجيال السابقة، وباتت المعارضة للقرارات الحكومية أمرا طبيعيا ومعمولا به، وصار لديه موقع فيسبوك منصة جاهزة وسهلة ومجانية لمحاربة الفساد”. ويؤكّد في حديث مع “العربي الجديد”، “امتلاك أغلبية الأحزاب السياسية كُتابا ومدونين يروجون للأهداف الحزبية، إلا أن صوت المواطنين العاديين هو الأكثر تأثيرا والذي يبدو أنه ينتصر في كل حملة إعلامية على مواقع التواصل”.
من جهته، يُبيَّن المراقب للشأن العراقي غيث التميمي أنّ “مواقع التواصل الاجتماعي ووجود جيل جديد من الشباب يؤمن بأهمية بناء الدولة المدنية، ويُتقن استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال، يُرعب الأحزاب الدينية ويُهدد مكانتها، ولذلك باتوا يملكون جيوشاً إلكترونيّة فيها من أجل الدفاع عن مصالحهم، ولكن هذا الأمر بات مفضوحاً”. ويوضح لـ”العربي الجديد”، أن “فيسبوك هو الأكثر استخداماً في العراق، وهو اليوم يمثل حالة القلق الكبرى التي تُهدد أحزاب السلطة”.
بدوره، يرى أستاذ الإعلام في جامعة بغداد نبيل جاسم، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “العراقيين نجحوا في التأثير على الحكومة في كثير من مشاريع القوانين والإجراءات، عبر الحملات الإعلامية، مع أن هذه الظاهرة بدأت مع بداية حكومة حيدر العبادي السابقة، ولا يزال تأثيرها واضحاً، وباتت المواقع تمثل النافذة الشعبية التي تظهر من خلالها الآراء تجاه القرارات الحكومية والتوجهات السياسية، بطريقة لا تختلف عن خروج المواطنين في تظاهرات”.
ويُشير إلى أنّ “الحكومة العراقية تريّثت لأكثر من مرة بشأن قرارات معينة، وهذا دليل نجاح الرسائل التي تُركت عبر الموقع وتحديداً فيسبوك، بل ودفع الجهات الرسمية إلى إصدار بيانات توضيحية وتفسيرية بشأن كثير من القوانين بعد إبداء العراقيين استغرابهم أو تحفظهم منها”. ويستكمل بالقول إنّه “بالرغم من ذلك إلا أنّ هذا التأثير لم يصل لغاية الآن إلى مجلس النواب، نظراً إلى دهاليزه، وباعتبار أن القوانين التي تصدر منه تكون مشتركة من النواب والكتل. ولكن بطبيعة الحال، أصبح فيسبوك نافذةً لمراقبة الأداء السياسي والمالي في العراق وأي حركة خاطئة تعود على الحكومة أو الوزارات بملايين الكتابات وعشرات الحملات الرافضة”.
العربي الجديد