خمس أساطير حول الثورة الفرنسية

خمس أساطير حول الثورة الفرنسية

hassad1.782208

بعد مئتين وستة وعشرين عامًا على سقوط سجن الباستيل، لا تزال الثورة الفرنسية تثير مشاعر المؤرخين من أمثالي فقط على الأغلب. ولكن رغم ذلك، أثبتت العديد من الأساطير المحيطة بتلك الثورة أنه من الصعب إخمادها. وحتى اسم يوم الباستيل بحد ذاته فيه شيء من الخطأ. حيث إن العيد الوطني الفرنسي يحتفل في الواقع بذكرى حدثين منفصلين، هما سقوط حصن الباستيل في باريس بيد الحشود الثورية في 14 يوليو 1789، وأيضًا، لأن مشرعي القرن الـ19 أرادوا شيئًا أقل دموية للاحتفال به، يتذكر الفرنسيون في هذا العيد “مهرجان الاتحاد” الهائل والسلمي الذي عقد في جميع أنحاء البلاد يوم 14 يوليو 1790، للتعبير عن التزام الشعب الفرنسي بالحرية والوحدة.

وبمناسبة ذكرى هذا العام، فيما يلي سرد للقصص الحقيقية وراء خمس إشاعات كاذبة أخرى حول الثورة الفرنسية:

1. عندما قيل لها إن الفقراء الجياع ليس لديهم خبز لتناوله، ردت الملكة ماري أنطوانيت، دعوهم يأكلون الكعك

منذ ثلاث سنوات فقط، لم تكرر صحيفة نيويورك بوست هذه الخرافة فقط، بل ادعت أيضًا أنها كانت السبب في إشعال الثورة الفرنسية. وفي الواقع، لم تكن الكلمة الفرنسية “gâteau” بمعنى الكعك، بل “brioche” بمعنى المعجنات الشبيهة بالخبز. وأيضًا، لم تقل الملكة أنطوانيت شيئًا كهذا أبدًا في الواقع.

وفي حين لم تكن ماري أنطوانيت مثالاً للتواضع أو البساطة، إلا أنه كان لديها غرائز خيرية حقيقية تجاه الفقراء. ولكن بعد عام 1789، وبسب معارضتها لقيام الثورة الفرنسية، أصبحت أنطوانيت واحدة من أكثر الشخصيات المكروهة في البلاد. واتهمها الصحفيون بأنها قاتلة، ومثلية الجنس، تتآمر لخيانة البلاد لصالح عدو فرنسا، ووطنها الأصلي، النمسا.

وفي خريف عام 1793، وبعد أقل من عام على إعدام زوجها الملك لويس السادس عشر، قدمت الحكومة الثورية ماري أنطوانيت للمحاكمة على الجرائم التي تضمنت الاعتداء الجنسي المزعوم على ابنها. وثبت أنها مذنبة، وتوفيت على المقصلة.

2. الثورة الفرنسية كانت انتفاضة المضطهدين

ليست “قصة مدينتين” لتشارلز ديكنز  سوى واحدة من العديد من الروايات التي صورت البائسين والفقراء في فرنسا وهم يقومون بالانتقام من مضطهديهم الأرستقراطيين خلال الثورة. ولكن في الحقيقة، لعب أفقر الفقراء دورًا صغيرًا نسبيًا في الثورة التي بدأت بين النبلاء الأثرياء والمهنيين في قاعات الاجتماعات في فرساي، قبل أسابيع من سقوط سجن الباستيل.

وحتى العنف الشعبي الكبير، والذي قاد الثورة إلى الأمام، كان في الغالب من صنع الرجال الذين لديهم ما يخسرونه. وفي الريف كما أظهر العديد من المؤرخين، كان الاحتجاج موجهًا ضد النخبة الإقطاعية، والضرائب والرسوم التي جمعتها هذه النخبة من الفلاحين. وأما في المدن، فقد جاء المسلحون الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “بلا-كولوتيس” أو “من دون المؤخرات”، أي أولئك الذين لا يرتدون لباس الأثرياء، في معظمهم من صفوف الحرفيين، وأصحاب المتاجر، والموظفين. وكان قادتهم في الواقع من المهنيين وأصحاب الورش أيضًا.

3. الثورة الفرنسية اخترعت المقصلة

لا شيء يرمز إلى الثورة الفرنسية في المخيلة الشعبية أكثر من المقصلة، التي أصبحت الوسيلة الرئيسة لتنفيذ أحكام الإعدام علنًا، وأدت إلى مقتل حوالي 16 ألف شخص خلال “عهد الإرهاب” بين عامي 1793 و1794.

وقد عزا عدد من مشاهير المفكرين، ومن بينهم الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، اكتشاف المقصلة إلى المشرع الثوري والطبيب جوزيف إينياس غليوتان، الذي نجا هو نفسه بأعجوبة من المقصلة بعد سجنه خلال عهد الإرهاب في عام 1794.

ويقترب كتاب “الثورة الفرنسية للمبتدئين” من الحقيقة إلى حد ما، قائلاً إن الجهاز شهد أول ظهور علني له خلال الثورة، إلا أن غليوتان لم يخترعه. وفي الواقع، عارض غليوتان عقوبة الإعدام، ودعا إلى تنفيذ العقوبة بطريقة إنسانية، وغير مؤلمة، بواسطة آلة قطع الرأس، كخطوة أولى على الطريق إلى إلغاء عقوبة الإعدام نهائيًا.

وكانت الأجهزة المماثلة قد استخدمت قبل قرون من الثورة الفرنسية، بما في ذلك “مشنقة هاليفاكس” المماثلة للمقصلة تقريبًا في غرب يوركشاير، إنجلترا. وبقيت المقصلة قيد الاستخدام في فرنسا حتى وقت متأخر من عام 1977.

4. ماكسمليان روبسبير كان دكتاتورًا متعطشًا للدماء

ينظر إلى الشخص الأكثر ارتباطًا بعهد الإرهاب الثوري، وهو روبسبير، على نطاق واسع، خاصةً من قبل الأوروبيين والأمريكيين، كشمولي سعى للحصول على السلطة المطلقة. وقالت آن كولتر في كتابها “شيطاني” في عام 2011: “حصل هتلر على قواعد اللعبة التي مارسها من روبسبير“. وحتى جوناثان إسرائيل من معهد الدراسات المتقدمة تحدث مرارًا وتكرارًا عن “دكتاتورية” روبسبير، في كتابه “تاريخ الثورة” الصادر عام 2014.

وكان روبسبير، وهو محامٍ قاسي الطباع من بلدة أراس في شمال فرنسا، واحدًا فقط من 12 عضوًا في لجنة السلامة العامة، التي مارست صلاحيات شبه ديكتاتورية لمدة تقل عن سنة بين عامي 1793 و1794. وكان روبسبير العضو الأكثر تأثيرًا في اللجنة، وكانت كتاباته وخطبه أكثر أهمية من أي شيء آخر في تحديد أيديولوجية الإرهاب.

ولكن عندما كان الإرهاب يتجه نحو ذروته، كان روبسبير يقضي تلك الأسابيع الحاسمة طريح الفراش. وعلى حد تعبير المؤرخ كولن جونز، “كان رجلاً دمرته الثورة أكثر منه رجلاً دمر الثورة“.

وقد قادت الحالة العقلية غير المستقرة لروبسبيير، بالإضافة لعدم قدرته على ممارسة السيطرة الديكتاتورية على الأحداث، مباشرةً إلى سقوطه وإعدامه، جنبًا إلى جنب مع العديد من حلفائه الرئيسين، في نهاية يوليو 1794.

5. الثوار اقتحموا سجن الباستيل للإفراج عن السجناء السياسيين المحتجزين هناك

يرجع تاريخ هذه الخرافة إلى الثورة نفسها، وهي لا تزال تظهر بانتظام في كل يوم 14 يوليو. وكرر ستيف اينسكيب من NPR هذه الخرافة قبل عام، قائلاً: “في مثل هذا اليوم من عام 1789، اقتحمت الحشود سجن الباستيل في باريس، وهو المكان الذي احتجز فيه الملك لويس السادس عشر أعدائه“.

وإنه لمن الصحيح أن الملكية الفرنسية سجنت المئات من الكتّاب التحريضيين، بما في ذلك فولتير، في القلعة الكبيرة المطلة على شرق باريس خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلا أنها كانت قد توقفت إلى حد كبير عن فعل هذا قبل سنوات من اندلاع الثورة. وفي يوم 14 يوليو عام 1789، كان في الباستيل سبعة سجناء فقط، هم أربعة مزوّرين، واثنان من المجانين، وأحد النبلاء المتهمين بالشذوذ الجنسي.

وقد سارت الحشود الباريسية إلى الباستيل بهدف الاستيلاء على البارود المخزّن هناك، ولكي تتمكن من تسليح نفسها ضد الهجوم المعاكس الذي كان من الممكن أن ينفذه الجيش الملكي على المدينة والجمعية الثورية الجديدة. وكانت ذكرى الدور الذي لعبه الباستيل في السابق هي السبب الذي أعطى سقوطه أهميته الرمزية الهائلة. وبعد ذلك بقليل، أمر التجمع المنتصر بهدم المبنى.

ديفيد بيل – واشنطن بوست

التقرير