الباحثة شذى خليل*
أزمات متتالية تواجه الاقتصاد العراقي، وبالأخص بعد عام 2003 ، واعتماد العراق بشكل شبه كلي على الاقتصاد الريعي النفطي، لكن .. الأهم في هذا المقال هو تسليط الضوء على الدور الإيراني في الاستحواذ والسيطرة بكل الوسائل والطرق على الاقتصاد العراقي، وسيتم عرضها بالتفصيل .
أكثر من 14.8 مليون مواطن عراقي عاطل:
ذكرت “إندبندنت عربية” أن المواطن العراقي يعاني العديد من الأزمات الاقتصادية، على الرغم من امتلاك العراق لاحتياطيات نفطية ضخمة، هذه الأزمات تمثلت في انتشار الفقر على نطاق واسع، وزيادة معدلات البطالة، وارتفاع نسب التضخم، والفساد المستشري بكل مفاصل الدولة، هذا بخلاف عدم قدرة الحكومة العراقية على مواجهة الميليشيات التابعة لإيران، والتي حوّلت العراق إلى ساحة للمعارك التي كان يجب أن تكون على الأراضي الإيرانية وليست العراقية.
وبحسب آخر إحصاء أجراه الجهاز المركزي للإحصاء في بغداد، في أغسطس/ آب الماضي، فإن نسبة البطالة بين الشباب في العراق بلغت 22.6%. فيما قدّرت منظمة “النماء” العراقية نسبة النساء العاطلات بأكثر من 80%.
هذا في الوقت الذي أعلن فيه صندوق النقد الدولي في مايو/أيار 2018، أن معدل بطالة الشباب في العراق بلغ أكثر من 40%، من أصل تعداد سكان العراق البالغ 37 مليون نسمة، بحسب آخر إحصائية أعلنتها وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يعني أن 14.8 مليون عراقي يقفون في طابور العاطلين.
العراقيون يعانون من البطالة.. والعمالة الإيرانية تعمل على أراضيه !
على حساب لقمة عيش المواطن العراقي الفقير، وارتفاع البطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية والصحية، نلاحظ ارتفاع عدد العاملين الإيرانيين في العراق بشكل ملفت بعد “تردي الأوضاع الاقتصادية داخل إيران، بسبب انهيار العملة الإيرانية أمام الدولار الأمريكي، نتيجة عقوبات واشنطن، مما دفعهم إلى المجيئ للعراق من أجل العمل بمرتب شهري حوالي 200 دولار أمريكي.
إن استمرار تدفق العمالة الإيرانية مؤخراً يفاقم أزمة العمل في العراق بشكل أكبر مما هو عليه الوضع سابقاً، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة في البلد إلى أعلى مستوياتها.
وهذا يرجع إلى منافسة الإيرانيين للعراقيين في فرص العمل نظراً لقبولهم أجوراً قليلة جداً، وهو ما أدى إلى تفضيلهم على أبناء البلاد من قبل أصحاب المعامل والشركات ومتاجر البيع.
قال نصير الساعدي، مدير معمل للصناعات البلاستيكية في منطقة الوزيرية وسط بغداد: “إن العراق يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة لا تقل عما تعيشه إيران في ظل الحصار”.
وان السبب يعود للفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وغياب التخطيط الذي أدى إلى تدهور القطاع الخاص، ما أثر بشكل كبير في طبقة العاملين في العراق، وأغلب أصحاب المصانع والشركات والمتاجر يعانون من قلة السيولة المادية وقلة المبيعات، بسبب سيطرة البضائع المستوردة على السوق العراقية، ما دفعهم إلى تفضيل العمالة الأجنبية على اليد العاملة العراقية.
وأكد الساعدي أن سبب هذا التفضيل يعود إلى فرق الأجور اليومية التي تصل إلى أقل من النصف مقارنة بالعاملين المحليين، مع تقديمهم خدمات كبيرة تفوق ما يقدمه العامل العراقي، لافتاً إلى أنه سرح 12 عاملاً من أبناء البلاد واستبدلهم بإيرانيين.
من جهته، قال المواطن حسين العبودي وسط حسرات ظهرت على حديثه: “أنا متزوج ولدي 5 أطفال، وتم تسريحي من المصنع الذي كنت أعمل به، حالي حال المئات من العراقيين، ليحل محلنا عمال إيرانيون، من يحمي حقوقنا ونحن على ارضنا ؟.
إذا كان للإيراني الوافد إلى العراق معاناة وظروف معيشية صعبة في بلده، فإن للعراقيين ظروفاً أصعب بكثير، ومعاناة الطبقة العاملة في مناطق جنوبي البلاد مستمرة منذ سنوات بسبب العمالة الأجنبية، لكن دخول أعداد كبيرة من الإيرانيين في الفترة الأخيرة زادت الطين بلة.. أين الرقابة وأين الدولة؟ هل يفضل الإيراني على ابن البلد؟!
ويتسائل المواطن “لماذا يتعرض المواطن العراقي إلى إهانات واعتداءات تصل إلى حد الموت عندما يذهب إلى إيران، بينما يحظى المواطن الإيراني في العراق باهتمام كبير إلى درجة تفضيله على المواطنين المحليين؟، من المسؤول عن هذا التفضيل ومن المسؤول عن كرامة العراقي في الخارج؟
وأضاف المواطن عدنان العنبكي، أحد العاملين في “شركة الربيع للمنتجات الغذائية”: “إن الإيرانيين الوافدين أخذوا ينافسون العراقيين في أرزاقهم، وذلك لقلة الأجور التي يحصلون عليها”.
واكد بعض أصحاب الشركات تسريحهم لعدد من العاملين العراقيين والأجانب من دول أخرى ليحل محلهم عمال من إيران.
تبذل إيران جهوداً في تعزيز نفوذها بكل الاتجاهات وبكل الطرق للتغلغل والسيطرة على مفاصل العراق الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية، وفعلا قطعت أشواطا بهذا الاتجاه.
ويتضح الدور السلبي الذي لعبته إيران على الجانب الاقتصادي المجتمعي في النقاط الآتية:
الاستحواذ على الأسواق والاستثمارات الاقتصادية في العراق.
السيطرة على المشاريع الاستثمارية والخدمية، خصوصًا في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية ضد تنظيم داعش، فعملية التدمير الكبيرة التي شهدتها هذه المدن، وفرت ملايين الدولارات للشركات الإيرانية، فسيطرت ميليشيات مسلحة تابعة للحشد الشعبي على هذه المنطقة، تتركز مهمتها الأساسية في إناطة عمليات إعادة الإعمار في هذه المدن للشركات الإيرانية مستقبلًا، إذ من خلالها ستسعى الشركات الإيرانية إلى الاستحواذ على النسبة الأكبر من عقود وصفقات عمليات إعادة الإعمار.
تأهيل وزج رجال الأعمال الموالين لها، من أجل تعزيز النفوذ الاقتصادي الإيراني في الاقتصاد العراقي.
النفط: التحكم بعمليات تصدير البترول خصوصًا في الآبار المنتشرة على طول الحدود العراقية الإيرانية، التي تصل الاحتياطات النفطية فيها إلى أكثر من 100 مليار برميل، خصوصًا في ظل تجاهل الحكومات العراقية بعد عام 2003 لها، إذ يمتلك العراق نحو 12 بئرًا نفطية مفعلة ومشتركة مع إيران، ويصل معدل التصدير الإيراني من هذه الحقول إلى أكثر من 400 ألف برميل يوميًا قبل دخول الحزمة الثالثة من العقوبات الأمريكية على إيران، التي تم بموجبها تصفير إمدادات الطاقة الإيرانية في مايو 2019، إلى جانب أن أغلب الحقول النفطية المشتركة تخضع لسيطرة إيرانية مطلقة، لماذا يا من تتحمل مسؤولية إدارة ثروات البلاد؟
يشير الكثير من الخبراء الاقتصاديين إلى أن مجموع ما يستنزف من الحقول النفطية العراقية المشتركة مع إيران يصل إلى 35 مليار دولار سنويًا، علمًا بأن تقارير سابقة بينت أن ما تستنزفه إيران يصل إلى 17 مليار دولار.
جعل أغلب البنوك العراقية مرتبطة بصورة أو بأخرى بالبنوك الإيرانية المنتشرة في عدة مدن عراقية، وذلك من أجل فرض الوصاية الاقتصادية على سوق الأوراق المالية، والاستفادة من فائض العملة الصعبة وتهريبها إلى إيران.
وعلى صعيد الصادرات النفطية، استطاعت إيران وبعد عملية تدمير ممنهج للمصافي النفطية في مدينة صلاح الدين العراقية، في أثناء عمليات تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، وبالتعاون مع جماعاتها المسلحة، أن ترفع صادراتها النفطية إلى العراق من 30% إلى 50% في بداية العام 2018.
الحلم الإيراني، تسعي إيران إلى تحقيق حلمها الاقتصادي على اكتاف العراقيين، من خلال ربط تحركاتها العسكرية التي تجري على الأرض بأهدافها الاقتصادية، من خلال مشروعها المتمثل بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وذلك بمد أنبوب لتصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر الأراضي العراقية مرورًا بالمناطق السورية التي تقع تحت سيطرتها، ومن طرطوس إلى أوروبا.
الدفع باتجاه طرد كل رؤوس الأموال الأجنبية المنتشرة على الساحة العراقية، من خلال عمليات التهديد والابتزاز التي تقوم بها الميليشيات المسلحة المنتشرة هناك.
التحايل الإيراني على العقوبات الدولية من خلال البوابة الاقتصادية العراقية:
تسعى إيران إلى توظيف أغلب التشريعات الحكومية العراقية الخاصة بقوانين الاستيراد والتصدير، من خلال الاكتفاء بشهادة المنشأ، دون أخذ عينات من البضائع المستوردة وفحصها في مراكز القياس والسيطرة النوعية، وهذا الأمر أدى إلى تكدس كبير للبضائع الإيرانية على الحدود مع العراق، بحيث أغرقت إيران السوق العراقية بكل منتجاتها، ولم تقتصر هيمنة البضائع الإيرانية على مناطق بغداد وجنوبي العراق، وإنما تعدت ذلك إلى المناطق الشمالية التي كانت تشهد وجودًا اقتصاديًا تركيًا ملحوظًا في مرحلة ما قبل ظهور تنظيم داعش.
وعلى مستوى قطاع الخدمات، فقد وصل معدل استيراد العراق للطاقة الكهربائية من إيران إلى 6 مليارات دولار سنويًا، أما قطاع النقل والموصلات، فيظهر هيمنة إيرانية واسعة فيما يتعلق بالرحلات البرية والجوية، إذ تهيمن شركات النقل البري الإيراني على مجمل عمليات النقل البري التي تجري بين البلدين، أما النقل الجوي فيظهر سيطرة واضحة للخطوط الجوية الإيرانية، حيث يصل معدل الرحلات اليومية بين العراق وإيران إلى 120 رحلة يومية، ويحصل العراق على 30% فقط من عوائد النقل، فيما يذهب الباقي إلى الخزينة الإيرانية.
السياحة الدينية في العراق:
استثمرت الشركات السياحية المملوكة لإيران بشكل كبير في إدارة مراسيم الزيارة إلى كربلاء والنجف، لضمان إنفاق الزوار الإيرانيين مبالغ أقل من أي زائر آخر، كما تم التشجيع على الاستثمار من القطاع الخاص الإيراني في المدينتين المقدستين، مثل بناء الفنادق، وبالتالي أصبحت الجهات الفاعلة في المدينتين إيرانية، مسيطرة على مجمل قطاع الفندقة في مدينتي كربلاء والنجف، سواء من حيث الإدارة أو الأيدي العاملة، إذ سعت إيران إلى الدفع بالكثير من رجال أعمالها للهيمنة على المشاريع الكبرى في مدينتي كربلاء والنجف، لتشكل فيما بعد ورقة ضغط حيال أية تسويات تتعلق بنفوذها في العراق، ففي العام 2016 دخل ما يقارب نصف مليون إيراني إلى العراق في أثناء إحياء مراسيم عاشوراء في كربلاء، من دون تأشيرات الدخول، وتكررت هذه الحالة في الأعوام التي تلتها، بالإضافة إلى إدخال الكثير من البضائع المهربة، من أجل تقويض عملية النمو في هاتين المدينتين.
بالإضافة الى وسائل النقل من وإلى العراق، كذلك يحرص الزائر الإيراني الوافد إلى العراق إلى عدم تسريب عملته المحلية الإيرانية في العراق، لا سيما أن القنصليات الإيرانية الموجودة في الأماكن المقدسة، تلعب دورًا اساسيًا في تنفيذ هذه البرامج.
أزمة مياه في العراق:
قيام إيران بتغيير مجرى نهر الكارون المقابل للجانب العراقي، المحمل بالكثير من المخلفات النفطية ومخلفات مشاريع البزل وغيرها، مما أدى إلى موت الملايين من أشجار النخيل، وبعد أن كان العراق ينتج ثلاثة أرباع محصول التمر الإجمالي في العالم، أصبح حاليًّا يأتي بعد مصر وإيران والسعودية في ترتيب الدول المنتجة، نظرًا لما يعانيه من تراجع شديد في إنتاج التمور، بسبب السياسات الإيرانية، إلى جانب خسارة العراق للكثير من ثروته السمكية، لتفرض إيران يدها على هذه القطاعات أيضًا.
تفرض إيران هيمنتها الاقتصادية على العراق، من أجل تعزيز نفوذها الاقتصادي فيه، وتقوم إيران بين الحين والآخر عن طريق مناصريها في العراق، إلى الدعوة لمقاطعة البضائع العربية والأجنبية الموجودة في السوق العراقية، رغم ندرتها، هذا إلى جانب تصفية الكثير من تجار الجملة الذين لا يتعاملون مع الشركات الإيرانية، أو على الأقل لا يستوردون البضائع الإيرانية، من أجل خلق طبقة تجارية تتعامل مع السوق والشركات الإيرانية فقط.
وهذا يقود للاستنتاج بأن الاقتصاد الإيراني ابتلع الاقتصاد العراقي، من خلال دخول الشركات والمستثمرين الإيرانيين إلى العراق، وأصبحت عبارة “ساخت إيران” وتعني “صنع في إيران” هي الأكثر شيوعًا وشهرةً بين المنتجات في السوق العراقية، وهي العبارة التي تسعى إيران إلى جعلها الماركة الوحيدة المهيمنة والمتحكمة بالسوق العراقية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية