لا يبدو أن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة العراقية في محاولة لاحتواء الاحتجاجات الواسعة في البلاد تنجح حتى الآن في امتصاص الغضب الشعبي غير المسبوق. ورغم أن العراق شهد مظاهرات واحتجاجات واسعة في 2016، لكنها كانت إلى حد ما احتجاجات “ملونة سياسيا” ضمن صراعات النخبة السياسية التي تطغى عليها أحزاب وجماعات طائفية، لبعضها ميليشيات مسلحة.
لكن الاحتجاجات الحالية، التي تأتي بعد عام من تولي حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء بدعم من الأحزاب الطائفية الموالية لإيران، عمادها الشباب ولا تُرفع فيها شعارات حزبية أو طائفية، وإنما تتركّز على معارضة الفساد والتدهور الاقتصادي، وتحتجّ على فشل الحكومة في حل مشكلات البلاد الاقتصادية.
ركزت الإجراءات التي أعلنتها الحكومة على منح أراضٍ للمواطنين وبناء وحدات سكنية، والأهم صرف إعانة بطالة بقيمة 145 دولارا (175 ألف دينار عراقي) شهريا لمدة ثلاثة أشهر. لكن تلك الإجراءات لم تقنع المتظاهرين المطالبين بما قد لا تتحمله الحكومة، وهو القضاء على الفساد.
واضطرت الحكومة إلى الإعلان، الاثنين، عن إجراءات اقتصادية جديدة ستعلن عنها لاحقا. وتعهد الرئيس العراقي، برهم صالح، محاربة الفساد. لكن المشكلة أن هؤلاء الشباب العراقيين المتظاهرين غير المنتمين سياسيا سمعوا هذه الوعود مرارا وتكرارا من قبل على مدى السنوات الماضية، بينما لا يرون أي تحسن. على العكس، كلما زاد دخل البلاد بزيادة إنتاج النفط وتصديره يزداد البؤس الاقتصادي لقطاعات واسعة من العراقيين.
يذكر أن الاحتجاجات التي بدأت مطلع الشهر جاءت ردا على الردّ الأمني على تجمع خريجين أمام مصالح حكومية الشهر الماضي مطالبين بفرص عمل. وبسرعة، انتشر الغضب بين آلاف الخريجين العاطلين وفئات أخرى مهمشة، بينما يرون المسؤولين والقيادات الطائفية السياسية تهدر الأموال بشكل مستفز.
خلفية بائسة
منذ الغزو والاحتلال الأميركي- البريطاني للعراق في 2003، يسعى العراق لإعادة الإعمار بعد ما خلفته الحرب وسنوات الحصار الطويلة التي سبقتها. لكن صعود الطائفية والنزعات العرقية وقف عقبة أمام أي تنمية اقتصادية حقيقية. وربما كان النجاح الوحيد هو استعادة العراق قدراته الإنتاجية في قطاع النفط.
وفي 2014، كرّست الحكومة أغلب موارد البلاد لمحاربة تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق واسعة من شرق وشمال شرق العراق. وذهبت مخصصات هائلة لميليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران. وشجع ذلك على توسع رقعة الفساد، سواء في تلك المخصصات أو في المشتريات العسكرية.
العراق… تظاهرات استحقاق غياب الإصلاح الشامل!
ورغم الإنفاق الهائل على إعادة الإعمار، فإن الخدمات الأساسية في البلاد ما تزال في وضع متدهور. صحيح أن الحكومة الحالية تمكنت من تحسين توفر الكهرباء والمياه التي كانت سبب معاناة العراقيينن لسنوات، إلا أن ذلك ليس كافيا. فما زال الناس يستكملون احتياجاتهم من المياه عبر شرائها من شاحنات جوّالة أو من آبار.
وإذا كانت الحكومة السابقة عانت من تراجع العائدات مع انهيار أسعار النفط في 2014، فإن حكومة عادل عبد المهدي جاءت إلى السلطة وأسعار النفط في تحسن، وبالتالي دخل البلاد الذي تُشكّل عائدات النفط 85% منه.
إلا أن استمرار الفساد وسوء الإدارة في القطاع الحكومي والعام، الذي يشكل عماد الاقتصاد العراقي، يبتلعان أغلب عائدات البلاد. وما تبقى للإنفاق على الخدمات العامة لا يترك مجالا للاستثمار التنموي وتشجيع القطاع الخاص. هذا باستثناء الاستثمار في قطاع النفط، الذي ربما كان أكثر القطاعات فسادا ويزداد تغلغل الفساد فيه عبر السنوات الماضية.
أرقام كلية
يصل الناتج المحلي الإجمالي للعراق ما يقرب من 200 مليار دولار، ويشهد نموه خطّاً عالي التذبذب نتيجة عوامل عدة، أهمها أسعار النفط، الذي تشكّل مبيعاته نحو 80% من العملة الأجنبية للعراق.
انكمش الاقتصاد بمعدل كبير، فمقابل نمو بنسبة 13.1% في 2016، تراجع النمو بشدة إلى معدل سالب -2.1% في 2017، وبالكاد تجاوز النمو السلبي العام الماضي.
ورغم أن معدلات التضخم متدنية جدا (أقل من 1%)، فإن سعر الفائدة في العراق عند نحو 6%، لهذا كان من بين إجراءات الحكومة التي أعلنتها تسهيل تقديم القروض للشباب.
ومع تدهور بقية قطاعات الاقتصاد، ربما يعد قطاع الطاقة الوحيد الذي يعتمد عليه العراق. وينتج العراق حاليا أكثر من 4.5 مليون برميل يوميا، يصدر منها أكثر قليلا من 3 ملايين برميل يوميا. ويسعى العراق لتطوير إنتاجه النفطي ليصل إلى 6 ملايين برميل يوميا.
وكانت أغلب المؤسسات الدولية تتوقع نموا كبيرا للاقتصاد العراقي هذا العام، إلا أن الأوضاع الحالية لا تبشّر بأن ذلك سيتحقق. ففي الأغلب إذا تمكنت الحكومة من تجاوز الاحتجاجات والبقاء قي الحكم فسيكون ثمن ذلك إنفاق مخصصات كبيرة على الخدمات وتوفير الوظائف ومشروعات خدمية قد لا تكون مستدامة، لكنها توفر فرص عمل كبيرة العدد.
فقر وبطالة
نشر مشروع “بورغن” العام الماضي حقائق عدة حول الفقر في العراق، منها:
– منذ عام 2014 هناك نحو 10 ملايين عراقي في حالة عوز، ونحو 3 ملايين عراقي نازحين من موطنهم إلى أماكن أخرى في العراق.
– حسب البنك الدولي “تدهورت مستويات المعيشة بشكل حاد ما جعل شريحة كبيرة تهبط تحت خط الفقر، وهناك شريحة أخرى في وضع يجعلها قريبة من خط الفقر”.
– هناك زيادة في عدد السكان لا تقابلها تنمية كفيلة بتوفير فرص العمل في الاقتصاد.
– ارتفعت معدلات الفقر بين العراقيين إلى نحو 23% من السكان حسب أرقام 2014. وإن كان البعض يقدر أن نسبة أكبر مما هو معلن رسميا هي بالفعل تحت خط الفقر.
تبلغ نسبة البطالة في العراق حسب الأرقام الرسمية أكثر من 11 في المئة (11.2% حسب البنك الدولي)، لكنها تتراوح في فئة الشباب ما بين 17 إلى 27 في المئة. ويشكل الشباب نحو 60 في المئة من سكان البلاد، البالغ عددهم أكثر من 40 مليون نسمة. وتصل نسبة البطالة في بعض المناطق إلى أكثر من 40 في المئة، كما في البصرة التي يقطنها نحو 4 ملايين نسمة. ومن المفارقات أن نحو 70 في المئة من ثروة العراق النفطية موجودة في البصرة.
الحكومة هي أكبر موظف في البلاد، حيث تستوعب نحو 80% من العمالة في العراق. في ميزانية 2019 خصصت الحكومة 52 مليار دولار للعاملين في الحكومة والقطاع العام، تشمل الرواتب ومعاشات التقاعد والضمان الاجتماعي. ويزيد هذا المبلغ بنسبة 15% عن المخصص في ميزانية العام الماضي.
اندبندت العربي