قال باحث أميركي إن على الولايات المتحدة أن تحدد طبيعة الدور الذي تريد الاضطلاع به في الشرق الأوسط بعد أن انتهت الحرب في سوريا بالنسبة لها.
وأضاف الباحث سيث فرانتزمان المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط لإعداد التقارير والتحليلات ومقره ولاية ماساتشوسيتس الأميركية في مقال بمجلة ناشونال إنترست أن قرارا بهذا الشأن قد يصبح عنصرا أساسيا في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، وربما تكون له تداعيات متعاقبة تفضي إلى فقدان الولايات المتحدة مزيدا من النفوذ في تركيا والعراق وحتى الخليج.
ويقول الكاتب بنبرة تنم عن سخرية بائنة إن سحب القوات الأميركية من سوريا هو الشيء “المنظم” الوحيد الذي يحدث على ما يبدو في سوريا، ومع ذلك لا ترى واشنطن أن قرارها ينطوي على إنهاء الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ووفقا لفرانتزمان، فإن من المحتمل أن تواصل الولايات المتحدة ضرباتها الجوية وحتى عملياتها الخاصة في سوريا انطلاقا من العراق أو من مكان آخر.
ردود فعل متباينة
تعرض القرار الأميركي بالخروج المفاجئ من سوريا لانتقادات وصفته بالخيانة، لكنه حظي في الوقت نفسه ببعض الإشادة لإنهائه العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية التي تتهمها تركيا بالارتباط بحزب العمال الكردستاني.
وبحسب فرانتزمان، مخطئ من يظن أن الولايات المتحدة تتجه بقرارها ذلك إلى التركيز على معارضة نظام الرئيس السوري بشار الأسد وإيران “فتلك ليست هي القضية”، فالأسد وإيران وروسيا وتركيا منهمكون في “الاستيلاء على الغنائم”.
إن الولايات المتحدة منخرطة اليوم في حرب بأفغانستان منذ 18 سنة، وهي الحرب التي وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها “من دون نهاية”، ولذلك هو يريد مغادرة أفغانستان بنفس الطريقة التي غادر بها سوريا.
فرانتزمان: زيارة بوتين للسعودية تنطوي على رمزية خاصة هي أنه رجل دولة وأن دولا عدة تتقارب مع موسكو واحدة بعد أخرى (رويترز)
فرانتزمان: زيارة بوتين للسعودية تنطوي على رمزية خاصة هي أنه رجل دولة وأن دولا عدة تتقارب مع موسكو واحدة بعد أخرى (رويترز)
ويرى كاتب المقال أن خروجا من هذا القبيل ممكن أن يحدث في أي وقت، فقد نبذت واشنطن اتفاقها مع حركة طالبان الذي اجتهد المبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد لإبرامه مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة.
ومن شأن انسحاب أميركي من أفغانستان بدون اتفاق -في نظر فرانتزمان- أن يترك الأبواب إلى أفغانستان مشرعة أمام النفوذ الباكستاني والروسي وكذلك الهندي والإيراني، وهناك الصين على التخوم الشرقية، وهي تريد أن تكون لها كلمة أيضا، ذلك أن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بحاجة إلى الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى.
وفي العراق، توجد قوات أميركية بدعوة من بغداد، ويعتبر فرانتزمان أن وجود تلك القوات يشكل تحديا رئيسيا، فالعراق ينوء تحت وطأة أزمة بسبب الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي أسفرت عن مقتل نحو 150 شخصا.
الارتباط بالعراق واهٍ
ويرى الكاتب أن هناك العديد من الأحزاب والجماعات العراقية ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، وإزاء هذا المشهد الذي تتسم به الساحة السياسية وشبه العسكرية في العراق يبدو جليا أن الولايات المتحدة ترتبط بعلاقة “واهية” مع مستقبل العراق.
وفي ظل مشهد من ذلك النوع قد يطلب من القوات الأميركية المغادرة، كما ظلت تنادي به بعض الأصوات الموالية لإيران، وهو ما سيضعف حكومة إقليم كردستان في شمال البلاد التي ظلت شريكا أساسيا للولايات المتحدة، بحسب كاتب المقال.
وفي منطقة الخليج، يزعم فرانتزمان في مقاله أن عجز منظومة الدفاع الصاروخي الأميركي والجيش السعودي المزود بسلاح أميركي عن التصدي لصواريخ كروز والطائرات المسيرة وهي تسقط على المنشآت النفطية في بلدة بقيق كان بمثابة انتكاسة للمصالح الأميركية.
بوتين النجم الصاعد بالمنطقة
ثمة مشكلة أخرى تواجه واشنطن في المنطقة ألا وهي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا للرياض بهدف تعزيز علاقات بلاده المتنامية مع السعودية.
ويرى مدير مركز الشرق الأوسط لإعداد التقارير والتحليلات أن تلك الزيارة تنطوي على رمزية خاصة، ذلك أن دولة إثر أخرى في المنطقة بدأت تنظر إلى بوتين على أنه “صانع سياسة” تتميز قراراته بالثبات في مقابل سياسات أميركية “ملتوية”.
وأشار فرانتزمان إلى أن الأردن يعد شريكا رئيسيا لأميركا، وحلقة استقرار في المنطقة تصل بين دول الخليج وإسرائيل، إلا أنه يستدرك قائلا إن الأردن مستاء من “صفقة القرن” التي يقترحها ترامب وتهميش السلطة الوطنية الفلسطينية، واصفا علاقة عمّان مع تل أبيب بـ”الباردة”.
وفي لبنان، تواجه الولايات المتحدة مشكلة مماثلة لتلك التي تتعرض لها في العراق، فهي ترغب بدعم قوات الأمن الرسمية هناك إلا أنها تتخوف من أن يستفيد حزب الله المدعوم من إيران من استثماراتها في تلك الدولة.
مصر شريك رئيسي
أما مصر فهي شريك رئيسي لأميركا منذ إبرامها معاهدة كامب ديفد مع إسرائيل، كما أنها تحارب تنظيم الدولة الإسلامية وتؤيد اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.
ويؤكد المقال أن واشنطن تريد أن تنسى المسألة الليبية مع أنها اضطلعت بدور كبير في الإطاحة بمعمر القذافي، فهل يكون مصير الدور الأميركي في ليبيا هو الآخر النسيان؟ يتساءل الكاتب، قبل أن يجيب قائلا إنه إذا ما حدث ذلك فإنه يعني أن واشنطن تتخلى عن دورها في دولة تلو أخرى.
تركيا تبتعد عن أميركا
على أن الحقيقة الواضحة التي يتجاهلها الناس هي العلاقات الأميركية-التركية، فتركيا مستغرقة في توثيق علاقاتها مع روسيا ولا أدل على ذلك من شرائها منظومة الدفاع الجوي الصاروخي أس-400، كما أنها تتعامل تجاريا مع إيران.
ويتابع الكاتب أن تركيا تقارع قبرص والاتحاد الأوروبي في مصادر الطاقة المتوفرة في البحر الأبيض المتوسط، كما أنها تقود المعارضة للسياسة الأميركية بخصوص مدينة القدس.
وفي ضوء تلك الحقائق، يرى فرانتزمان أنه ما من سبيل على المدى الطويل فيما يبدو من إنقاذ العلاقات الأميركية-التركية، ومع ذلك فإن البلدين سيظلان حليفين على الصعيد الرسمي.
أكبر تحدٍ لأميركا
ويمضي الكاتب إلى أن المشهد الراهن في الشرق الأوسط ربما يشكل أكبر تحدٍ يواجه الولايات المتحدة في التاريخ الحديث، مشيرا إلى أن الإدارة المقبلة -سواء كان على رأسها ترامب أو شخص آخر- ستقلص على الأرجح نفوذها في المنطقة أو تبقيه “راكدا”.
ومن وجهة نظر فرانتزمان، فإن واشنطن تواجه احتمال تقليص دورها في الشرق الأوسط إلى حد كبير، لكنها لن تستطيع استرداده ما لم يبدِ صناع القرار السياسي الأميركي التزاما ببذل المزيد.
ويخلص مقال ناشونال إنترست إلى أن المشكلة على المدى البعيد تكمن في أن معظم دول الشرق الأوسط تتطلع الآن نحو روسيا، وحتى إسرائيل منخرطة في مباحثات متتابعة مع موسكو فيما يتعلق بالدعم الروسي لنظام بشار الأسد.
وتختم المجلة مقالها بالتذكير أن شرق أوسط جديدا ربما يكون في طور التشكل ولن يكون لأميركا دور كبير فيه.