ما هو أكبر من الصفقة النووية: أمريكا وإيران وأزمة العرب

ما هو أكبر من الصفقة النووية: أمريكا وإيران وأزمة العرب

الصفقة الاقليمية التي تمّ الإقرار بها بين الغرب وإيران أهم من الاتفاق النووي في فيينا؛ فهي صفقة موازين القوى الجديدة في المنطقة، والمرتبطة بتحولات جوهرية في رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة لإيران وللأنظمة العربية على السواء.

وبالرغم من محاولات الرئيس باراك أوباما تلطيف هذه الخلافات الأمريكية العربية، وتدوير الزوايا الحادة في تناقض الرؤية بين الطرفين، في قمة كامب ديفيد الأخيرة (مع زعماء الخليج)؛ إلاّ أنّ الواقع أكبر من المجاملات والكلام الدبلوماسي المنمّق.

ماذا سيترتب على هذه الصفقة داخليًا (في إيران) وإقليميًا؟ على الصعيد الاستراتيجي والتاريخي العام، فإنّ المرحلة المقبلة مختلفة تمامًا عن المرحلة السابقة، وتحديدًا منذ العام 1979، أي بعد الثورة الإيرانية التي قضت على التحالف التاريخي الإيراني-الأمريكي. فما يحدث اليوم من تطورات فرضت على الإدارة الأمريكية القبول بإيران كحليف أمر واقع، قبل توقيع الاتفاقية النووية. وبعد الاتفاقية، ستعود الصداقة إلى جانب التحالفات، وستكون طهران شريكا أساسيًا في إعادة ترسيم خرائط النفوذ والقوة في المنطقة.

بالرغم من أنّه من المبكّر الحديث عن تحولات سحرية فورية؛ إلاّ أنّه من الضروري أن ندرك تمامًا أنّ إيران ما بين 1979-2015 انتهت؛ فهناك إيران جديدة ومنطقة عربية تتشكّل من جديد، على وقع موازين قوى يمثل العرب فيها الطرف المستباح!

إلى جوار نص الاتفاقية النووية، هنالك نصوص موازية تكشف عن تحولات أخرى أكثر أهمية في نظرة الإدارة الأمريكية للعرب يمكن التقاط جزء منها في مقابلة توماس فريدمان مع الرئيس باراك أوباما (المطولة والمنشورة في صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام قليلة وترجمها موقع التقرير الإلكتروني)؛ فهذا هو الشطر المسكوت عنه عربيًا في التحول الأمريكي، بالرغم من صدور إشارات متعددة وكثيرة من أوباما ومن مراكز التفكير، في الاتجاه نفسه.

في مقابلته مع فريدمان، يتحدث الرئيس بصراحة، للمرة الأولى، واصفًا الأنظمة العربية بالسُنيّة، بما يكرس البعد الطائفي في النظرة الأمريكية للمنطقة. وهو يقول، بصراحة أيضًا، إنّ مصدر التهديد الأكبر لهذه الأنظمة ليس النفوذ الإيراني الذي يريد العرب أن يحمّلوه مسؤولية أزماتهم البنيوية والداخلية؛ بل الوضع الداخلي في هذه الدول هو المصدر الأول لتهديد استقرار هذه الأنظمة، بل والسلم الأهلي والمجتمعي الداخلي!

يتجاوز أوباما إطار المجاملات الدبلوماسية ليقول بصراحة: “يجب ألا تقع في فخ السماح لهم بإلقاء اللوم على إيران بسبب المشاكل التي يعانون منها. لقد كان المواطنون في بعض دول الخليج العربية مشاركين بشكل كبير في الحركات الجهادية السنّية التي أدت إلى زعزعة الاستقرار“. هذه العبارة ليست عابرة سبيل في كلام أوباما، بل هي متدحرجة متسلسلة، لها جذور عميقة في تكريس التحولات الأمريكية الأخيرة، التي بدأت منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ووصلت اليوم مع تنظيم “داعش” إلى ذروتها، وهي أنّ التهديد الأول للمصالح الأمريكية والغربية ليست إيران بل الحركات الأصولية السُنيّة حصريًا، وجزء كبير من أبناء هذه الحركات جاؤوا من الخليج العربي، ويمثلون امتدادًا للتيار السلفي (بصيغته الجهادية)، الذي ينتشر ويحظى بحضور فاعل ورئيس في الخليج!

التقرير