ثروة العراق من الغاز كلما زاد انتاج النفط زاد حرق الغاز

ثروة العراق من الغاز كلما زاد انتاج النفط زاد حرق الغاز

الباحثة شذى خليل*
قبل حوالي 5000 سنة عرفت البشرية البترول والغاز الطبيعي ، وهو يحوي على كائنات لا ترى بالعين المجردة (مجهرية)، كالطحالب والكائنات الأولية التي تراكمت على مر السنين في طبقات الأرض والمحيطات، وضُغطت البقايا تحت الطبقات الرسوبية، ونتيجة الضغط والحرارة تحوّلت هذه البقايا والمواد العضوية بعد آلاف السنين إلى غاز طبيعي، ولا يختلف الغاز الطبيعي في تكوينه كثيراً عن البترول، فكلاهما ينشأ تحت الظروف نفسها، حيث يوجدان غالباً في حقول تحت الأرض، أو تحت الماء.
ويعد الغاز الطبيعي أخف من البترول، فإنه يقوم بتكوين طبقة أعلى من طبقة البترول، وهو عبارة عن غاز يغطي البترول، حيث يرافقه ويصاحبه، ولهذا فقد سمي بالغاز المصاحب.
تزداد أهمية الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة كونه صديق للبيئة يمكنه تغذية النمو الاقتصادي في أجزاء كثيرة من العالم اليوم، وعلى مدى عقود في المستقبل.
يوفر الغاز الطبيعي المسال – LNG– غاز طبيعي أقل تلويثًا للبيئة من مناطق الإنتاج البعيدة عن الأسواق البعيدة، حيث الحاجة إلى إمدادات إضافية مستوردة.
وتساعد المرونة السوقية للغاز الطبيعي المسال على تحسين أمن الإمدادات في جميع أنحاء العالم، وهذين فقط مجرد محفزين ليكون الغاز الطبيعي المسال أحد أسواق الطاقة الأسرع نموًا في العالم، مع توقع وصول الطلب إلى أكثر من الضعف، ليبلغ نحو 480 مليون طن سنويًا (MTA) على مدار العشرين سنة القادمة.
الغاز الطبيعي في العراق:
يأتي العراق في المرتبة الحادية عشر بين دول العالم الغنية بالغاز الطبيعي بعد كل من روسيا وإيران وقطر والسعودية والإمارات وأميركا ونيجريا وفنزويلا والجزائر، وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة فيه نحو 112 ترليون قدم مكعبة.
أما الاحتياطي الاجمالي للغاز الحر فهو 32.7 ترليون قدم مكعبة ويمثل نسبة 25% من احتياطات العراق من الغاز، ولا يشمل ذلك الكثير من مناطق كردستان المستثمرة في السنوات الاخيرة، ومن المؤمل ان يتقدم ترتيبه، اذا ما احتسبت التطورات الاخيرة، وعندما يستكمل استكشافاته، خصوصاً في طبقات أعمق، والتي تعطلت لعقود طويلة بسبب الوضع الامني غير المستقر .
ويرجع تاريخ صناعة الغاز في العراق، على المستوى التجاري إلى عام 1927 ، وعلى الرغم من امتلاك العراق ثروة هائلة من الغاز الطبيعي المصاحب لإنتاج النفط الخام والغاز الحر من حيث الحجم الكبير من الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة ، إلا أن إنتاج الغاز الطبيعي المسوق لا يتناسب مع الانتاج الاجمالي من الغاز الطبيعي، ولا يتناسب مع ما يمتلكه العراق من احتياطيات كبيرة ، فضلا عن تراجع مستوى صناعة الغاز في العراق وتدني قدرتها في تحويل الغاز الطبيعي الى منتجات غازية تعزز القيمة المضافة لهذه الصناعة وقوة الدفع للصناعات والقطاعات الاخرى .
ولم تهتم شركات النفط الاجنبية باستثمار الغاز المصاحب لإنتاج النفط في العراق عند اكتشاف النفط في حقل بابا كركر بكركوك عام 1927، ومنذ ذلك الوقت والغاز العراقي المصاحب يهدر حرقا، اضافة الى إغلاق العديد من آبار الغاز في بعض الحقول ومنها: كورمور، وجمجمال، وخشم الاحمر .
وبدأ الاهتمام باستخدام الغاز الطبيعي على نحو محدود في اواخر الخمسينيات.
وعملت الحكومة العراقية في الستينيات من القرن الماضي على بناء مشاريع مهمة لاستثمار الغاز في البصرة، شملت محطة كهرباء النجيبية ومعمل الاسمدة في ابو الفلوس ومعمل الورق في نهران عمر ومحطة كهرباء الشعيبة .
واستمر الاهتمام الفعلي بالغاز في السبعينيات في العراق، إذ وصفت هذه الفترة بالذهبية، لاستثمار الغاز في العراق سواء في جانب الانتاج من خلال شركة النفط الوطنية او في جانب الاستهلاك من خلال وزارة الصناعة والمؤسسة العامة للكهرباء، وقد استمر بناء المشاريع الجديدة حتى السنوات الاولى من الثمانينيات رغم ظروف الحرب مع ايران .
” تقدر قيمة هدر الغاز في العراق بـ 45 مليار دولار سنويا نتيجة حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط.”
كل الدول العربية المنتجة للنفط باستثناء العراق قد بذلت جهودا للحد من الهدر في عملية حرق الغاز الطبيعي المصاحب للنفط، واستخدام الوفورات الناتجة لتوليد الطاقة والمواد الخام للأسمدة وصناعة البتروكيماويات، ففي عام 2013 ، كان إنتاجهم من النفط الخام يقترب من 24 مليون برميل يوميا، وحرق الغاز عند 21.8 مليار متر مكعب، وبحلول عام 2017 ، كان إنتاج النفط الخام قد تجاوز 26 مليون برميل يوميا وزاد إحراق الغاز إلى 25.5 مليار متر مكعب.
أما في العراق فإن عمليات الزيادة في حرق الغاز ارتفعت مع ارتفاع انتاج النفط من 3 الى 4.5 مليون برميل يوميا في حين ارتفع الحرق من 13.3 مليار متر مكعب الى 17.8 مليار متر مكعب يوميا بحلول عام 2017، ويتعين على العراق أن يتعلم من جيرانه الشروع في برنامج لتخفيض الهدر لكن لا عمل على الأرض.
وبحسب المتابعين، فإن سعة معالجة عمليات حرق الغاز المصاحب في العراق كانت في عام 2002 اكثر بقليل من 16 مليار متر مكعب، وهي نفس النسبة الباقية حتى الآن، حيث اشارت متوسط احصاءات الغاز في العراق الى إنتاج 19.2 مليار متر مكعب واستهلاك قدره 7.3 مليار متر مكعب بين شهري أيلول عام 2008 الى حزيران من عام 2017، مما يعني ان عملية الحرق المهدور تبلغ 11.9 مليار متر مكعب او ما يعادل 62 بالمائة من الانتاج او قيمة 196ألف برميل من النفط يوميا.
وعلى الرغم من وصول سعر برميل النفط الخام الى حوالي 70 دولار، فإن المورد المهدور من الغاز تبلغ قيمته 45 مليار دولار سنويا وهو ما يكفي لبناء صناعة غاز جديدة بالكامل في العراق.
تؤكد الدراسات التي أجريت في حزيران من عام 2017 قد ارتفع انتاج النفط الخام في العراق مجددا، مما يعني ان حرق الغاز قد ارتفع ايضا 15.9 مليار متر مكعب، وهذا يعادل حوالي 260 ألف برميل يومياً أو خسارة مقدارها 20 مليون دولار يومياً، وأن الاستخدام الفعال للغاز سيحرر النفط الخام الإضافي للتصدير ، وتحسين البيئة ، وخلق فرص العمل وتطوير صناعات أخرى، والقضية بالنسبة للعراق هي أكثر من ذلك بكثير.
متوسط احصاءات الغاز في العراق الى انتاج 19.2 مليار متر مكعب واستهلاك قدره 7.3 مليار متر مكعب بين شهري ايلول عام 2008 الى حزيران من عام 2017 ، مما يعني ان عملية الحرق المهدور تبلغ 11.9 مليار متر مكعب او ما يعادل 62% من الانتاج او قيمة 196 ألف برميل من النفط يوميا.
وواصل أنه “ومع وصول سعر برميل النفط الخام الى حوالي 70 دولارا، فإن المورد المهدور من الغاز تبلغ قيمته 45 مليار دولار سنويا، وهو ما يكفي لبناء صناعة غاز جديدة بالكامل في العراق”، وبالأخص مع زيادة الطلب على الغاز في الأسواق العالمية.

زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال:
قالت وكالة الطاقة الدولية، إنه من المتوقع نمو الطلب العالمي على الغاز بنسبة 1.6% سنوياً حتى عام 2024، بدعم من الاستهلاك في الصين، الذي يشكل أكثر من ثلث نمو الطلب.
وحسب الوكالة، أن مسعى الصين للتحول من الفحم إلى الغاز في توليد الطاقة والغاز الطبيعي في الاستخدام المنزلي، بهدف تحسين جودة الهواء، ضمن مبادرة «السماوات الزرقاء» سيلعب دوراً رئيسياً في دفع الطلب.
وقال كيسوكي ساداموري، مدير أمن وأسواق الطاقة في وكالة الطاقة الدولية، إنه من المتوقع نمو الطلب على الغاز في الصين في المتوسط 8%، انخفاضاً من معدل نمو في خانة العشرات في الأعوام القليلة الماضية، مع تباطؤ نموها الاقتصادي، لكنه لا يزال يشكل نحو 40% من الزيادة في الطلب العالمي في الأعوام المقبلة.
وستظل منطقة آسيا والمحيط الهادي أكبر مصدر لنمو استهلاك الغاز في المدى المتوسط، بمعدل 4% سنوياً في المتوسط، وستشكل نحو 60% من إجمالي الزيادة في الاستهلاك حتى عام 2024.
إن الترابط في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية يعني أن أسعار تصدير الغاز الطبيعي المسال في بعض الأحيان يمكن أن تنفصل عن مؤشر هنري هوب، الذي يمثل السعر المحلي للغاز الطبيعي الأميركي، ويمكن أن يؤدي ارتفاع الطلب أو احتمال برودة الطقس في شمال آسيا في بعض الأحيان، إلى زيادة أسعار الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، حتى عندما تكون السوق المحلية هادئا.
المؤشرات تؤكد قدرة الغاز الطبيعي المسال على تحسين العلاقات بين مختلف أسواق الغاز الدولية إلى زيادة تقارب الأسعار بين مختلف مناطق العالم، وستكون هذه أول مرة نتحدث فيها عن سعر عالمي حقيقي للغاز، لذلك يعد تحديد سعر عالمي للغاز خطوة مهمة ليس فقط لجعل سوق الغاز الطبيعي المسال أكثر كفاءة، ولكن أيضا للسعي نحو تخفيف التأثير المحتمل لتغير المناخ.
وخلاصة القول، ان العراق يمتلك ثروة هائلة تهدر وتحرق يوميا، وكان من الممكن ان تستثمر تلك الثروة لتنمية الاقتصاد العراقي ، خاصا وأن سعر الغاز العالمي الواضح سيسمح للشركات الكبرى والمتحكمين بالأسعار بتقدير تكلفة التحويل بين الفحم والغاز وأنواع الوقود الأخرى المنتجة بدقة، ويمثل تماشيه مع زيادة الاستثمار والصادرات علامة أخرى على قبول الغاز الطبيعي، مصدرا عالميا رئيسا للطاقة لعقود مقبلة

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية