اتجاهات السياسة الاقتصادية العالمية تتوقف على الخطوة التالية من جانب الصين

اتجاهات السياسة الاقتصادية العالمية تتوقف على الخطوة التالية من جانب الصين

تتوقف الاتجاهات العامة لسياسات العديد من البنوك المركزية والحكومات في أنحاء العالم في الوقت الحالي على التحرك الذي ستتبناه الحكومة الصينية لمواجهة الصدمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس «كورونا» الجديد في البلاد.
وقد دعا المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الصين البلاد إلى مزيد من العمل من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية للعام الجاري، وهو أمر إلزامي من شأنه أن يسبب هزة لتردد الحكومة الصينية في الآونة الأخيرة في إطلاق إجراءات تحفيز مالي واسعة النطاق.
وإذا ما ترجم هذا الأمر إلى تخفيف شامل للسياسة النقدية، وزيادة في الإنفاق الحكومي، فإن شركاء الصين التجاريين الذين تضرروا بفعل الضربة التي أصابت الصادرات، وسلاسل التوريد والسلع الأساسية، والسياسة، قد يواجهون معاناة على المدى القصير، تليها عودة سريعة للوضع الطبيعي، حسب تحليل لوكالة أنباء «بلومبرغ» الأمريكية.
ومن المتوقع أن تهيمن هذه التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس «كورونا» الجديد (الذي أصبح اسمه العلمي كوفيد19) على المناقشات المقررة مطلع الأسبوع المقبل لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين، في العاصمة السعودية الرياض، يومي السبت والأحد المقبلين (23-22 شباط/فبراير).
وأشارت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستينا جورجييفا، يوم الجمعة الماضي إلى أنه قد تكون هناك حاجة إلى «إجراءات متزامنة و/أو متناسقة، وهو الأفضل، لحماية الاقتصاد العالمي». ويعتمد الأمر في جزء كبير منه على الإجراءات التي ستلجأ إليها الصين. وتتضمن الخيارات على المدى القريب إقدام «بنك الشعب» المركزي الصيني على مزيد من الخفض في أسعار الفائدة على الإقراض، بالإضافة إلى زيادة الإعفاءات الجمركية للقطاعات الأكثر تضررا، وضخ سيولة نقدية هائلة في النظام المالي.
ويظل التركيز في الوقت الحالي على عدم تضخيم الأمر، رغم وجود إشارات بأن العزم يتراجع في هذا الاتجاه.
وقد يلجأ البنك المركزي الصيني إلى مزيد من الخفض في نسبة الودائع التي تحتفظ بها البنوك كاحتياطي إلزامي. ويُسمح للحكومات المحلية بتسريع وتيرة بيع السندات من أجل تمويل مشروعات البُنية التحتية، مثل الطرق السريعة والمنشآت الصحية.
والأمر الذي لم يتضح بعد هو ما إذا كان المسؤولون سيخففون من قبضتهم على الإقراض في اقتصاد يتجه فيه إجمالي الديون إلى حوالي 300 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يجعل من الاستقرار المالي أولوية سياسية.
وقال ناثان شيتس، المسؤول السابق في مجلس الاحتياط الاتحادي (المركزي) الأمريكي والذي يشغل في الوقت الحالي منصب كبير خبراء الاقتصاد في وحدة «بي جي آي إم فيكسيد إنكوم» التي تمثل ذراع الاستثمارات الثابتة لمؤسسة «بي جي آي إم» الأمريكية «الأمر الأساسي بالنسبة لشركاء الصين التجاريين ليس بشكل كبير قوام خطط التحفيز، ولكن بالأحرى أن يتم تصميم هذه الخطط لتعكس ملامح الصدمة».
وتشكل المصانع الصينية رابطا حيويا في سلاسل التوريد للشركات متعددة الجنسيات. ولاتزال مقاطعة هوبي، التي تشكل قلعة صناعية اقتصادها بحجم اقتصاد دولة مثل السويد، في حالة إغلاق تام، كما جرى تطبيق قيود متنوعة على عمليات الإنتاج في المصانع وعلى السفر في أنحاء الصين، مما يُعقِّد مهمة استعادة الاقتصاد الوتيرة الطبيعية التي كان عليها في السابق.
ويتوقع خبراء الاقتصاد في مصرف «إتش.إس.بي.سي» أن تتحمل قارة آسيا بشكل رئيسي وطأة تراجع عائدات السياحة. كما أكدوا أن دور الصين في القلب من سلاسل التوريد العالمية في مجال الإلكترونيات سوف يعيق التعافي الناشئ، بعد تباطؤ طال أمده.
وخفض البنك المركزي الصيني، الذي تتركز عمليات الإقراض الخاصة به على دول آسيا، توقعاته بشأن إجمالي الناتج المحلي للصين إلى 6.3 في المئة من 6.5 في المئة.
وأظهر تحليل أعده توم اورلفيك من وحدة «بلومبرغ ايكونوميكس» أن أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وهونغ كونغ وتايلاند ضمن الدول الأكثر عرضة للمخاطر في المنطقة، في حين تتصدر البرازيل وألمانيا وجنوب أفريقيا القائمة على المستوى العالمي.
وشدد الرئيس الصيني شي جين بينغ، على أن الصفعة التي تلقاها الاقتصاد الصيني ستكون قصيرة المدى. واستغل بعض الفرص، مثل محادثة هاتفية مع رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، للتأكيد على قدرة بلاده على احتواء التداعيات الاقتصادية لتفشي الفيروس.
ووفقا لما ذكره أوليفيه برانشارد، كبير خبراء الاقتصاد لدى «صندوق النقد الدولي» سابقا، هناك مصدر واحد للقلق، حيث قال «بما أن الصين تعاني من صدمة في جانب العرض والتي قلبت موازين الإنتاج والتوزيع، فلن تكفي وسائل التحفيز التقليدية مثل خفض أسعار الفائدة أو زيادة حجم الإنفاق العام، لتعديل الأوضاع».
وأوضح بلانشارد أنه «من المرجح أن يحدث أكبر الأثر على باقي العالم من خلال تعطيل سلاسل التوريد، وكذلك التأثير على الشركات خارج الصين… وسيكون ذلك أكثر بكثير من تداعيات تراجع الصادرات إلى الصين، وذلك بسبب تباطؤ النمو في الصين».
وبدأت بالفعل حكومات الدول الأسيوية اتخاذ خطوات لمواجهة هذه التداعيات، حيث قال كويتشي همادا مستشار رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أنه ستكون هناك حاجة لتبني إجراءات تحفيز مالي إذا ما ساءت الأمور.
كما تستعد سنغافورة إلى تعزيز الإنفاق. وستعلن ماليزيا عن إجراءات تحفيز مالي الشهر المقبل. وتعتزم إندونيسيا تسريع وتيرة الإنفاق. وعلى المستوى العالمي، يقول صناع السياسة، وبينهم المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستينا جورجييفا، ورئيس مجلس الاحتياط الاتحادي (المركزي الأمريكي) جيروم باول، أنهم يراقبون عواقب تفشي «كورونا» عن كثب.
وعلى مستوى الدول صاحبة الاقتصادات الصاعدة، خفضت تايلاند وماليزيا والفلبين أسعار الفائدة، وقد تليها دول أخرى.
ولكن لماذا التركيز على هذا النحو الكبير على التحرك المقبل للصين؟
يقول جيني ما، رئيس وحدة أبحاث الصين في «معهد التمويل الدولي»، أنه يتوقع أن يعتمد رد فعل السياسة العالمية بنسبة 75 في المئة على تحرك بكين، وبنسبة 25 في المئة على باقي دول العالم.

القدس العربي