الصين في تل أبيب.. هل تبحث إسرائيل عن بديل لأميركا؟

الصين في تل أبيب.. هل تبحث إسرائيل عن بديل لأميركا؟

تمخض الجبل فولد رسوما جمركية معلقة وهدنة تجارية مؤقتة بعد ثلاث سنوات من قنابل الدخان المتبادلة بين أمريكا ترامب والصين، يبدو أن هذا هو المشهد الثابت الآن على شاشات الاقتصاد العالمي الذى يتهيأ لتباطؤ محتمل ومن خلفه الأسواق التي تمارس أضطراب مفتعل، والحقيقة أن ما نشاهده حاليا هو رأس الجبل فقط الذى يشير وبعمق إلى أسفله حيث ميادين أخرى مفتوحة على مصراعيها في الحرب التجارية التي لم تبدأ بعد حتى تحط أوزارها الثقيلة جدا.

فقبل شهرين وتحديدا في نوفمبر 2018 كشفت الصحافة الإسرائيلية زاوية مثيرة من الحرب التجارية حيث أشار المسئولين هناك إلى أن الامريكيين انفجروا في وجوههم بسبب التوسع الصيني في إسرائيل خاصة في مجال البنية التحتية والتكنولوجيا، فقد قالوا لهم صراحة أن نمو شراكة تجارية وثيقة بين الصين وإسرائيل أمر غير محتمل أبدا، إما أن تنظّموا موضوع التجارة مع الصين وإما سننظمه نحن !

جاء ذلك بعد أيام قليلة من عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي ونائب الرئيس الصيني لثمان اتفاقيات تجارية في مجالات الصحة والزراعة والعلوم التقنية، وكذلك تفعيل “لجنة الابتكارات” الصينية الإسرائيلية من عام 2018 إلى عام 2021، استنادا إلى مسيرة الشراكة الناجحة الممتدة من عام 2013 حيث الصفقة المثيرة التي سمحت فيها إسرائيل لمجموعة “شنغهاي إنترناشيونال بورت SIPG الصينية بالعمل على تشغيل ميناء خاص في حيفا حيث تمركز الأسطول السادس الأمريكى والمجاور لقاعدة الغواصات النووية الإسرائيلية.

مؤخرا تم الحصول على مناقصة بناء ميناء جديد بمنطقة أسدود وكذلك ضخ الاستثمارات الصينية في قطاع النقل العام والسكك الحديدية وشبكات الطرق بالقرب من ميناء حيفا
من هنا يبدو ميناء حيفا هو كلمة السر في الغضب الأمريكى ضد تواجد الصين في إسرائيل، فالميناء يفتح البوابة الشرقية للبحر المتوسط أمام الطموح الصيني العظيم الذى يتهيأ لاستكمال خطته التجارية المهمة والمعروفة بمبادرة الحزام والطريق، والتي تسمح للصين عبر السيطرة المستمرة على حيفا والشواطئ المتاخمة له بارتكاز فعال ومسار مختصر من قلب الشرق الأوسط إلى جنوب أوروبا ومن ثم إزاحة محتملة للهيمنة الأمريكية عسكريا واقتصاديا على دول البحر المتوسط. ومن ناحية أخرى يتجلى الحضور الصيني داخل إسرائيل في قيمة الاستثمارات الصينية هناك والتي تجاوزت 25 مليار دولار في مشروعات متنوعة نرصد بعضها كما يلى:

أولا: قطاع الاتصالات
حيث استحوذ “هواوي” الصينية في أخر عام 2016 على شركة “هكسا تير” الإسرائيلية لتأمين قواعد البيانات بمقابل 42 مليون دولار بالإضافة للاستحواذ على شركة “توجا نتوركس” لتكنولوجيا المعلومات.. وكذلك استبدال تدريجي ومنظم لمعدات الاتصال الأمريكية والأوروبية بمعدات شركتي هواوي وZTE المتهمتان من قبل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالتجسس لصالح الحكومة المركزية في الصين.

وكذلك تدشين صندوق “سامسونج نكست” للاستثمار في إسرائيل وضخ التمويل والدعم الصيني في أغلب المشروعات التقنية بداية من طلاب الجامعات حتى منتجات المصانع الإسرائيلية، بالإضافة إلى عقد المنتدى السنوي المهم “سيليكون دراجون إسرائيل” في تل أبيب 2018، وكذلك القمة الصينية الإسرائيلية للابتكار في الصين يوليو 2018، فيما يعرف بالشراكة الابتكارية بين الجانبين والتي تمتد إلى قطاعات الاستثمار القديمة كالزراعة والصناعة منذ عام 1992 حتى 2014 حين استحوذ مستثمرين صينيين على عملاق منتجات الألبان الإسرائيلي شركة “تنوفا” التي تسيطر على أكثر من 85 في المائة من سوق الغذاء هناك عبر شراكات تجارية متشعبة.

ثانيا: قطاع البنية التحتية
حيث مؤخرا الحصول على مناقصة بناء ميناء جديد بمنطقة أسدود وكذلك ضخ الاستثمارات الصينية في قطاع النقل العام والسكك الحديدية وشبكات الطرق بالقرب من ميناء حيفا التي افتتحتها بتطوير كبير لأنفاق شمال جبال الكرمل والإشراف على تشغيل الميناء البحري الجديد الذى يكتمل بنائه في عام 2021، وذلك عن طريق مقاول رئيسي يتمثل في شركة SIPG الصينية التي تدير ميناء شنغهاي التجاري العالمي والخاضع بالكامل لسيطرة حكومة الصين.

كل ما سبق تؤكده الأرقام والمؤشرات التي تفصح عن ما يفوق 11 مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل بتفوق أكيد في الميزان التجاري لصالح الصين حيث 77 في المائة وأرادت مقابل في المائة صادرات، بالإضافة لمضاعفة عدد الزوار الصينين لإسرائيل بنحو 4 أضعاف من عام 2014 إلى عام 2018 حيث 200 ألف زائر حسب بيانات السفارة الصينية في إسرائيل.

اتخذت كلا من كندا وألمانيا وفرنسا وانجلترا ونيوزيلاند واستراليا موقفا حيال توسع شركة هواوي الصينية تحديدا في أسواق الاتصالات في تلك البلدان بعد طلب واتهام أمريكى لهواوي بالتجسس واختراق الأمن القومي هناك

إذن نحن أمام جزء واضح من نمو التعاون الصيني الإسرائيلي الذى بات يتبنى أهدافا مشتركة ومتبادلة من جودة النظام والتعليم والتقنية والابتكار وصولا إلى فتح الأسواق أمام صادرات الطرفين لتعظيم الاستفادة من استمرار التجربة محل القلق الأمريكي البالغ الذى تم ترجمته في زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون لتل أبيب مطلع يناير الجاري حيث اعتراضه المباشر على نمو نفوذ الاستمارات الصينية داخل إسرائيل وتحذيره لهم بأن الصين لا تحترم تعاقداتها مع شركائها التجاريين وتسحق حقوق الملكية الفكرية وتكسب من هذه العلاقة أكثر كثيرا مما تكسبه إسرائيل التي تستفيد سنويا من المساعدات الامريكية بنحو 3.8 مليار دولار في الوقت الذى يشهد حربا تجارية بين الولايات المتحدة والصين.

هنا نصل إلى تكرار مشاهد الاعتذار الضمني وجبر الخواطر السياسية عن ما يحدث بعد تحذير رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” عقب زيارة بولتون من تهديد الاستثمارات الصينية لأمن إسرائيل ودعوته العامة لوجود تشريعات خاصة توازن بين المصالح التجارية والأمن القومي وطمأنة أمريكا ترامب سند إسرائيل القوى جدا، وهو تقريبا نفس الموقف الذى اتخذته كلا من كندا وألمانيا وفرنسا وانجلترا ونيوزيلاند واستراليا حيال توسع شركة هواوي الصينية تحديدا في أسواق الاتصالات في تلك البلدان بعد طلب واتهام أمريكى لهواوي بالتجسس واختراق الأمن القومي هناك، فهل تفعلها إسرائيل أيضا وتقلص تعاونها مع الصين بالقدر الذى لا يعكر الرضا الأمريكي؟! أخيرا، تتغير حقائق القوة على الأرض حاليا من محاولة الصين للحاق بأمريكا إلى مطاردة أمريكا نفسها للصين في كل ميدان اقتصادي وعسكري، مطاردة جبلية وعرة للغاية، تشبه الخوض في بئر عميق بدون قاع منظور.

الجزيرة