يكثف المسلمون الأميركيون مؤخرا من تحركاتهم من أجل بلورة مواقف موحدة قبيل الاستحقاق الانتخابي المُقبل، حيث يرجح مراقبون أن يتجه هؤلاء لدعم المرشح الديمقراطي جو بايدن للوصول إلى البيت الأبيض مدفوعين بمخاوفهم من تداعيات بقاء الرئيس الجمهوري دونالد ترامب رئيسا.
واشنطن – مع بدء العد التنازلي للانتخابات الأميركية التاسعة والخمسين والمقررة في نوفمبر المقبل، تتضاعف التساؤلات بشأن الأقليات ومدى تأثيرها في نتائج هذه الانتخابات خاصة المسلمين منهم.
ومن بين هذه التساؤلات، التي تُطرح بشدة، بشأن استحقاق التاسع من نوفمبر: لمن سيصوت المسلمون؟ للرئيس الحالي الجمهوري دونالد ترامب أم للمرشح الديمقراطي جو بايدن الذي يستغل حزبه كل الفرص الممكنة لاستمالة الأقليات الدينية أو غيرها؟
ويرجح مراقبون أن يستفيد مرشح الحزب الديمقراطي بايدن كثيرا من مسلمي أميركا الذين يخشون سياسات ترامب خاصة في ما يتعلق بالهجرة وكذلك انعطافة العالم إلى اليمين المتطرف.
كما تتزايد المخاوف من أن يمثل المسلمون الفئة المستهدفة من قبل جماعة الإخوان المسلمين لدفعهم على انتخاب بايدن الذي أثار حضوره في المؤتمر السنوي لجمعية “إسنا” الإسلامية جدلا بشأن هوية هذه الجمعية ومواقفها وفرضية أن تكون تسعى للتقرب منه لإضفاء شرعية سياسية على الجماعات الموالية للإخوان خاصة وأن الجمعية محسوبة على الإسلاميين.
حضور سياسي قوي
ما يسترعي الانتباه في الداخل الأميركي أن المسلمين لا يفوتون فرصة لتعزيز تموقعهم في الساحة السياسية، حيث بات هؤلاء يمثلون رقما قادرا على المساهمة في صوغ معادلات سياسية أو إرغام المرشحين إلى الاستحقاقات الانتخابية على التوجه إليهم كخزان انتخابي.
وبالرغم من المخاوف التي رافقت صعود الرئيس دونالد ترامب في انتخابات 2016 بسبب مواقفه المتشددة حيال الهجرة واللجوء وغيرهما، إلا أن مسلمي الولايات المتحدة لم ينسحبوا من الحياة السياسية.
ففي انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي جرت في 2018، نجحت مسلمتان في الفوز بمقعدين وهما إلهان عمر ورشيدة طليب وهو ما اعتبره مراقبون رسالة إلى السياسيين الأميركيين مفادها أن الرهان على تقسيم الأميركيين وفقا للدين، وبطريقة متشددة، رهان خاسر.
وعاشت الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر الشهيرة في 2001 على وقع هذا التقسيم بالرغم من تراجعه بعد صعود الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.
وفي هذا الإطار، كثف المسلمون من تحركاتهم قبيل انطلاق الانتخابات العامة من أجل توحيد مواقفهم بشأن المرشحين الذين سيدعمونهم، حيث أطلقوا العديد من الحملات من أجل التبرع بأموال تمكن المسلمين من التوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم في انتخابات نوفمبر المقبل.
وقال وائل الزيات، الرئيس التنفيذي لشركة “إيمغاج”، وهي مجموعة تهدف إلى نشر الوعي السياسي بين المسلمين في الولايات المتحدة، “نعتقد أن تصويت المجتمع بطريقة متسقة، وليس فقط للانتخابات الرئاسية، بل للسلطات المحلية والولائية والوطنية، هو عنصر حاسم وهام لبناء السلطة السياسية”.
بايدن خطب ود الناخبين المسلمين من خلال ذكره لحديث قاله النبي محمد، كما أغرى هؤلاء بإشراكهم في إدارته الرئاسية
وأضاف الزيات “رأينا في عام 2016 كيف كان المجتمع الإسلامي كبش فداء، وكيف أن شيطنته كانت جزءا لا يتجزأ من الإستراتيجية الانتخابية لترامب… لقد تمت مكافأته في استطلاعات الرأي”.
وتابع “نريد أن نتأكد من أن الجالية المسلمة تحصل على حقها في التصويت، وتوصل صوتها لإعلام البلاد”.
ويبدو أن الكثير من المسلمين في الولايات المتحدة سيتجهون لدعم بايدن في الرئاسية والديمقراطيين عامة، وذلك بناء على استطلاعات الرأي التي أقيمت بشأن مواقف هؤلاء من تنامي خطاب الكراهية ضدهم ومخاوفهم من أي إجراءات تستهدفهم في ظل صعود اليمين واليمين المتطرف.
ويفسر مراقبون ذلك بمخاوفهم من بقاء دونالد ترامب رئيسا، خاصة وهو الذي بحث عن كل السبل المؤدية للتضييق على المسلمين والمهاجرين.
وكان ترامب قد اتخذ العديد من الإجراءات التي تستهدف الأقليات والمهاجرين منذ وصوله إلى الرئاسة حيث قرر في العام 2017 تعليق دخول مواطنين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة لمدة تسعين يوما وتلك الدول هي: إيران، العراق، ليبيا، الصومال، السودان، سوريا واليمن، غير أن دعاوى قضائية رفعت في الولايات المتحدة ضد قرار الحظر المذكور.
وتُبدي نتائج لاستطلاعات الرأي أنّ نحو 82 في المئة من الذين صوَّتوا في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس لديهم يقين بأنّ ظاهرة كراهيّة المُسلمين ورهابهم المعروفة بـ’’الإسلاموفوبيا‘‘ تصاعدت في الداخل الأميركي، وهي الظاهرة التي تفشَّت داخل البلاد في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001.
مع كل استحقاق انتخابي أميركي أو غيره تتبلور مجموعة من المفاهيم الجديدة خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بأداء جماعة سياسية محددة أو بخزان انتخابي معين.
في هذا الإطار، برز مؤخرا مفهوم ’’الصد والرد‘‘ الذي يرتبط بأداء المسلمين في المحطات الانتخابية، ليكون بذلك هذا المفهوم نتاجا لتوجه هؤلاء في السنوات الأخيرة وليس رهين الانتخابات المقبلة فقط.
ففي انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأخيرة ترشح مئة مسلم لنيل عضوية في الكونغرس، بينما ترشح 12 فقط سنة 2016 وهو ما يُظهر أن هناك ردة فعل من المسلمين حيال الأحداث التي تُرافق الاستحقاقات الانتخابية في الولايات المتحدة.
ويفسر مراقبون ذلك بتعمد الجمهوريين عادة ’’تشويه‘‘ المسلمين خاصة بعد هجمات 2001 وهو ما يمكن أن يكون السبب الذي جعل بايدن يغازل مرارا المسلمين.
وخطب بايدن ودّ الناخبين المسلمين في وقت سابق من خلال ذكره لحديث قاله النبي محمد ’’من رأى منكم مُنكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه‘‘، وذلك في إشارة منه إلى أن الدين الإسلامي يرفض الكراهية والتمييز العنصري.
وأكد بايدن كذلك في خطابات سابقة أنه يعتزم إشراك قيادات مسلمة في إدارته الرئاسية، ودعم حقوق الأقليات المسلمة في العالم، مثل الروهينغا والإيغور، إضافة إلى مساندة من يعيشون في بلدان كسوريا واليمن وغزة، كما أكد دعمه لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
كل هذه المعطيات دفعت بالمسلمين إلى الدفع بتبرعات جديدة، جارية حتى الآن، عبر الولايات من أجل توفير الظروف المواتية التي تمكن العرب والمسلمين من التصويت في انتخابات نوفمبر المقبل وتوحيد صفوفهم واختياراتهم.
ويرى مراقبون أن الهدف الأساسي من جمع التبرعات هو وصول هؤلاء إلى المنصات الإعلامية، خاصة أن الجمهوريين استغلوا في العام 2016 وسائل الإعلام من أجل ’”شيطنة‘” كل ما هو إسلامي.
ويُضيف هؤلاء أن هذه الإستراتيجية التي يعتمد عليها المسلمون في هذا السباق الانتخابي تسلط الضوء على الخبرة التي اكتسبها مسلمو الولايات المتحدة عبر السنين حيث مر هؤلاء منذ التسعينات بالعشرات من الاستحقاقات جعلتهم يدركون أسس العملية الانتخابية وآلياتها.
بالرغم من أن للمسلمين هواجس حقيقية من أن بقاء ترامب رئيسا سيجعلهم عُرضة لإجراءات جديدة عقابية ضدهم على غرار تلك التي اتخذها في وقت سابق، إلا أن المخاوف تتعاظم أيضا من أن يصوت هؤلاء لبايدن أو للديمقراطيين مدفوعين بـ”اندساس” جماعة الإخوان المسلمين في جمعيات ومنظمات في المجتمع المدني.
وفي هذا الإطار أثار حضور بايدن في المؤتمر السنوي السابع والخمسين للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية “إسنا” وإلقائه كلمة خلالها تساؤلات بشأن نجاح هذه الجمعية، التي كانت تمثل فرعا من فروع جماعة الإخوان المسلمين، في استمالة بايدن خاصة أن لها علاقات متينة به تعود لسنة 2013 عندما التقى نائب الرئيس باراك أوباما برئيس “إسنا”.
وشكر بايدن في كلمته “إسنا” على دعمها باعتبارها بوابة للاقتراب من مسلمي الولايات المتحدة، على الرغم من أن بيانات الاقتراع الوحيدة المتاحة ذكرت أنه عندما سُئلت عينة من المسلمين عما إذا كانت “إسنا” تمثل اهتماماتهم، كانت الردود الإيجابية من الرجال والنساء محدودة جدا.
وفي محاولة لمواصلة الغرف من خزان المسلمين الانتخابي، كرر بايدن وعده بأن إدارته المحتملة ستعيّن “أميركيين مسلمين” في عدد من المناصب على مستويات مختلفة على الرغم من عدم قدرة حملته وإدارة أوباما السابقة “أو عدم استعدادهما على ما يبدو” للتدقيق في علاقات المعينين بجماعة الإخوان في أميركا.
وأعاد حضور بايدن في هذا المؤتمر المخاوف من أن يتم استغلال المسلمين من قبل جماعة الإخوان إلى الواجهة، خاصة وأن هؤلاء يبحثون عن تحقيق هدفهم السامي ’”التمكين‘” الذي يوفر لهم شرعية سياسية يتمكنون من خلالها من العمل على أنشطة متعددة (ثقافية، خيرية ودعوية..).
ويرى مراقبون أن الإخوان يسعون إلى تحقيق ذلك في استعادة للنموذج البريطاني حيث تسلل الإسلاميون عبر النشاط الدعوي والثقافي ما مكنهم من بناء مجتمع مواز تسبب مع عوامل أخرى في صعود اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين.
وبموازاة ذلك، يواصل جو بايدن التقدم على ترامب حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة رويترز وشركة إيبسوس بين الثالث والثامن من سبتمبر الماضي، أن 52 في المئة من الناخبين المحتملين يعتزمون دعم بايدن، مقابل 40 في المئة سيصوتون لترامب.
العرب