كابول – وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع غير متوقع قد يدفعها إلى الرهان على حركة طالبان لأجل مواجهة تنظيم داعش – ولاية خراسان الذي نفذ هجوما انتحاريا الخميس على مطار كابول أفضى إلى قتل جنود أميركيين والعشرات من المدنيين الأفغان.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات بالبيت الأبيض “لن نسامح ولن ننسى. وسنلاحقكم ونجعلكم تدفعون الثمن”.
لكن مراقبين يرون أن قرار الانسحاب من أفغانستان لم يترك أمام إدارة بايدن أي فرصة للانتقام من داعش بشكل مباشر، وأن الخيار الأرجح هو رهان واشنطن على حركة طالبان لتتولى مهمة محاربة التنظيم ميدانيا مقابل حصولها على دعم استخباري أميركي قوي لإنجاح هذه المهمة.
وأشار المراقبون إلى أن إدارة بايدن، رغم تصريحاتها غير المتحمسة للاعتراف بطالبان، ستجد نفسها في صف واحد مع الحركة لمواجهة تنظيم داعش ومنع تحويل أفغانستان إلى مخبأ جديد لألد خصوم واشنطن التي لم تفلح خلال عشرين عاما من تدخلها في هزْمِ طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة، والآن تجد نفسها مجبرة على تحدي داعش – خراسان.
انتشار الآلاف من الجنود الأميركيين في مطار كابول، وتحذيرات من إمكانية وقوع المزيد من الهجمات
وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، وهو جماعة تابعة لداعش تضم مقاتلين حاربوا القوات الأميركية من قبل في سوريا والعراق، مسؤوليته عن الهجوم الذي أودى بحياة العشرات من بينهم أفغان كانوا يحاولون مغادرة البلاد وما لا يقل عن 12 جنديا أميركيا.
وقال التنظيم في بيان إن “مقاتلا من الدولة الإسلامية تمكن من اختراق كافة التحصينات الأمنية… واستطاع الوصول إلى تجمع كبير للمترجمين والمتعاونين مع الجيش الأميركي عند مخيم باران قرب مطار كابول، وفجّر حزامه الناسف وسطهم، مما أسفر عن سقوط نحو 60 قتيلا وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح بينهم عناصر من طالبان”.
وتسعى طالبان لاستثمار الضغوط التي تعيشها إدارة بايدن، بسبب تنفيذ انسحاب غير مدروس من أفغانستان والظهور القوي لداعش، من أجل الوصول إلى تحالف للضرورة مع واشنطن يقوم في خطواته الأولى على التنسيق الأمني ثم يتطور لاحقا إلى مساعدات واعتراف دبلوماسي يساعد الحركة على لعب الدور الذي فشل فيه الرئيس أشرف غني ومنظومة الحكم المدعومة أميركيًّا.
وقال مسؤول في طالبان إن الحركة كانت قد اعتقلت مقاتلا في تنظيم الدولة الإسلامية عند المطار قبل أيام قليلة وإنه أبلغها أثناء التحقيق بوجود خطط لشن هجمات. وردا على ذلك قالت طالبان إنها أرجأت التجمعات في الأماكن العامة ونصحت كبار قادتها بتفادي التجمع.
ويعتقد أن الحركة قد تقاسمت هذه المعطيات مع الأميركيين سواء بشكل مباشر أو عن طريق باكستان، ما قاد إلى استنفار أمني حول المطار وساعد على تقليل الخسائر البشرية، وهي خطوة ستمهد لتنسيق أوسع.
وتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان عدو لطالبان. ويرى مسؤولون في المخابرات الأميركية أن التنظيم استغل انعدام الاستقرار الذي أفضى إلى انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب هذا الشهر لتعزيز موقفه وزيادة وتيرة تجنيد أعضاء في طالبان.
وسلط هجوم الخميس الضوء على المخاوف حيال قدرة واشنطن على محاربة الإرهاب في أفغانستان في غياب أي قوات أميركية هناك أو شركاء يمكن الاعتماد عليهم وبالتزامن مع خروج المتشددين من السجون وسيطرة طالبان.
وكان خبراء مستقلون في الأمم المتحدة قد أبلغوا مجلس الأمن الدولي في تقرير نُشر الشهر الماضي بأن تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان وسّع نطاق وجوده ليشمل عدة أقاليم من بينها كابول وبأن مقاتليه شكلوا خلايا نائمة.
وجاء في التقرير أن “التنظيم عزز مواقعه في كابول وحولها حيث ينفذ معظم هجماته مستهدفا الأقليات والنشطاء وموظفي الحكومة وأفراد قوات الدفاع الوطني الأفغانية وقوات الأمن”.
وينتشر الآلاف من الجنود الأميركيين في مطار كابول من أجل تنفيذ عملية ضخمة لنقل الرعايا الأميركيين والأفغان الذين ساعدوا القوات الأميركية وآخرين يخشون على حرياتهم وأمنهم بعد سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان.
وقال فرانك ماكينزي قائد القيادة المركزية الأميركية للصحافيين في مقر وزارة الدفاع (البنتاغون) “عرّضنا أكثر من خمسة آلاف جندي أميركي للخطر لإنقاذ أكبر عدد ممكن من المدنيين. إنها مهمة نبيلة. واليوم شهدنا بأعيننا مدى خطورة هذه المهمة”. وأضاف “لن يردعنا داعش عن استكمال المهمة. أؤكد لكم ذلك”.
وحذر من إمكانية وقوع المزيد من الهجمات، لكنه قال إن الجيش اتخذ أقصى درجات الحيطة والحذر. وقال ماكينزي إن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام الطائرات الهجومية من أجل الدفاع عن المطار إذا دعت الحاجة، بما في ذلك الطائرات من طراز “إيه. سي – 130”. وأضاف “سنكون مستعدين لفعل ذلك، إذا اقتضت الضرورة”.
العرب