الجولة السابعة في فيينا، هل هي خيبة أمل فعلا ؟

الجولة السابعة في فيينا، هل هي خيبة أمل فعلا ؟

كان جميع المراقبين والمهتمين بالشأن الإيراني والمتابعين لجولات الحوار في العاصمة النمساوية فيينا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني يأملون موقفا إيجابيا وتقدما واضحا في المفاوضات التي ترعاها مجموعة (4+1) ولكن أصابتهم الخيبة من انتهاء الجولة السابعة دون تحقيق نتائج إيجابية تصاعدية في حلحلة الخلافات والإشكالات بين واشنطن وطهران، فالوفد الإيراني برئاسة مساعد وزير الخارجية (محمد علي باقري) قدم ورقتين وطلب اعتمادهما في إجراء أي حوار قادم، الأولى تتضمن أولويات خاصة برفع العقوبات الاقتصادية بصورة تامة عن بلاده وعدم تجزئتها، والثانية تتعلق بأنشطة إيران النووية والمطالبة بالإبقاء على نسبة اليورانيوم المخصب الذي توصلت إليه وكالة الطاقة الذرية الإيرانية بنسبة ٢٠% واعتبارها حق من حقوق الشعب الإيراني واستخدامها لأغراض سلمية وإنسانية علمية حسب رأي المفاوض الإيراني.
هذا الموقف أزعج الإدارة الأمريكية واعتبرته استغلالا ميدانيا لاستمرار فاعلية البرنامج النووي وعدم وجود استعداد تام للحوار الجاد، معتبرة جولات الحوار غطاء شرعيا يستخدمه النظام الإيراني لتسريع برنامجه النووي والحصول على نفوذ أكبر لصفقة أوسع تحقق له أهدافه وأغراضه السياسية والاقتصادية وتوسيع نفوذه في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ليكون قوة إقليمية تؤثر على طبيعة الأحداث الجارية في المنطقة .
جاء الرد الامريكي واضحا من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بليكن) بعدم جدية إيران في اتخاذ ما يلزم لمعاودة الامتثال للاتفاق النووي وانه يشعر بتشاؤم من الموقف الإيراني، هذا الجانب لاقى تأييدا ولو بشكل غير مباشر من قبل روسيا والصين بإعلانهما عن خيبة أملهما لدعوة إيران بتأجيل المفاوضات واستخدامها ذريعة لتسريع عملية تخصيب اليورانيوم بنسب أعلى بعدما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (أن إيران بدأت بإنتاج اليورانيوم المخصب باستخدام مزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وأن نسبة النقاء وصلت إلى ٢٠% في سلسلة واحدة تتألف من ١٦٦ جهاز طرد مركزي من طراز أي أر ٦ في منشأة فوردو)، وهذا خلاف وخروج عن النقاط الجوهرية التي وردت في خطة العمل المشترك عام ٢٠١٥ .
جاءت جولة الحوار السابعة بعدة مضامين أهمها الرفض الإيراني للمقترح الذي قدمه (جيك سوليفان) مستشار الأمن القومي الأمريكي بإيجاد قواعد تمثل (اتفاق مؤقت) يسمح برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية وإطلاق عدد من الأرصدة المالية الإيرانية المحجوزة، وإيقاف عملية تخصيب اليورانيوم عند نسبة ٢٠% ، وهذا ما لم يتوافق والورقتين اللتين قدمهما الوفد الإيراني المفاوض، ما شكل حرجا للدول الأوربية المتحاورة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) ورأت أن الشروط الإيرانية غير مقبولة ولا تشكل فعالية جادة في استمرار وإدارة الحوار.
ان الموقف الأمريكي الحالي من المفاوضات والمتمثل بالمرونة السياسية التي تستخدمها إدارة الرئيس بايدن قد ساهمت في قناعة الجانب الإيراني برضوخ واشنطن لبعض من شروطها مما شجع طهران على الاستمرار بطلب رفع العقوبات كاملة وإلا فإنها مستمرة في نشاطاتها النووية، ويشكل هذا الموقف (ابتزازا سياسيا وتهديدا مبطنا وواضح) من قبل النظام الإيراني مع امتناع دائم بعدم اللقاء مع الوفد الأمريكي حتى إيجاد توافق حول الشروط الإيرانية التي تستخدم مبدأ عدم الاستعجال والعودة للمفاوضات، في حين أن الواقع المأساوي الاقتصادي والضائقة المالية التي يعيشها النظام الإيراني تسبب له الكثير من الأزمات الاجتماعية، ومزيدا من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الوضع المعاشي، ومعالجة ظاهر البطالة والفقر والعوز وشحة المياه والوقود وانخفاض سعر العملة المحلية .
لا زالت إيران تراهن على موقف حلفائها الأوروبيين والإجراءات الاقتصادية التي وعدتهم بها في حال مساهمتهم برفع العقوبات الاقتصادية عنها، فالحكومة الفرنسية تسعى إلى عقد صفقات تجارية وتعاون اقتصادي يساهم في تعزيز مكانة الرئيس ماكرون في انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة، واستئناف العمل في مصانع ايرباص التي توقفت بسبب العقوبات، والموقف البريطاني يأمل بعقود نفطية وصناعية تعزز التعاون التجاري وتساهم في تقدم المفاوضات المتعلقة بإطلاق سراح معتقلين بريطانيين لدى طهران، أما الصين فإنها تسعى لفك الحصار الاقتصادي النفطي عن إيران لزيادة وارداتها إليها، وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي، وتأمل الحكومة الألمانية في صفقات تجارية والدخول إلى الأسواق الإيرانية، أما الروس فإن لديهم أهدافا سياسية وأمنية مشتركة فيما يتعلق بالتواجد على الأراضي السورية .
فهل يتمكن النظام الإيراني من إدامة سلسلة الحوارات.. أم انه سيعتمد على التغييرات السياسية والتجاذبات الأوروبية الأمريكية، ويستخدم ورقة المصالح الاقتصادية الإقليمية الأوربية؟ وهل لديه القدرة على مغادرة سياسة التعنت وإظهار القوة، وإدراك أن القوة لا تعني الجانب العسكري بل الاستقرار السياسي والبناء الاقتصادي والتمسك الاجتماعي هو من يساهم في بنية الدولة القوية، وهل تمتلك إيران هذه الصفات حاليا؟ هذا ما سنراه في الأيام المقبلة وحالات الحوار المستمرة.