الرياض – تعمل دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على الإيفاء بالتزاماتها في خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن ذلك سيشكل تحديا يصعب تحقيقه.
يقول جيم كريك وهو زميل الطاقة في معهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن تكساس إن السعودية والإمارات بلدان كثيفا الكربون بالفعل، مشيرا إلى أن “صافي الصفر لا يعني حقا انبعاثات معدومة، بل يعني أنك تطرح نفس القدر من الانبعاثات التي تضعها في الغلاف الجوي. لنفترض أنك إذا بعت مليون غالون من البنزين والديزل في بلدك لصناعة النقل بالشاحنات، فستحتاج إلى إيجاد طريقة لالتقاط الكربون المنبعث من حرق ذلك الوقود، أي ما يقرب من 20 مليون رطل من ثاني أكسيد الكربون أو 10 آلاف طن متري من ثاني أكسيد الكربون، سيتعين عليك إخراج ذلك من الغلاف الجوي بطريقة ما. لذلك، كلما زادت الانبعاثات، كلما كان عليك أن تعوّض بطريقة أخرى للوصول إلى صافي الصفر”.
وأوضح كرين، الذي عمل لسنوات عديدة صحافيا مقيما في العراق ودبي، وهو مؤلف للعديد من الكتب، من بينها ممالك الطاقة: النفط والبقاء السياسي في الخليج العربي، مستدركا “لكن الإمارات العربية المتحدة تبقى أكثر كثافة في استخدام الكربون بنسبة 21 طنا للفرد سنويا. أعتقد أن ذلك كان في 2020. وكان نصيب الفرد في المملكة العربية السعودية حوالي 16 طنا، أي أقل قليلا، أي مثل الولايات المتحدة تقريبا”.
وتعتبر السعودية المستهلك الرابع للنفط في العالم حيث تجاوزت اليابان في العام 2020. وتستخدم ثلاث دول فقط النفط أكثر من المملكة العربية السعودية هي الولايات المتحدة والصين والهند. كما يحتل الاقتصاد السعودي المرتبة العشرين على مستوى العالم.
جيم كرين: السعودية والإمارات قد تبدآن بإلغاء الدعم عن الوقود الأحفوري
وقال كرين “وإذا نظرت إليها من حيث عدد السكان، فإن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة 41. وكان السعوديون يدعمون النفط بشكل أساسي لمدة 50 عاما، وقد خرج طلبهم عن السيطرة. وهذا هو نفس الشيء في معظم دول الخليج، بما في ذلك إيران. إنهم يحاولون تقليل الاستهلاك في الداخل أو على الأقل إلغاء هذا الدعم”.
ومع تعهد السعودية والإمارات والبحرين في وقت سابق بأهداف انبعاثات “صفرية”، ستخفض انبعاثات غازات الدفيئة داخل حدودها مع الحفاظ على صادرات الوقود الأحفوري إلى الخارج.
وأعلنت الرياض التي تنتج نحو حوالي عُشر الطلب العالمي على النفط عن تعهدها هذا أثناء استضافتها لأول منتدى رئيسي لتغير المناخ. وحدد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سنة 2060 هدفا للسعودية.
واعتبر كرين “أعتقد أنه قريبا سيتم تحويل الوقود الأحفوري إلى هيدروجين ثم حرق الهيدروجين وعزل ثاني أكسيد الكربون الذي تمت إزالته. وبعد ذلك أعتقد أنهم يريدون التقاط الكربون الصلب. وتوجد بعض العمليات الكيميائية التي يمكن أن تسمح لهم في الواقع باحتجاز الكربون الصلب، ثم استخدام ألياف الكربون لاستبدال الفولاذ والألمنيوم في الطائرات وأجسام السيارات. إنه نفس نوع الكربون المستخدم بالفعل في بعض الطائرات الآن. وتستخدمه الدراجات، ومعدات الصيد المتطور، والقوارب أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة ليحل محل البلاستيك أو المعدن. إنه قوي وخفيف. وهناك الكثير من المزايا للقيام بذلك”.
وتحاول السعودية الموازنة بين التزاماتها لمكافحة التغير المناخي والحفاظ على اقتصادها. ويشدد الباحث “على أن هذا يعني أن نفس النفط والغاز، نفس البنية التحتية، نفس الخبرة، مازالوا بحاجة لمهندسيهم وخطوط الأنابيب وأجهزة الحفر. وإذا حدث ذلك بسرعة كافية، فسيظل بإمكانهم استخدام محطات الوقود وخزانات التخزين في محطات البنزين هذه للحصول على الهيدروجين. وإذا تمكنوا من تطوير أسطول مركبات يحرق الهيدروجين بدلا من الديزل أو البنزين، فإن كل تلك البنية التحتية والجزء بأكمله من الاقتصاد يبقى صالحا ومفيدا. وإذا قررت الانتقال إلى الهيدروجين، فلن يكون هناك الكثير من التحويل الضروري، على عكس السيارات الكهربائية التي تحتاج إلى بنية تحتية للشحن. ويمكن استخدام الهيدروجين وقودا للنقل، وفي محطات توليد الطاقة، كما يمكن استخدامه مصدرا حراريا صناعيا. ويجب أن تُدخل بعض التعديلات. لكن يمكنك الآن إدخال ما يصل إلى حوالي 20 في المئة من الهيدروجين في تيار الغاز الطبيعي دون تعديلات”.
ويرجح كرين أن يبدأ البلدان بإلغاء الدعم عن الوقود الأحفوري والكهرباء، بحيث يحصل المستهلكون في تلك البلدان على إشارة قوية للبدء في تعديل استهلاكهم مضيفا أن “هذا ما كانت تفعله تلك البلدان في نسب صغيرة، لكن التكنوقراط في تلك البلدان يائسون بشكل خاص لتقليل استهلاك الوقود الأحفوري، وبصماتهم الكربونية الضخمة هي في الأساس أحد أعراض الاستهلاك المفرط لمنتجات الوقود الأحفوري. وهذا ما يجعلهم بحاجة إلى جعل استهلاكهم للطاقة أكثر كفاءة. وربما تجب إعادة صياغة هذا الدعم وتقديمه في شكل آخر، بدلا من إعطاء الناس طاقة رخيصة أو مجانية، وكهرباء ومياها”.
وبحسب كرين، فإن الإمارات قد اتخذت خطوات لإزالة الكربون حيث تدير اليوم محطة براكة للطاقة النووية هي محطة طاقة نووية، تعمل بواسطة مفاعل ماء مضغوط. وتتمتع بكمية لا بأس بها من مصادر الطاقة المتجددة.
وفي 2020 كانت الإمارات تنتج 4 في المئة فقط من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة و1 في المئة من الطاقة النووية. غير أن هذا يتزايد وسيستمر في النمو. ولا يزال أمام المملكة العربية السعودية طريق طويل لتقطعه، ففي 2020 كانت 0.3 في المئة فقط من طاقتها نظيفة ومعظمها من الطاقة الشمسية. ولا يزال السعوديون يحرقون النفط، بما في ذلك النفط الخام، في محطات توليد الكهرباء، مع إنتاج 99.7 في المئة من طاقتهم من حرق النفط والغاز.
لكن كلا البلدين يستثمران في الكثير من الطاقة الشمسية، ويرجح خبراء أن ينمو ذلك إذ تحاول الآن تنظيف قطاع الكهرباء، ثم كهربة أكبر قدر ممكن من الاستهلاك. وسيتطلب هذا توسيع الشبكة وتطويرها، ثم سيمكن للبلاد البدء في كهربة النقل أيضا.
وتبدأ الكهربة في وسائل النقل العام ثم سيارات التوصيل حيث ستطلق هذه الاستراتيجية تسوية قطاع النقل الخاص، لكن معظم الطلب على الطاقة في الخليج هو لتبريد المباني لذلك فإن معظمها مكهربة بالفعل.
وبالتالي، فإن إزالة الكربون من الكهرباء ستخفف الكثير من هذا الحمل. كما تعد تحلية المياه مصدرا عاليا للانبعاثات أيضا. لذا فهم يستخدمون تحلية المياه بالطاقة الشمسية. ويمكن تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية لأنها سهلة التخزين على عكس الكهرباء. لذا فإن إزالة الكربون من تحلية المياه شيء يمكنهم فعله بحسب كرين.
العرب