التقارير التي تتحدث عن تشكيل تحالف دفاع إقليمي يضم إسرائيل وعدداً من دول المنطقة، تبعث حياة جديدة في فكرة معروفة تتعلق بتأسيس “منظمة ناتو في الشرق الأوسط”. يدور الحديث عن تحالف لدول عربية والتي ستشكل مع إسرائيل درعاً واقياً ضد تهديد مشترك اسمه إيران. ولكن في الإحاطات التي يقدمها مستشارو ومساعدو الرئيس بايدن في هذه الأيام، فإنهم حذرون من الحديث عن تحالف عسكري، ويؤكدون رسالة “زيادة اندماج إسرائيل في المنطقة” كاستمرار لاتفاقيات إبراهيم.
أوضح بايدن أن أمن دولة إسرائيل – “وليس قضية أسعار النفط”، هو ما يحرك الزيارة، وستكون في مركز النقاشات، ولكن يبدو أن القول على أمن إسرائيل سيشكل بالأساس كذخيرة ضد النقد الذي يسمع في واشنطن تجاه بايدن بشأن لقائه المخطط مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. في الكونغرس.
سيشارك بايدن أيضاً في مؤتمر قمة عربي سيشارك فيه زعماء السعودية، الكويت، عمان، البحرين، قطر، العراق، الأردن ومصر، وكذلك سيجري محادثة مشتركة عبر الإنترنت سيشارك فيها إسرائيل والهند والإمارات. “هذه قبل كل شيء زيارة استهدفت استعراضاً وإثبات تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومحاولة دحض الادعاءات بشأن انسحابها من المنطقة”، دبلوماسي أمريكي قال لـ”هآرتس”، وأضاف: “لست مقتنعاً بأن الزيارة سينتج عنها شرق أوسط جديد أو حلف عسكري استراتيجي يضم إسرائيل أو حتى جزءا من الدول العربية، وخاصة في الوقت الذي يوجد لكل واحدة من هذه الدول أجندة منفصلة وأحياناً مصالح متناقضة – ليس فقط إزاء الولايات المتحدة بل أيضاً فيما بينها. ولكن ثمة قيمة للتصريحات المشتركة، وخاصة عندما تكون تدير صراعاً سياسياً قبيل انتخابات منتصف الولاية”.
عندما يتحدث الدبلوماسي الأمريكي عن مصالح متناقضة، فإنه يقصد الطموح الإسرائيلي لتشكيل تحالف ضد إيران، في الوقت الذي تجري فيه السعودية في الوقت نفسه محادثات مع ممثلين إيرانيين. عقدت الإمارات مع طهران عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية. مثال آخر هو قطر، شريكة إيران في حقل الغاز الكبير الذي يقع في الخليج الفارسي، وهي في الوقت نفسه تحظى بإطراءات من جانب الإدارة الأمريكية على مساهمتها في التوسط بين الولايات المتحدة وطهران وعن استيعابها للاجئين أفغان. قطر هذه، تطلب منها كل من السعودية والإمارات قطع علاقاتها مع إيران كجزء من الشروط لرفع الحصار الاقتصادي الذي فرض عليها في 2017. لم تستجب قطر للطلب، واليوم لم يعد أحد يطرح هذا المطلب.
تحالف عربي ضد إيران كهذا، ليست قطر الغائبة عنه وحدها، فعمان أيضاً، الإمارة التي بدأت المحادثات على أراضيها تمهيداً للاتفاق النووي الأول والذي وقع سنة 2015، لن تكون جزءاً من هذا التحالف. عمان ترى نفسها كدولة وسيطة تحافظ على علاقات وطيدة مع كل دول المنطقة بما فيها إيران، وليس في نيتها الانحراف عن هذه السياسة. كذلك أيضاً الكويت، التي لم تنضم إلى المقاطعة والحصار على قطر، وليست شريكة في حملة التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل
ذكر في عدد من التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية العراق أيضاً كدولة من شأنها الانضمام إلى الحلف الدفاعي. في عالم مواز، كل شيء يبدو ممكناً، ولكن العراق ما زالت تعي في هذا العالم. في الشهر الماضي، صادق البرلمان العراقي على قانون يحظر أي علاقة مع دولة إسرائيل ومع الإسرائيليين، بما في ذلك عبر الشبكات الاجتماعية – حظر تنتظر من ينتهكه عقوبة الإعدام. هذا البرلمان الذي لم ينجح بعد في التوصل إلى اتفاق مع الرئيس أو في تشكيل حكومة، نجح في التوصل إلى اتفاق كاسح حول القانون المناوئ لإسرائيل. لا يوجد للعراق في هذه اللحظة أي مصلحة في الانضمام إلى تحالف مناوئ لإيران، ما دام أنه يعتمد اقتصادياً على جارته التي تزوده بالكهرباء والماء والغاز.
المفارقة أن من بادر بهذا القانون هو مقتدى الصدر، رجل الدين الانفصالي الذي حظي بأغلبية كبيرة في الانتخابات، والذي يعتبر ناشطاً بارزاً ضد إيران، ولكنه في الوقت نفسه معارض شديد لوجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. الشرنقة العراقية تتعقد أكثر عندما نفحص علاقات السعودية مع العراق. السعودية تؤيد وترعى الأقلية السنية في العراق، تلك الأقلية التي انضمت إلى تحالف الصدر، والذي ترى فيه السعودية والولايات المتحدة كابحاً أمام نفوذ إيران في العراق. في الوقت الذي تحظى فيه الكتلة الشيعية المدعومة من قبل إيران بقوة سياسية كبيرة، رغم هزيمة المليشيات الشيعية وممثليها في الانتخابات، يصعب أن نتخيل وضعاً توافق فيه حكومة العراق، عندما تتشكل، على الانضمام إلى تحالف مناوئ لإيران حتى إذا وجد العراق بديلاً سعودياً لتزويده بالكهرباء.
لا يوجد حب
حتى بين الدول العربية التي وقعت على اتفاق سلام مع إسرائيل – ومن بينها الأردن ومصر والمغرب والإمارات، لا يوجد حب كبير. تجري ما بين الرياض وأبو ظبي منافسة على تجنيد مستثمرين أجانب. الرياض تعرض إغراءات مالية وتسهيلات لكل شركة تمارس فيها نشاطاتها. أبو ظبي لا تتخلف عنها ولكن لديها صورة الدولة المنفتحة، الليبرالية نسبياً، والتي تقدم خدمات تعليم ممتازة وأنواعاً متنوعة من الترفيع للعاملين الغربيين الأجانب. ويسود ما بين الأردن والسعودية توتر دائم ينبع من اعتماد المملكة الهاشمية على مساعدة اقتصادية سعودية. الأردن أيضاً يخشى من نية السعودية لإقصائها عن موقعها في الأماكن المقدسة في القدس، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تهدد القضية الفلسطينية استقرارها. التهديد الإيراني لا يحتل صدارة سلم الأولويات للملك عبد الله، في حين أن التهديد الإسرائيلي يحتل هذه الصدارة.
للوهلة الأولى، كل هذه الدول باستثناء العراق، تعتبر مؤيدة للغرب: أي دول يمكن للولايات المتحدة أن تنتظر منها دعماً لسياستها، حتى وإن اختلفوا عليها. ولكن التقسيم الثنائي التقليدي ما بين دول “مؤيدة للغرب” ودول “مناوئة لأمريكا”، لم يعد قائماً. في المقال الذي نشره هيثم الزبيدي، المحرر المسؤول وأحد أصحاب موقع “الأسبوع العربي”، الذي يصدر في لندن وممول من قبل الإمارات، يقول إن السبب في تخريب العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة هي اللوبيات الأمريكية التي عملت وتعمل من أجل تدمير العلاقة الوطيدة التي بنيت خلال عشرات السنين. هذه اللوبيات مقسمة إلى فئات، التي تضم اللوبي المؤيد للديمقراطية الذي وضع نصب عينيه المس بالعلاقات مع السعودية حتى قبل قضية خاشقجي والحرب في اليمن. وثمة لوبي آخر هو اللوبي القطري الذي يسعى إلى الدفع قدماً بمصالح قطر على حساب مصالح السعودية.
من أقواله، يتضح أن هنالك مؤامرة أمريكية شاملة، تشارك فيها وسائل الإعلام، والكونغرس وحتى شخصيات رفيعة في الإدارة، هدفهم تشويه سمعة وعزل السعودية. أقوال الزبيدي تعكس خطاباً سياسياً ساد في السعودية وفي دول الخليج، وليس فيها فقط. عندما يضاف إلى هذه الادعاءات الهزة التي مرت على الخليج، وعندما بدأ بايدن حملته لاستئناف الاتفاق النووي مع إيران، والانسحاب المذعور من أفغانستان، والانسحاب من العراق – يصبح الشك العميق تجاه الإدارة الأمريكية مفهوماً وأيضاً الحاجة إلى وضع استراتيجية بديلة للتحالف مع الولايات المتحدة.
التعبيرات البارزة عن هذه الاستراتيجية الجديدة هي التعاون الآخر بالاتساع مع الصين، والذي يضم أيضاً نية سعودية لشراء صواريخ وتكنولوجيا عسكرية صينية، واستئناف العلاقات ما بين تركيا وبين السعودية والإمارات، وتجميد المفاوضات حول شراء طائرات إف 35 التي جرت بين الولايات المتحدة وأبو ظبي، وتقارب محسوب مع إيران، ورفض الانضمام إلى العقوبات الأمريكية التي فرضت على روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا ورفض طلب بايدن زيادة استخراج النفط السعودي.
هذه الخطوات لا تأت لاستبدال العلاقة الوطيدة والحيوية مع الولايات المتحدة، بل من أجل تنويع الخيارات السياسية وتقليل الاعتماد الحصري على دولة عظمى واحدة. على هذه الخلفية، فإن تحالف دفاعي عربي – إسرائيلي – أمريكي، الذي يطرح الآن كاستراتيجية جديدة لبايدن هو في هذه الأثناء مجرد سكتش “رسم تخطيطي”. باستثناء إسرائيل، كل الدول المستعدة للانضمام إلى الإطار المشترك هذا لا ترى في إيران هدفاً لهجوم عسكري، وسيكون من الصعب إقناعها بالانضمام إلى حرب كهذه في الوقت الذي ترى الولايات المتحدة نفسها في الخطوات الدبلوماسية المسار الوحيد لإبعاد التهديد النووي الإيراني. خلافاً للحلف العسكري، فإن بناء إطار رسمي لتعاون اقتصادي إقليمي يمكنه أن يكون طموحاً واقعياً. بيد أن هذا الإطار في معظمه أصبح قائماً، ويحتاج استكماله إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والسعودية التي ما زالت تنتظر إصدار شهادة حسن السلوك التي سيصدرها لها بايدن.
أحلاف، وائتلافات، وكتل، هي أمور تقتضي التزامات طويل الأمد، تستند إلى استقرار في الحكم. في نظر الدول العربية، فإنها هي الوحيدة التي يمكنها توفير التزامات كهذه، في حين أن إسرائيل التي يسودها عدم يقين سياسي، والولايات المتحدة التي لا تعرف من سيكون رئيسها القادم، تضعان علامات تساؤل عديدة. قد نتوقع من زيارة بايدن التوقيع على اتفاقات محددة للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، ومن بينها اتفاقات على إعادة نشر القوات الدولية في جزر تيران وصنافير، وفتح أجواء السعودية أمام الطائرات التي ستأتي من إسرائيل وإليها، وتصريحات عن صداقة وأمن، وعن تشكيل طواقم توجيهية للدفع قدماً بالتعاون، ولكن تشكيل ناتو عربي إسرائيلي، سيضطر إلى الانتظار.
بقلم: تسفي برئيل