الطريق إلى طوفان الأقصى يمر بحرب أكتوبر 1973

الطريق إلى طوفان الأقصى يمر بحرب أكتوبر 1973

Palestinians react as an Israeli military vehicle burns after it was hit by Palestinian gunmen who infiltrated areas of southern Israel, at the Israeli side of Israel-Gaza border, October 7, 2023. REUTERS/Mohammed Fayq Abu Mostafa NO RESALES. NO ARCHIVES.

قد يكون من المبكر والسابق لأوانه، أن تكشف منظمات المقاومة الفلسطينية وفى مقدمتها حركة حماس، وهى التى قامت وفق كافة المؤشرات والتصريحات المعلنة بالعبء الأكبر، فى التخطيط والتنفيذ لعملية “طوفان الأقصى” فى السابع من أكتوبر عام 2023، والتى تمثل نقلة نوعية وكيفية، من كافة الزوايا، فى المواجهة التى تتصاعد مع إسرائيل عن أسرار التخطيط لهذه العملية. والمؤكد أن عدم الكشف عن ذلك احتياط مهم فى مواجهة العدو، وتعزيز قصوره عن إدراك الكيفية والأسلوب، اللذين أفضيا إلى تنفيذ هذه العملية المعقدة والمتعددة الأبعاد من الناحية الاستراتيجية والسياسية، والإبقاء على الغموض والإبهام الذى أحاط بالتخطيط والتنفيذ، وهو الغموض الذى يثير البلبلة فى صفوف إسرائيل، ويثير حفيظة المؤسسة الأمنية والعسكرية التى بالغت –فيما يبدو- فى تقدير منعتها وحصانتها فى مواجهة الشعب الفلسطينى والمقاومة.

ربما بعد أن تهدأ العاصفة وتسكت المدافع، يتم الكشف تدريجياً عن كواليس التخطيط والتنفيذ والأسس الاستراتيجية، التى تقف وراءها، وذلك يرتهن بمصير المواجهة الراهنة والنتائج التى قد تسفر عنها.

فى ظل هذه الظروف الراهنة وعدم الإفصاح عن كواليس هذه العملية؛ وبقاء الأسئلة التى تثيرها وأثارتها بلا أجوبة، مثل كيف تم التخطيط لهذه العملية؛ وكيف أمكن عدم تسريب أى معلومات عنها؛ بالرغم من العيون الإسرائيلية؛ أقصد شبكات الاستخبارات العسكرية والداخلية والخارجية؛ “أمان” الخاصة بالاستخبارات العسكرية و”الموساد” الخاص بالاستخبارات الخارجية و”الشاباك” الخاص بالاستخبارات الداخلية، فضلاً، عن الوحدة 8200 والتى يقال عنها أنها بمقدورها أن ترصد الذبابة عندما تقترب من الجدار الذى يفصل غزة عن أراضى 1948 والمستوطنات القائمة فى ما يسمى “بغلاف غزة”، وذلك فضلاً عن طرق ووسائل تدبير المعدات والأسلحة وأجهزة الرصد والمعلومات والإسناد الصاروخى والبرى؛ لاستمرار عملية طوفان الأقصى لعدة أيام متواصلة. فى إطار هذه الملابسات والظروف التى تحيط بطوفان الأقصى، فإن محاولة رسم معالم الطريق الأولية، التى سارت وتشكلت فيها عملية طوفان الأقصى على مدار أكثر من عام، تظل فى باب الاجتهادات والاستنتاجات والتحليل المنطقى لتسلسل الوقائع المتناثرة، والربط بينها والكشف عن الدروس الاستراتيجية والأمنية، التى أمكن لحركات المقاومة الكشف عنها واستيعاب مضمونها للمضى فى الإعداد والتنفيذ لهذه العملية النوعية.

نعتقد -بادئ ذى بدء- أن طوفان الأقصى بالصورة والأبعاد التى تابعها المواطنون والمراقبون من كل حدب وصوب، تمثل حصيلة شهور من الدراسة والقراءة واستخلاص العبر، لوقائع عديدة ذات محتوى نوعى واستراتيجى، تقارب العام وذلك فى إطار خلية نوعية من المخططين والمقاتلين ذوى الخبرة ويتمتعون بقدرات فنية واستراتيجية متميزة، فمثل هذه العملية المعقدة والمتعددة الأبعاد ليست وليدة الصدفة، كما أنها ليست وليدة فكرة طارئة أو عارضة تستغرق يوماً أو بعض يوم، ربما يكون قد ولدت هكذا ولكنها خضعت للنقاش والدراسة والتخطيط المحكم والتنفيذ الأكثر إحكاماً.

صعوبة الأهداف
بطبيعة الحال، لا يقلل من هذه العملية الرد العسكرى الإسرائيلى الهستيرى أو صعوبة حصر أهدافها على نحو دقيق؛ ذلك أن أهداف العملية تتوزع على ساحة كبيرة من الأهداف، يصعب تحديد أى منها هو الهدف الأول، أو الذى ينبغى التركيز عليه؛ ثمة العديد من الأهداف مثل وقف خطة الحسم الإسرائيلية فى إنهاء القضية الفلسطينية، وإعادة طرح القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولى بعد تجاهلها طوال هذه الفترة، وانشغال هذه الأجندة بالحرب الأوكرانية الروسية، أو منع إسرائيل من التعدى على الأقصى وأبناء الشعب الفلسطينى فى القدس، أو غيرها من المدن، أو الرد على انتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطينى فى الأمن والحياة الكريمة، وكذلك وضع حد للاحتلال وإنهائه، وحمل العدو على دفع ثمن وتكلفة استمرار الاحتلال والرد على الحكومة اليمينية المتطرفة، التى تشكلت فى نهاية عام 2022 وعدوانها المتكرر على الفلسطينيين والمدن الفلسطينية.

قد يكون بعض هذه الأهداف أو كلها فى منظومة واحدة هى المستهدف تحققها أو على الأقل أن تتحرك هذه الأهداف فى اتجاه تعزيز النضال الفلسطينى المشروع، من أجل التحرر من الاحتلال، ولكن برغم تنوع وتعدد هذه الأهداف، فإن طوفان الأقصى سيكون لها ما بعدها؛ أى أن تؤثر فى منح الأولوية للقضية الفلسطينية وأن يدفع الاحتلال ثمناً لاستمراره، وأن تعزز قيمة الدم الفلسطينى المراق فى مواجهات الاحتلال مع أبناء الشعب الفلسطينى، وأنه لا يقل أهمية عن الآخرين.

فى المقابل، فإن الرد الإسرائيلى الهمجى والبربرى على غزة، والمبالغ فيه والذى “تجاوز حد الدفاع عن النفس” وفق التصريحات الرسمية، لا يخلو بدوره من غموض الأهداف وتعددها بل وتناقضها وتضاربها، ولن يعززها التأييد الغربى والأمريكى والذى يتناقض بدوره مع الأعراف والقانون الدولى والإنسانى ويتميز بالانحياز الواضح لإسرائيل، على حساب الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة؛ ألا وهى التحرر من نير الاحتلال الذى يستمر طوال 56 عاماً، منذ 1967، وهى القضية التى تحظى باللامبالاة والاستخفاف والخطاب الرسمى المؤيد لحل الدولتين دون اتخاذ قرارات وإجراءات تفضى إلى رد الحق الفلسطينى وإنهاء الحلقة المفرغة من العنف الإسرائيلى والصهيونى.

تتمثل الأهداف الإسرائيلية من العدوان وهستيريا القتل الذى يمارسه فى غزة، فى الانتقام والثأر من الشعب الفلسطينى ورد الاعتبار للمؤسسة الأمنية والعسكرية، الذى فقدته فى طوفان الأقصى، وكذلك استعادة قوة الردع الإسرائيلية بعناصرها الأربعة التى تتمثل في الإنذار والردع والدفاع والحسم، وقد أطاحت طوفان الأقصى بالعناصر الثلاثة الأولى، حيث توقفت وتعطلت آليات وأجهزة الإنذار المبكر والتى تزعم إسرائيل تقدمها وفاعليتها، كما ارتبك الدفاع من قبل الفرق والوحدات الإسرائيلية لمدة عدة ساعات، بعد وقوع العملية، وانهار الردع والذى لم يمنع حركات المقاومة من الهجوم الناجع داخل إسرائيل فى المستوطنات وبعض القواعد العسكرية ووقوع العديد من الإسرائيليين أسرى بل ونقلهم إلى داخل قطاع غزة.

والحال أنه لم يبق من الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية سوى عنصر الحسم؛ أى إنهاء وجود حركة حماس فى الحد الأدنى، وتصفية القضية الفلسطينية فى الحد الأقصى، وهما هدفان من الصعب تحقيقهما دون أن تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، بل يكاد يكون من المستحيل إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية مع صمود الشعب الفلسطينى فى أرضه ورفضه مغادرتها على أى نحو.

من بين أهداف العدوان الآثم على غزة، نزع القوة الأخلاقية والشرعية عن النضال الفلسطينى بشكل عام؛ إن من حركة حماس والمنظمات الإسلامية الأخرى أو من جانب فتح والشعب الفلسطينى عموماً، وذلك من خلال الربط بين ما قامت به حماس فى طوفان الأقصى وما تقوم به “داعش” ومساواة الكفاح الفلسطينى بالإرهاب وخاصة نمط الإرهاب المرتبط “بداعش”؛ أى ذبح الأطفال ووحشية الإرهابيين، وذلك عبر بث أكاذيب ذبح حماس للأطفال والتى تلقفها الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته، كما لو كان حقيقة دامغة، رغم تراجع الرواية الإسرائيلية الرسمية من خلال الخارجية الإسرائيلية واعترافات المراسلة الصحفية التى قالت فى مقابلة لها مع قناة هندية أنها لم تشاهد ذلك؛ بل سمعت عنه من خلال بعض من كانوا فى مسرح العمليات، ولا تمتلك دليلاً على ذلك وكشفت أجهزة الذكاء الاصطناعى عن فبركة الفيديو الذي تم بثه والمتعلق بهذه الكذبة.

يتمثل الدافع الحقيقى وراء الرد الإسرائيلى فضلاً عن الانتقام والثأر ورد الاعتبار للمؤسسة الأمنية والعسكرية، فى الدفاع عن استمرار الاحتلال، وتجريم النضال الفلسطينى ونزع الأخلاقية عنه، ومن ثم حمل الفلسطينيين على الصمت والقبول بالأمر الواقع، وهو الأمر الذى يفاقم معاناة الشعب الفلسطينى ويمثل خلفية مناسبة ومشروعة لاستمرار النضال والمقاومة.

الطريق إلى طوفان الأقصى
في تقديرى أن الطريق إلى طوفان الأقصى بدأ بدراسة نموذج حرب أكتوبر عام 1973، والذى ما يزال مصدراً ملهماً من كافة الأبعاد؛ إن فى التخطيط والخداع الاستراتيجى، أو في التنفيذ العملى على المستوى السياسى والعسكرى، حيث قدمت حرب أكتوبر نموذجاً للخداع الاستراتيجى لا يقل أهمية عن نماذج الخداع الاستراتيجى المعروفة والموثقة فى التاريخ العسكرى كنموذج “بيرل هاربر” والهجوم الألمانى على الاتحاد السوفييتى سابقاً خلال الحرب العالمية الثانية، وما يزال هذا النموذج الذى قدمته مصر إن من حيث التوقيت والزمان والمكان، وحرف انتباه العدو عن حقيقة ما تم الإعداد العملى له على الجبهة المصرية والسورية؛ فى الجانب الدبلوماسى كانت التوجهات الدبلوماسية لمصر لسفرائها وممثليها فى الخارج التركيز على أن مصر تريد استعادة سيناء من خلال الحل السلمى، وأن إسرائيل ترفض قرارات مجلس الأمن التى صدرت عنه بعد عدوان 1967، وكذلك ترفض المبادرات المصرية التى تقدمت بها مصر قبل حرب أكتوبر، كما أن الإعلام المصرى قام بهذا الدور ولإنجاز ذات المهمة، وذلك فضلاً عن تضليل العدو عن موعد نشوب الحرب.

هذا النموذج المصرى في الخداع الاستراتيجي فى حرب أكتوبر، يفترض أن حركة المقاومة الإسلامية أو المنظمات الأخرى قامت بدراسته واستخلاص الدروس ووضع اليد على القيم المضمنة فيه، والتى تتمثل فى الإرادة والسرية والتكتم والتخطيط والتمهيد لإحداث المفاجأة الاستراتيجية والإمساك بزمام المبادأة.

أما المحطة الثانية فى الطريق إلى طوفان الأقصى فتتمثل فى هروب الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن “جلبوع”، فى سبتمبر عام 2021، وتمكن هؤلاء الأسرى من تضليل أجهزة المراقبة والكاميرات وأنظمة الحراسة والتصميم العمرانى للسجن، وتمكن الأسرى بأدوات غاية فى البساطة، من حفر النفق الموصل إلى الحرية والفضاء خارج حدود منطقة السجن والمعروف بشدة حراسته ونظمه الأمنية الحديثة.

والدرس المستخلص من هذه العملية هو هشاشة النظام الأمنى الإسرائيلى، وإمكان خرقه رغم الصورة التى يحاول الإسرائيليون تصديرها عن أنظمتهم الأمنية والتجسسية فى العالم.

أثناء هروب الأسرى وتعقبهم من قبل قوات الأمن والجيش الإسرائيلى، تشكلت كتيبة “جنين” بهدف إسناد هؤلاء الأسرى فى هروبهم، وبعد تمكن القوات الإسرائيلية من إعادتهم، تحولت هذه الكتيبة إلى المقاومة مع جماعات أخرى، وقامت بمناوشة الجيش الإسرائيلى بهدف تركيز الأنظار عليها وحرف انتباه الأجهزة الأمنية عن مراقبة الأمن فى غزة.

ليلة الطائرات الشراعية
فى نوفمبر 1987، نفذ أربعة أبطال ليلة طيران بالطائرات الشراعية منهم فلسطينيان ومقاتل سورى وآخر تونسى من الجبهة الشعبية القيادة العامة، ووقع فى هذه العملية قتلى وجرحى إسرائيليين وهو ما يمثل خلفية استخدام مقاتلى حماس هذه الطائرات.

من ناحية أخرى، حرصت إسرائيل على الفصل بين السلطة فى الضفة الغربية والسلطة فى غزة والإبقاء على ضعف كليهما وفى الوقت ذاته سمحت إسرائيل بدخول الأموال إلى غزة، كما خففت الحصار وسمحت للعمال من غزة بالعمل فى إسرائيل ونسقت ذلك مع حماس من خلال الوسطاء، وتظاهرت حركة حماس بقبول هذه الترتيبات، والمهم أن إسرائيل اعتقدت فى قبول حركة حماس لهذا الوضع بأنه مؤشر لاستمرار التهدئة مقابل هذه الترتيبات.

وإذا كانت هذه الترتيبات قصد منها تخفيف معاناة غزة، فإن ما لم تنتبه له إسرائيل أن الجناح العسكرى لحماس يمتلك ميزانية مالية خاصة، لا تتأثر لا بالمعاناة ولا بمثل هذه الترتيبات.

يضاف إلى ذلك أن ثمة العديد من التجمعات والتظاهرات مقابل الجدار الفاصل بين غزة وإسرائيل للمطالبة بحق العودة.

ارتكزت إسرائيل على صواب نظريتها الأمنية والعسكرية بأن حماس غير قادرة على الإضرار بها، وأنها قبلت هذه الترتيبات وأنها، أى إسرائيل، بمقدورها الرد الحاسم على حماس فى حال مهاجمتها.

فى نهاية شهر مايو 2023، هدد يحيى السنوار بحرق الأخضر واليابس، إذا لم تحل مشكلة القطاع، ولم تؤخذ هذه التهديدات فى إسرائيل على محمل الجد. فى هذه الأثناء تشكلت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة فى نهاية 2022، وقامت بإعادة هيكلة الأمن والدفاع، وتشكيل قوة أمنية تحت تصرف بن غفير، وهو ما مثل تهديداً لوحدة الجهاز الأمنى الإسرائيلي. ولم تكتف هذه الحكومة بذلك بل طرحت خطة الإصلاح القضائى بهدف تقليص مراقبة المحكمة العليا لأدائها وقرارات الحكومة والكنيست، وتعزيز قبضة اليمين المتطرف الدينى والقومى على النظام السياسى الإسرائيلى وتمهيد الطريق لتنفيذ خطة الحسم الإسرائيلية التى كان قدمها سيموتريتش منذ عام 2017 والتى تقضى بأن إسرائيل وحتى قبل ظهور هذه الخطة، لم تنجح فى مواجهة الفلسطينيين، وأنها فتحت الباب أمام تطلعات الفلسطينيين فى دولة فلسطينية، وأن الوقت قد حان لوضع نهاية للقضية الفلسطينية بالضم والاستيطان للضفة الغربية، ووزعت الخطة الفلسطينية إلى فئات، الأولى منهم من يقبل العيش فى دولة يهودية ووفق القانون الإسرائيلى، أما الثانية منهم فهم من لا يريدون العيش فى إسرائيل، هؤلاء يرحلوا وتساعدهم إسرائيل مادياً، أما الفئة الثالثة فهم الذين يرفضون هذه الخطة ويقاومون تطبيقها، والجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية كفيلة بالقضاء عليهم.

أحدثت خطة الإصلاح القضائى انقساماً غير مسبوق فى إسرائيل بين اليمين الدينى المتطرف واليمين القومى المتطرف وبين بقية الفئات فى إسرائيل من اليسار والقوى السياسية المختلفة، والذى ترتب عليه قيام مظاهرات كبيرة طوال ما يفوق الأربعين أسبوعاً كل سبت، ودخل ضباط الاحتياط وأفراد من الجيش على الخط لمناهضة هذه الخطة وهددوا بعدم القيام بمهامهم وهى المرة الأولى التى انخرط فيها الجيش فى أزمة سياسية.

محصلة ذلك أن أصبحت إسرائيل منقسمة انقساماً عميقاً غير مسبوق، ودخل الجيش والاحتياطى كطرف فى هذه الأزمة، وحذر كبار القادة من مخاطر ذلك على الأمن والجهوزية العسكرية للجيش.

يضاف إلى تلك المحطات فى طريق طوفان الأقصى، واقعة الجندى المصرى، والذى قام فى 3 يونيو 2023 بمطاردة المهربين على الحدود المصرية-الإسرائيلية ودخل إلى الأراضى الإسرائيلية بتسليح بسيط، واشتبك مع قوة إسرائيلية وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وبقى فى داخل الأراضى الإسرائيلية عدة ساعات، قبل وصول قوات إسرائيلية أخرى تمكنت من القضاء عليه، والدلالة التى يمكن استخلاصها هى ترهل الجيش والأمن وافتقادهما للمنعة والحصانة المنسوبة إليهما.

العناصر السابق الإشارة إليها مثلت بالنسبة لمعدى خطة طوفان الأقصى؛ علامات استرشادية على طريق التخطيط والتنفيذ لهذه العملية النوعية وغير المسبوقة؛ تمثلت هذه العلامات فى هشاشة النظام الأمنى والاستخباراتى فى إسرائيل، وهشاشة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بل والمجتمع الإسرائيلى ذاته، بعد خطة الإصلاح القضائى وإمكانية إحداث اختراق واسع على غرار ما حدث إبان السابع من أكتوبر عام 2023.

يعرف الإسرائيليون أكثر من غيرهم قدرات أبناء فلسطين الفنية والبرمجية، عندما اخترق بعضهم بث قنوات التليفزيون الإسرائيلية الثانية والعاشرة، وكتبوا “القدس عاصمة فلسطين إلى الأبد” كما ذكر جدعون ليفى فى مقال له تداولته أغلب المواقع العربية إبان هذه التطورات.

فى بداية هذه التطورات، نسب الإسرائيليون إلى إيران مسئولية التخطيط والتنفيذ وهو ما نفاه الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته وآخرون من المؤسسة السياسية العسكرية الأمريكية بالقول إنه لا دليل على ذلك لدى الولايات المتحدة رغم الإقرار بمساندة إيران لهذه المنظمات؛ لأن إسرائيل تستخف بقدرات أبناء الشعب الفلسطينى وتستهين بإمكانياته، وتستبعد أن يكون له القدرة والخيال على الابتكار والخداع والتنفيذ على النحو الذى رآه العالم على الشاشات، ولن تتمكن إسرائيل من محو هذه الصور الأولية فى السابع من أكتوبر عام 2023 من أذهان الإسرائيليين أو من أذهان الرأى العام الدولى، حتى ولو هدمت غزة على رءوس أهلها، فلن يعدو ذلك أن يكون عملاً همجياً وبربرياً وقوة غاشمة؛ تتحلل من أى التزام أخلاقى أو قيمى أو حضارى وكثيراً ما عرفنا فى التاريخ أمثله لذلك.