الباحثة شذا خليل*
يشهد الاقتصاد العراقي تحولات مهمة نحو تحقيق تنويع اقتصادي يقلل الاعتماد على النفط ويعزز القطاعات الإنتاجية الأخرى. تعد هذه التحولات ضرورية في ظل التقلبات العالمية في أسعار الطاقة والضغوط التضخمية، حيث يمثل تطوير القطاعات غير النفطية وتحسين إدارة الموارد العامة مفتاحًا لتحقيق النمو المستدام وضمان رفاهية المواطنين.
الوضع الاقتصادي الحالي
سجل العراق نموًا بنسبة 5% في الناتج المحلي غير النفطي خلال عام 2024، مدفوعًا بالتحسن في القطاع الزراعي وزيادة الإنفاق العام. وقد بلغ العجز المالي نحو 5 تريليونات دينار، أي ما يعادل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى منخفض لا يشكل تهديدًا للدين العام وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.
تسعى الحكومة إلى إعادة هيكلة المصارف الحكومية لتحسين قدرتها على استيعاب أدوات التمويل الحكومية وتحفيز السوق المحلي، بالإضافة إلى تعيين كوادر جديدة لتفعيل نظام إدارة الدين العام وتحليل الأداء المالي. كما أبدت بعثة صندوق النقد الدولي استعدادها لتقديم الدعم الفني والاستشاري في مجالات الإصلاح الضريبي وإدارة الدين العام، لضمان تبني أفضل الممارسات العالمية وتعزيز الكفاءة المالية.
التحول نحو الطاقة المستدامة
توجه الحكومة العراقية نحو الطاقات المتجددة يعكس اهتمامًا بتحقيق استدامة اقتصادية وبيئية. فقد بدأت خطة لتحويل 6 آلاف مبنى حكومي للعمل بالطاقة الشمسية، ما يقلل الاعتماد على النفط ويتيح استغلال الموارد الطبيعية بشكل أكثر فعالية. هذا التوجه يدعم أهداف التنويع الاقتصادي ويعزز قدرة العراق على مواجهة تقلبات أسواق الطاقة العالمية.
التحليل الاقتصادي
يعكس النمو في الناتج المحلي غير النفطي قدرة العراق على تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة، وتقليل هشاشة الاقتصاد أمام تقلبات أسعار النفط. كما أن العجز المالي المنخفض يمنح الدولة هامشًا ماليًا للتوسع في مشاريع التنمية والبنية التحتية دون زيادة كبيرة في الدين العام.
إعادة هيكلة المصارف وتفعيل إدارة الدين العام يمثلان أدوات استراتيجية لتعزيز التمويل الداخلي وتحفيز الاستثمارات الخاصة، بينما يدعم التعاون مع صندوق النقد الدولي الإصلاحات المالية ويضمن الكفاءة في إدارة الموارد العامة. كما أن الاستثمار في الطاقة الشمسية يسهم في تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز الاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل.
المستقبل الاقتصادي للعراق
تشير التوقعات إلى استمرار النمو بنسبة 4% في عام 2025، مدعومًا بتحسن الأداء الزراعي وزيادة الإنفاق الحكومي المدروس. مع ذلك، يبقى الاقتصاد العراقي عرضة لمجموعة من المتغيرات:
تقلبات أسعار النفط العالمية وتأثيرها على الإيرادات العامة.
الاستقرار السياسي والأمني، وهو عامل أساسي لجذب الاستثمارات.
نجاح الإصلاحات المالية والضريبية لضمان العدالة الاجتماعية وكفاءة توزيع الموارد.
توسيع مشاريع الطاقة المتجددة لضمان الاستدامة الاقتصادية والبيئية.
الخاتمة
تشير المعطيات الاقتصادية إلى أن العراق يسجل مؤشرات إيجابية نحو تنويع الاقتصاد والنمو المستدام، مع قدرة واضحة على مواجهة تقلبات النفط وتعزيز القطاعات غير النفطية. تعكس الإصلاحات المالية وإعادة هيكلة المصارف والاهتمام بالطاقات المتجددة التزام الحكومة بتحقيق إدارة فعالة ومستدامة للموارد العامة.
إذا تم التركيز على هذه المتغيرات وتفعيل السياسات الاقتصادية والإصلاحية، يمكن للعراق تحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستدام، مع تعزيز قدرة الدولة على تقديم خدمات أفضل للمواطنين، وضمان العدالة الاجتماعية والاستقرار المالي على المدى الطويل.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
