على الرغم من أن الحروب والمواجهات المسلحة في الشرق الأوسط لم تتوقف، إلا أن مبادراتٍ سياسيةً ومساراتٍ للتسوية تحركت فجأة، بعد أن كانت تلك المسارات متوقفة سنوات، كانت الكلمة في أثنائها للأداة العسكرية وحدها. وليس واضحاً ما إذا كان تحريك المسارات السياسية جاء نتيجة عدم الحسم العسكري، أم أن الصيغ المطروحة هي التصورات المستهدفة للمنطقة من البداية. ومن مؤشرات ترجيح الاحتمال الثاني، أن كل الصيغ السياسية المقترحة حلاً لمشكلات المنطقة وأزماتها ليست سوى وصفاتٍ لمزيد من الانقسام والتقسيم، وكلها متشابهة في المراحل والمبادئ.
كل مشاريع التسوية المطروحة في المنطقة تحمل بداخلها أسباب فشلها. وتعاني معضلاتٍ متنوعةً، وتواجه عثراتٍ متراكبة، تحول ليس فقط دون نجاحها، بل دون انطلاقها أساساً بشكل سليم، فالدول والأطراف المعنية بتلك التسويات يخوض بعضها التفاوض مرغماً، نتيجة اختلال موازين القوى على الأرض في غير صالحها. فيكون الخيار الأفضل، نسبياً، إعلان قبول التسوية السياسية مبدئياً، ثم التحايل على استحقاقات تلك التسويات غير المُرضية، سواء بوضع شروطٍ تعجيزيةٍ، أو المناورة في مسائل مثل تشكيل الوفود وترتيب أولويات الأجندة التفاوضية، بل والمرجعيات التي تستند إليها أفكار التسوية المطروحة.
في اليمن، نجح التدخل العسكري السعودي العربي في منع اكتمال سيطرة الحوثيين على الدولة، وتثبيت أمر واقع جديد. وتحت ضغط العمليات العسكرية، والمستجدّات الإقليمية، خصوصاً الاتفاق النووي الإيراني الغربي، قبل الحوثيون تدشين مسار تفاوضي، يوصل إلى تسويةٍ سياسية، وهو المسار الذي كانوا يرفضونه من قبل، وكان لهم تجارب سابقة في التحايل عليه، في أثناء جولات الحوار الوطني وبعدها. وعلى المنوال نفسه، جاء الانخراط في المسار السياسي مجدداً، اضطراراً وليس طوعاً. فيما بدا قبولاً مرحلياً لاستهلاك الوقت، بينما المواجهات على الأرض مستمرة، على أمل تغيير موازين القوة، بشكلٍ يغير النتائج المتوقعة من التفاوض، أو يُغني عن المسار السياسي أساساً، ويفرض على الأرض واقعاً، لا مجال للتفاوض حوله.
وفي سورية، قلب التدخل العسكري الروسي دفة العمليات العسكرية الجارية بشكل كبير، لصالح قوات بشار، بعد أن كانت تعرّضت لانتكاساتٍ متتاليةٍ، لصالح قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وبدرجة أقل فصائل المعارضة المسلحة، فغيّر التدخل الروسي العسكري المباشر المعطيات الأساسية لأي مسار سياسي محتمل. واستغلت موسكو ذلك، في فرض مسار سياسي مختلف نسبياً عن ذلك المعلق منذ ثلاثة أعوام، وعرف باسم “تفاهمات جنيف”. وعلى الرغم من أن المسار الجديد لا يقدّم الحد الأدنى من متطلبات تسويةٍ سياسيةٍ ناجحةٍ وقابلةٍ للاستمرار، إلا أن المأزق العسكري والسياسي الذي تواجهه المعارضة السورية دفعها إلى قبول الانضمام إلى ذلك المسار. ثم وجدت المعارضة نفسها مضطرّة لرفع سقف التنازلات تدريجياً. حتى انتهى الأمر إلى مفاوضاتٍ مع النظام، وانتخاباتٍ يجريها النظام وحكومة انتقالية يشكلها النظام!
يختلف الوضع في ليبيا في التفاصيل فقط، فبسبب عدم قدرة أيٍّ من الأطراف المتصارعة على إنزال هزيمةٍ كاملةٍ بالقوى الأخرى، تمكّن المبعوث الأممي (برناردينو ليون وبعده مارتن كوبلر) من صياغة اتفاقٍ لا يلبي مطالب أيٍّ من الأطراف جميعاً، فراحت كلها تعلن قبوله، بينما يسعى بعضها إلى تعديله، وبعضها الآخر إلى تعطيله.
للتسويات الصالحة للبقاء شروط، أهمها أن تجسّد موازين القوى على الأرض، وألا تتعارض التسوية مع أهداف (ومصالح) الدول القادرة على منعها أو إفشالها. وقبل ذلك كله، هناك المتطلب الأساس لنجاح أي تحرك، سواء سياسي أو عسكري، وهو أن يكون هدفه الحقيقي تحقيق الاستقرار، وتوفير بيئة آمنة للشعوب التي صارت بفعل انتهاكات الداخل وتدخلات الخارج، لا تطمع في أكثر من الاحتفاظ بحق البقاء.
كل مشاريع التسوية المطروحة في المنطقة تحمل بداخلها أسباب فشلها. وتعاني معضلاتٍ متنوعةً، وتواجه عثراتٍ متراكبة، تحول ليس فقط دون نجاحها، بل دون انطلاقها أساساً بشكل سليم، فالدول والأطراف المعنية بتلك التسويات يخوض بعضها التفاوض مرغماً، نتيجة اختلال موازين القوى على الأرض في غير صالحها. فيكون الخيار الأفضل، نسبياً، إعلان قبول التسوية السياسية مبدئياً، ثم التحايل على استحقاقات تلك التسويات غير المُرضية، سواء بوضع شروطٍ تعجيزيةٍ، أو المناورة في مسائل مثل تشكيل الوفود وترتيب أولويات الأجندة التفاوضية، بل والمرجعيات التي تستند إليها أفكار التسوية المطروحة.
في اليمن، نجح التدخل العسكري السعودي العربي في منع اكتمال سيطرة الحوثيين على الدولة، وتثبيت أمر واقع جديد. وتحت ضغط العمليات العسكرية، والمستجدّات الإقليمية، خصوصاً الاتفاق النووي الإيراني الغربي، قبل الحوثيون تدشين مسار تفاوضي، يوصل إلى تسويةٍ سياسية، وهو المسار الذي كانوا يرفضونه من قبل، وكان لهم تجارب سابقة في التحايل عليه، في أثناء جولات الحوار الوطني وبعدها. وعلى المنوال نفسه، جاء الانخراط في المسار السياسي مجدداً، اضطراراً وليس طوعاً. فيما بدا قبولاً مرحلياً لاستهلاك الوقت، بينما المواجهات على الأرض مستمرة، على أمل تغيير موازين القوة، بشكلٍ يغير النتائج المتوقعة من التفاوض، أو يُغني عن المسار السياسي أساساً، ويفرض على الأرض واقعاً، لا مجال للتفاوض حوله.
وفي سورية، قلب التدخل العسكري الروسي دفة العمليات العسكرية الجارية بشكل كبير، لصالح قوات بشار، بعد أن كانت تعرّضت لانتكاساتٍ متتاليةٍ، لصالح قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وبدرجة أقل فصائل المعارضة المسلحة، فغيّر التدخل الروسي العسكري المباشر المعطيات الأساسية لأي مسار سياسي محتمل. واستغلت موسكو ذلك، في فرض مسار سياسي مختلف نسبياً عن ذلك المعلق منذ ثلاثة أعوام، وعرف باسم “تفاهمات جنيف”. وعلى الرغم من أن المسار الجديد لا يقدّم الحد الأدنى من متطلبات تسويةٍ سياسيةٍ ناجحةٍ وقابلةٍ للاستمرار، إلا أن المأزق العسكري والسياسي الذي تواجهه المعارضة السورية دفعها إلى قبول الانضمام إلى ذلك المسار. ثم وجدت المعارضة نفسها مضطرّة لرفع سقف التنازلات تدريجياً. حتى انتهى الأمر إلى مفاوضاتٍ مع النظام، وانتخاباتٍ يجريها النظام وحكومة انتقالية يشكلها النظام!
يختلف الوضع في ليبيا في التفاصيل فقط، فبسبب عدم قدرة أيٍّ من الأطراف المتصارعة على إنزال هزيمةٍ كاملةٍ بالقوى الأخرى، تمكّن المبعوث الأممي (برناردينو ليون وبعده مارتن كوبلر) من صياغة اتفاقٍ لا يلبي مطالب أيٍّ من الأطراف جميعاً، فراحت كلها تعلن قبوله، بينما يسعى بعضها إلى تعديله، وبعضها الآخر إلى تعطيله.
للتسويات الصالحة للبقاء شروط، أهمها أن تجسّد موازين القوى على الأرض، وألا تتعارض التسوية مع أهداف (ومصالح) الدول القادرة على منعها أو إفشالها. وقبل ذلك كله، هناك المتطلب الأساس لنجاح أي تحرك، سواء سياسي أو عسكري، وهو أن يكون هدفه الحقيقي تحقيق الاستقرار، وتوفير بيئة آمنة للشعوب التي صارت بفعل انتهاكات الداخل وتدخلات الخارج، لا تطمع في أكثر من الاحتفاظ بحق البقاء.
سامح راشد
صحيفة العربي الجديد