ولكن، ما هو تأثير النظام الرئاسي على حزب الشعوب؟ كيف يمكن لحزبٍ لم يحصل في
تاريخه على أكثر من 15% من مقاعد البرلمان، ولا يُتوقّع حصوله على أيّ نسبة تقارب الغالبيّة البرلمانيّة، ولا يُحتمَل تشكيله تحالفاً مع الأحزاب الرئيسيّة في المعارضة، أن يعتبر أنّ النظام الرئاسي أو البرلماني سيشكّل أيّ فارقٍ سلبي، بالنسبة لمصلحته الحزبيّة على الأقل؟
من جهة أخرى، لا تحمل هذه التعديلات أيّ سلبيّات إضافيّة، ليس للحزب فقط، بل حتّى بالنسبة للقضيّة الكرديّة في تركيا عموماً، فصحيح أنّه ثمّة مصلحة ما للكرد في الديمقراطيّة، لكنّها ليست مشكلتهم الوحيدة في تركيا، إذ لم تمنعهم الديمقراطيّة التي أوصلت مندوبي حزب الشعب الجمهوري إلى البرلمان التركي من التصويت لصالح قانون رفع الحصانة عن البرلمانيّين الكرد، بهدف إزالة كل العقبات من أمام أردوغان لينهي “الإرهاب” تحت قبة البرلمان، كما صرّح حينها رئيس الحزب، كمال كليجدار أوغلو. أضف إلى ذلك أنّ قضايا كرديّة عديدة نوقشت في البرلمان التركي لاقت رفضاً مسبقاً من أحزاب المعارضة التركيّة، قبل حزب العدالة والتنمية (الحاكم). كما أنّ الحياة السياسيّة التركيّة لم تنتج، حتّى الآن، إلا من يمكن وصفهم بأنهم سياسيّون عنصريّون تجاه الشعب الكردي، استطاعوا، في حالات معيّنة، جمع الفاشيّة واليسار في شخص واحد، مثل بولند أجاويت. وفي المجمل، لم يشهد الوضع الكردي أيّ تحسّن معتبر عبر تاريخ تركيا بين الأنظمة المختلفة، ديمقراطيّةً كانت أم عسكريّة، رئاسيّة أم برلمانيّة، يساريّة أم يمينيّة. بل كان من الممكن، وبمنطق كليجدار أوغلو نفسه، الاستفادة كرديّاً من النظام الرئاسي لـ”إزالة كلّ العقبات” من أمام إردوغان، لينهي الأحزاب العنصريّة تحت قبّة البرلمان.
يبدو ممّا سبق أنّ القرار الذي اتّخذه حزب الشعوب الديمقراطي لم يُبن على أساس مصالح
الفئات التي يمثّلها، مثل معظم الأحزاب في العالم، ولا على أساس مصالحه الحزبيّة الخاصّة. ولكن، في الوقت نفسه، لا يمكن القول، إنّ موقفه مستندٌ إلى قيم ديمقراطيّة كونيّة، بل يبدو أنّه اتّخذها انطلاقاً من محاكماته الأيديولوجيّة كأيّ ناشطٍ “ثوري”؛ فمن جهةٍ، لا تسمح طبيعة تلك التعديلات التي لا تمثّل أساساً إلا تغييراً سطحياً لا يطاول البنى الرئيسيّة للنظام القائم، ويماثلها مع ما هو حاكمٌ في دول ديمقراطيّة عديدة الجزم بأنّ معارضيها “ديمقراطيّون”. ومن جهة أخرى، فإنّ النموذج الذي تقدّمه الأيديولوجيا شبه الرسميّة للحزب، ويطبّقها حليفهم في شمالي سورية لا يشجّع على القول بوجود دافع ديمقراطي لدى حزب الشعوب، إذ إنّه يختلف مع تلك التعديلات من جهة أنّ كلّ الصلاحيّات التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة لا تملكها أيّ سلطة قانونيّة ودستوريّة (لا رئاسيّة ولا غيرها) في شمالي سورية، بل تعود فعليّاً إلى قيادات حزبيّة لديها القرار الفصل فيها.
يحتاج حزب الشعوب، في هذه المرحلة، التحرّر من الأيديولوجيا التي تقيّد نضاله في سبيل حقوق الشعب الكردي في تركيا، وإذا لم يتوفّر على مرونة سياسيّة كبيرة فقد يضع الكرد في مواجهاتٍ، هم في غنى عن إضافتها إلى أحمالهم الثقيلة أصلاً، وقد يضيّع عليهم فرصاً تؤخّر حريّتهم التي طالما حلموا بها.