د. سليم محمد الزعنون
فرضت الأزمة التي نشبت في 5 يونيو الماضي بين دول الخليج الثلاثة السعودية والإمارات والبحرين بالاضافة إلى مصر مع قطر، على تنظيم الإخوان المسلمين دراسة الخيارات والبدائل التى تُشكل بديلاً عن الدوحة، في حال أدت الضغوطات الإقليمية والدولية إلى دفعها لاتخاذ قراراً بمغادرتهم أراضيها.
وفقاً لهذا المنظور من الممكن أن يضع التنظيم “خطة استباقية” للتعامل مع سيناريو محتمل قائم على اتخاذ الدوحة قراراً بمغادرة قياداته وأعضائه للبلاد، بهدف منع وقوع حالة من الفوضى والتخبط في صفوف التنظيم عند اتخاذ مثل هذا القرار، وفي هذا النوع من الخطط يتم العمل وفقاً لنظام المراحل والأولويات، بحيث تتضمن المرحلة الأولى وذات الأولوية القصوى مغادرة القيادات المعروفة، وفي مرحلة ثانية يتم إجلاء الأشخاص المدرجة اسمائهم في كشوفات الإرهاب التي أعلنتها الدول الثلاثة ومصر.
أولاً: محددات الحواضن المحتملة.
يساهم في تحديد الحواضن المحتملة لتنظيم الإخوان المسلمين، ثلاثة محددات رئيسية:
الأول؛ مدى استعداد الحواضن الحتملة (الدول) على استقبال قيادات وكوادر التنظيم في ظل وصمهم ومؤسساتهم بالإرهاب.
الثاني؛ مساحة الحركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية للتنظيم في الحواضن الجديدة، ودون أي ملاحقات أمنية.
الثالث؛ مدى قوة العلاقة بين الحواضن الجديدة (الدول)، مع دول التي تصنف التنظيم كإرهابي، وتحديداً دول الخليج الثلاثة ومصر.
ثانياً: الحواضن المحتملة.
وفقاً للشروط السابقة يتوفر أمام تنظيم الإخوان المسلمين نوعين من الحواضن المحتملة:
- حواضن بصفة فردية.
تمكن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من إنشاء شبكة ضخمة من مراكز الأبحاث والفكر والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية والدعوية مرخصة قانونياً في جميع إنحاء العالم، ويستخدمها كغطاء للتحرك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاعلامي والعمل التنظيمي، وتتركز في جميع دول أوروبا وتحديداً بريطانيا، فرنسا، كذلك في الولايات المتحدة، باكستان، ماليزيا، جنوب أفريقيا، هذه الدول يمكن أن تستقبل كوادر التنظيم بصفاتهم الشخصية (أفراداً) وليس (تنظيماً)، ولن تسمح بأن تكون مقراً يدير من خلاله التنظيم نشاطاته المختلفة، لسببين الأول الحفاظ على علاقتها بدول الخليج الثلاثة ومصر، والثاني تأمين جبهتها الداخلية.
- حواضن بصفة تنظيمية.
ترتبط جماعة الإخوان المسلمين بعلاقات وطيدة مع بعض الدول، وكذلك مع الأحزاب الإسلامية المحسوبة على الإخوان المسلمين وتلعب دوراً مؤثراً على حكوماتها، وفي هذا السياق تظهر كل من تركيا، تونس، وإيران، كحواضن محتملة لاستضافة الإخوان المسلمين بصفة تنظيميةـ مع توفير البيئة المناسبة لهم للعمل بحرية في كافة المجالات.
- تركيا.
منذ صعود حزب العدالة والتنمية أحد أفرع الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002، والعلاقة بين الطرفين في حالة تطور ونمو، وتوطدت العلاقة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2010 إذ دعمت انقرة فروع تنظيمات الإخوان في الدول المختلفة في اطار نظرية العثمانية الجديدة القائمة على استعادة النفوذ في المناطق التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، وبعد اسقاط حكم الإخوان في مصر شكلت حاضنة رئيسية للإخوان الفارين من القاهرة، ومركزاً رئيسياً لإدارة نشاطات التنظيم على كافة المستويات، وهذا يقدم تفسير لسياسة التنظيم الداعمة لتركيا على المستوى السياسي والديني، وانطلاقاً من التقاء المصالح المشتركة بينهما؛ رغبة التنظيم في وجود الحاضنة الآمنة، ورغبة تركيا في تنفيذ سياستها في المنطقة، فإن تركيا تعتبر الحاضنة الأكثر ترجيحاً لاستضافة أعضاء التنظيم في حالة مغادرتهم قطر.
- تونس.
يوجد تشابه نسبي بين تجربة الإخوان في كل من مصر وتونس، من حيث الوصول لسدة الحكم أثراً لثورات الربيع العربي، مع الاختلاف في كيفية سير التجربة ونجاحها، إذ شكل إخوان مصر نموذج فاشل في إدارة الدولة ومؤسساتها وصولاً إلى اسقاطهم، في المقابل شكل إخوان تونس نموذج ناجح نسبياً في إدرة توازنات الحكم، والتمتع بالمرونة، ودرجة من التكيف مع البيئة المحلية ما حال دون اسقاطهم.
ولكن مازال إخوان تونس ممثلين بحركة النهضة يتمتعون بموقع مهم في الحياة السياسية التونسية، اضافة إلى أن حركة النهضة اعلنت دعمها لقطر منذ بداية الأزمة، كما أن حزب “حراك تونس الإرادة” الذي أعلن وقوفه إلى جانب قطر على اعتبار أنها ساهمت في وصول “منصف الرزوقي” للسلطة، وفقاً لهذا المنظور تعتبر تونس أحد الحواضن المحتملة لاستضافة اعضاء الإخوان في حال مغادرتهم قطر.
- إيران.
توجد علاقات وطيدة بين تنظيم الإخوان المسلمين وإيران منذ خمسينات القرن الماضي، عندما قام “مجتبى نواب صفوي” بزيارة القاهرة والالتقاء بقادة الإخوان، وفي عام 1947 التقى البنا مع الشيعة الإمامية الاثنا عشرية من خلال محمد تقي، ويقوم مفهوم البنا ومن بعده جماعة الإخوان المسلمين للعلاقة مع الشيعة على أساس إمكانية التوافق والتقريب، وأن هناك مجالاً دائماً للتعاون فيما اتفق عليه، واعتبر “علي أكبر ولايتي”، وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الأعلى لمرشد النظام الإيراني علي خامنئي، أن الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية، ودعمت إيران ثورات الربيع العربي وصعود الإخوان المسلمين لسدة الحكم، وزار “مرسي” طهرن لحضور قمة منظمة دول عدم الانحياز بعد قطيعة استمرت عقود، وهو ما تم تفسيره على أنه تطبيع سياسي واقتصادي بين البلدين، وهذا ما يفسر عدم انتقاد التنظيم لسياسات إيران التدخلية في شئون المنطقة، وانطلاقاً من أن كلاهما بحاجة إلى الآخر، قد تعتبر إيران حاضنة جديدة للتنظيم، فالإخوان في حاجة إلى أن تحتضنهم دولة ولا تصنفهم كجماعة إرهابية، وإيران تحتاج للتنظيم لنفي الاتهامات الطائفية وتحسين صورتها.
في كل الأحوال تفتقد الحواضن المحتملة للإمتيازات التي يتلقاها تنظيم الإخوان المسلمين خلال اقامته في قطر، من حيث الدعم المالي السخي، والقدرة على الحركة بحرية تامة على كافة المستويات، والبيئة الآمنة، من الممكن أن ينتقل التنظيم إلى أحد الحواضن الجديدة، غير أنه سيفقد بعض الامتيازات المتاحة في الدوحة.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية