بعد تصريح مثير للجدل أدخل الريبة في صفوف التونسيين حول عدم قدرة الدولة على سداد أجور موظفيها في الأشهر المقبلة، عاد وزير المالية بالإنابة محمد الفاضل عبد الكافي ليناقض ما سبق أن صرح به في البرلمان، مؤكدا توفر السيولة الكافية لدفع الرواتب.
وجاء الموقف المتناقض، وسط انتقادات حادة من أوساط اقتصادية أكدت لـ “العربي الجديد” أن تصريحات الوزير المتضاربة تكشف عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تعيشها البلاد، خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح الاقتصاديون أن تكرار التصريحات الغامضة للوزراء كما حدث مع تصريحات وزيرة المالية السابقة، لمياء الزريبي، حول تعويم الدينار تنتج عنه تداعيات سلبية خطيرة على الاقتصاد المتأزم.
وقال وزير المالية في تصريح نقلته وكالة الأنباء التونسية الرسمية، أول من أمس، إن “وضعية المالية العمومية صعبة ولكن المؤشرات الاقتصادية عرفت نموا إيجابيا خلال هذه السنة” مؤكدا أن تونس في اتجاه تحقيق نسبة نمو في حدود 2.5 % خلال السنة الحالية.
وطمأن وزير المالية التونسيين بخصوص الأجور قائلا إن الدولة قادرة على تسديد الأجور خلال الأشهر القادمة في سنة 2017، مشيرا إلى أنه “لا يوجد داع لمثل هذه المخاوف”.
وأضاف وزير المالية بالنيابة أن الإشكال الرئيسي في الاقتصاد التونسي مرتبط بارتفاع حجم ميزانية الدولة من 18 مليار دينار سنة 2010، أي قرابة 7.5 مليارات دولار، إلى 34 مليار دينار خلال ست سنوات أي ما يعادل 14.5 مليار دولار، مشيرا إلى ارتفاع حجم النفقات العمومية “الذي عمق عجز الميزانية”.
ونوه عبد الكافي بعودة المحركات الأساسية للاقتصاد التونسي على غرار الفوسفات والسياحة والاستثمار الأجنبي، قائلا إن التعهدات التي تلقتها تونس في قمة الاستثمار 20/20 تسير جلها بشكل إيجابي.
ويعتبر المراقبون للوضع الاقتصادي أن تصريحات المسؤول الحكومي كانت موجهة بالأساس لكتل المعارضة في البرلمان، حاملة في طياتها موقفاً سياسيا من الأحزاب التي تنتقد الأداء الحكومي، دون تقديم بدائل أو حلول عملية للخروج من الوضع الاقتصادي الصعب، الذي تتخبط فيه البلاد.
ويتزامن تصريح وزير المالية بالنيابة مع زيارة وفد صندوق النقد الدولي لتونس، من أجل مراقبة مدى تقدم الإصلاحات المتعلقة بخفض كتلة الأجور ورسملة المصارف الحكومية.
ورأى الخبير الاقتصادي، محمد صالح الجنادي، أن تصريحات وزير المالية بالإنابة لم تجانب الصواب بل تحدث عن حقيقة وضع الخزينة التي تتغذى من الاقتراض الخارجي، في ظل تعطل المحركات الاقتصادية القادرة على توفير السيولة الكافية لسداد نفقات التصرف دون اللجوء إلى طرق أبواب الخارج.
وأضاف الجنادي، في تصريح لـ “العربي الجديد”، أن تونس شارفت على مرحلة الإفلاس في أكثر من مناسبة لكنها تخطت عقبات ومراحل أصعب من المرحلة الحالية، مشيرًا إلى هذه الفترة من السنة تتميز عادة بتراجع الإيرادات، ما يولد ضغطا كبيرا على النفقات العمومية.
وتوقع انفراج الوضع ببداية تدفق إيرادات القطاع السياحي وتغذية الخزينة بتحويلات المغتربين التي ترتفع في فصل الصيف فضلا عن الاسترجاع التدريجي لنسق إنتاج الفوسفات، حسب قوله.
وفي مايو/أيار الماضي أكد معهد الإحصاء الحكومي ارتفاع نسبة النمو إلى حدود 2.1 % لتحقق البلاد خلال الربع الأول من العام الجاري أعلى نسبة نمو منذ ست سنوات.
وتعود هذه النسبة التي حققتها الحكومة إلى القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي والاستغلال الأمثل من قبل الحكومة لمحركات النمو من سياحة وفوسفات وزراعة، حيث تطورت أنشطة قطاعات الصناعات المعملية بنسبة 0.2 % خلال الربع الأول من سنة 2017 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2016، ويعود ذلك إلى ارتفاع الإنتاج في قطاع المناجم بنسبة 21.3 % رغم تراجع استخراج النفط والغاز الطبيعي بنسبة 3 %.
في المقابل انتقد القيادي النقابي، سامي الطاهري، ما وصفه بالتصريحات غير المدروسة للمسؤولين الحكوميين، مشبها تصريح عبد الكافي بتصريح وزيرة المالية السابقة، لمياء الزريبي، حول تعويم الدينار الذي أدى إلى انهيار العملة المحلية في فترة وجيزة مقابل العملات الأجنبية.
ودعا الطاهري في تصريح لـ “العربي الجديد” إلى مكاشفة التونسيين بحقيقة الوضع الاقتصادي دون توظيف للتصريحات، التي تؤدي إلى مفاقمة الوضع المتردي، مشيرا إلى أن الاقتصاد التونسي لا يزال يدفع ثمن تصريحات وزيرة المالية حول تعويم العملة الأمر الذي أفقد الدينار أكثر من 20 % من قيمته مقابل اليورو والدولار، حسب تأكيده.
من جانبه قال وزير التجارة الأسبق والخبير الاقتصادي، محسن حسن، إن البلاد لم تتعد بعد مرحلة الهشاشة الاقتصادية والمالية، مؤكدا أن كل المؤشرات الرسمية، ولا سيما منها بيانات المصرف المركزي، تحدثت عن شح السيولة المالية ومدخرات الدولة من النقد الأجنبي.
ولفت حسن في تصريح لـ “العربي الجديد” إلى أن غياب المعالجة الجذرية لهذه الوضعية سيجر الحكومة إلى مرحلة العجز عن سداد الأجور وسداد أقساط الديون، التي حل أجلها.
وفي علاقة باتهامات المعارضة للحكومة بالخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي للحصول على التمويلات اللازمة وتجنب الإفلاس، أفاد الخبير الاقتصادي بأنه للأسف تتواصل القراءات الخاطئة للعلاقة بين تونس والمؤسسات المالية العالمية، ومن ذلك صندوق النقد الدولي.
واعتبر أن الحديث عن خصخصة 5 مؤسسات عمومية مغالطة وقراءة خاطئة، مؤكدا على أن الأمر يتعلق فقط بمتابعة نجاعة وأداء هذه المؤسسات، وهو إجراء اعتبره المتحدث جيداً لحسن متابعة النسيج الاقتصادي العمومي.
وتمكنت تونس في الأشهر الأخيرة من تعبئة موارد مالية تناهز ملياري دولار منها تعهد الدوحة الذي أعلن عنه أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بمناسبة منتدى الاستثمار 2020 المقدربـ 1.2 مليار دولار إلى جانب 300 مليون دولار من البنك الدولي و370 مليار دولار بعنوان القسط الثاني من القرض الممدد لصندوق النقد الدولي.
وفتح الإفراج عن القسط الثاني لصندوق النقد الدولي الباب لتمويلات أخرى من البنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار، الذي بلغت تمويلاته لأول مرة في تاريخه ملياري دينار أي نحو 830 مليون دولار.
وحسب الإحصائيات الرسمية، ارتفع حجم الدين الخارجي لتونس ليصل إلى 65 مليار دينار (28.7 مليار دولار) في 2016. وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، قد أعلن أن نسبة التداين الخارجي ارتفعت بنحو 62% منذ اندلاع ثورة 2011 حتى 2016.
العربي الجديد