رافق سقوط مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار -أكبر محافظات العراق-، تحت سيطرة تنظيم الدولة الأحد الماضي، كثير من الأسئلة حول كيفية تعامل الحرب ضد التنظيم مع هذه المعضلة، وحول الحاجة لأخذ طريق آخر من الإجراءات.
التكلفة الإنسانية كانت كبيرة. أكثر من 500 شخص، بما في ذلك المقاتلون والمدنيون، قتل في معركة الثلاثة أيام. بحسب المنظمة الدولة للهجرة، فإن 400 ألف شخص أجبروا على الهرب من منازلهم، لا زال بعضهم ينتظر السماح بدخول بغداد، التي تبعد 100 كم شرق المدينة.
بخصوص ذلك، قالت منسق الأمم المتحدة ليسا جراندي إن “آلافًا من الأشخاص اضطروا أن يناموا في العراء؛ لأنهم لا يملكون مكانًا يبيتون فيه”.
المحافظة الغربية، التي يهيمن عليها العراقيون السنة، شهدت تقدمًا ثابتًا لتنظيم الدولة نحوها. خلال العام والنصف الماضيين، استطاع التنظيم، الذي يملك موطئ قدم كبير في الأنبار، احتلال عدد من البلدات على الحدود السورية العراقية، قبل أن يتوغل أكثر نحو الرمادي. بينما تحرك المسلحون نحو الغرب، فإن مدن راوة وعانة وحديثة سقطت بيد التنظيم.
رئيس الوزراء السابق نوري المالكي فشل في التعامل مع هذا التقدم، مع إظهار المسؤولين العراقيين لمخاوفهم بشكل متكرر حول القوات الأمنية قليلي التسليح والتنظيم التي كانت في واحدة من أكثر مناطق العراق اضطرابًا. بينما اضطر المالكي للتنحي العام الماضي مع إعلان التحالف الذي تقوده أمريكا الحرب ضد تنظيم الدولة، فإن ناقدين يقولون إن هذا القليل كان لا بد منه لتجنب سقوط الرمادي.
خالد العلواني، عضو الكتلة السنية “متحدون” والحزب العراقي الإسلامي، عبر عن غضبه من الاستجابة البطيئة للحكومة العراقية وعدم قدرتها على إبعاد تنظيم الدولة، قائلًا: “كيف نستطيع تفسير فشل الحكومة بتجاهل نداءاتنا لشهور وشهور بخصوص خطر تنظيم الدولة على المحافظة؟ لماذا قد تعطينا الحكومة أسلحة خفيفة لا تتوافق مع الأسلحة التي يمتلكها التنظيم؟”.
استطاعت الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده أمريكا إبعاد التنظيم لمدة قصيرة، لكن التنظيم استطاع أخيرًا دخول المدينة باستخدام عاصفة رملية كغطاء من الضربات الجوية. الوقت الذي انقشعت به العاصفة كان متأخرًا جدًا، بينما كان تنظيم الدولة والقوات الأمنية العراقية كانا قريبين جدًا من بعضهما لتكون ضربات التحالف مؤثرة.
الأحد، انسحبت القوات الأمنية العراقية من قواعدها في الرمادي، تبع ذلك ارتباك بخصوص الأوامر من القيادة المركزية وأنباء غير واضحة حول إرسال تعزيزات من عدمها.
فشل الحكومة بالدفاع عن الرمادي
قال العلواني إنه خلال العام والنصف الماضيين، بينما كانت المدن تتساقط تباعًا بيد التنظيم، كانت الحكومة تتجاهل المناشدات لتأمين دفاعات الرمادي. برنامج الحكومة العراقية، بموافقة الولايات المتحدة، كان تسليح رجال العشائر السنة ومسلحي الجيش العراقي في المدينة، كدليل على أن القوات السنية والشيعية يمكنها العمل معًا؛ إلا أن العلواني قال إن البرنامج كان فاترًا جدًا.
وأضاف العلواني: “كل قادة القوى الأمنية المختلفة مثل رئيس الشرطة ورئيس وحدات العمليات اختيروا بناء على قرارات مركزية من بغداد”، مذكّرًا بأن الحكومة تجاهلت طلب إدارة المحافظة بأن كل القوات الأمنية يجب اختيارها من المحافظة، قائلًا إنه “من الصحيح أن بعضهم من الأنبار، لكن هذا لا يعني أنهم يملكون القدرة أو الخبرة لإدارة معركة”.
وتابع: “رئيس وحدات العمليات ورئيس الشرطة كانا ضعيفين وغير أكفاء ولم يستطعا إنقاذ الرمادي، فكيف نتوقع منهما حماية مدن أخرى في الأنبار؟ لكن الحكومة فضلت هذه الاستراتيجية بدل تسليح رجال العشائر السنة بشكل مناسب”، مضيفًا أن الحكومة فشلت بتكييف استعدادات رجال العشائر في الحرب ضد تنظيم الدولة.
سجاد جياد، محلل عراقي في بغداد، قال إن سيطرة تنظيم الدولة على الرمادي كان متوقعًا، بالرغم من الغطاء الناري والدعم من التحالف الدولي، قائلًا: “سقوط الرمادي كان متوقعًا. القوات الأمنية كانت بالكاد مسلحة، وفقدت التنسيق أو الخبرة”، مشيرًا إلى أن “المدينة الآن أشبه بمدينة أشباح”.
الميليشيات الشيعية تتقدم
فشل خليفة المالكي، حيدر العبادي، بتنظيم قوة يقودها السنة لحماية المدينة عزز الخذلان الذي شعر به بعض السنة في البلاد، الذين قالوا إنهم شعروا بأنهم همشوا من المنطقة السياسية المركزية.
العبادي أعطى الآن الضوء الأخضر للقوات الشيعية المسلحة، المعروفة بميليشيات الحشد الشعبي، لاستعادة المدينة. ما يقارب 3000 جندي مستعدون الآن في قاعدة الحبانية العسكرية، على بعد 20 كم شرق الرمادي. وليس من المتوقع، على أي حال، أن يجدوا أنفسهم محل ترحيب هناك.
قال العلواني: “نحن لم نطلب مساعدة وحدات الحشد الشعبي. لن يستطيعوا حل المشكلة في المحافظة أو في المحافظات الأخرى. لكنني أتوقع أن تنظيم الدولة سيخرج من الرمادي، وستظهر ميليشيات الحشد الشعبي بصورة سوبرمان، على أنهم المخلصون والمنتصرون”.
وبينما قد يكون هناك تبعات سيئة لسقوط الرمادي، فإن جياد يعتقد أن تقدم الميليشيات على الأقل سيوقف تنظيم الدولة ويمنعها من التقدم أكثر نحو بغداد. الناتج سيكون مشابهًا لتكريت، التي استعيدت من التنظيم بعد معارك مع الميليشيات في آذار/ مارس، بحسب قوله.
وأضاف: “ليس هناك مخاوف من تقدم تنظيم الدولة نحو بغداد. أتوقع أن الرمادي ستأخذ نفس شكل تكريت، حيث ستعمل القوى المختلفة ضد تنظيم الدولة”.
قدرة هذه القوى المختلفة على التوحد لتأمين شيء من الاستقرار المستمر هو قضية أخرى تمامًا.
بحسب الحلواني، فإن وحدات الحشد الشعبي أقوى “بمئات المرات” من الجيش العراقي، قائلًا إن “الكثير من القادة العسكريين يعلمون أنهم لا يملكون الأسلحة التي تملكها هذه الوحدات -المدعومة من خبراء واستشاريين إيرانيين”، بحسب قوله.
لكن، القضية أكثر من الأسلحة. يقول الناقدون إن الأمر شبيه بالموصل، التي سيطر عليها التنظيم العام الماضي؛ حيث كان الجيش جزءًا أساسيًا من المشكلة عندما أعطى القادة الفاسدون الأسلحة الأمريكية وأسرار الجيش لتنظيم الدولة مقابل سداد دين كبير.
حيدر الخوي، الباحث بمعهد تشاثام هاوس، يقول إن الفساد المنتشر في الجيش العراقي عمل على تعزيز سلطة وحدات الحشد الشعبي أكثر؛ إذ إن “الحقيقة أننا الآن نسمع تقارير بأن الرمادي سقطت بظروف مشابهة جدًا للموصل؛ بسبب ضباط فاسدين بالجيش، هو ما يعزز الثقة بوحدات الحشد الشعبي وفعاليتهم”.
وأضاف: “الناس لا تريد أن ترسل أبناءها للموت لضباط فاسدين سيبيعونهم لتنظيم الدولة. حتى اللغة الأمريكية حول سيطرة تنظيم الدولة مثيرة للاهتمام. في تكريت قبل بضعة شهور كانوا يقولون إنهم لن يشاركوا إذا تدخلت وحدات الحشد الشعبي، لكنهم الآن يقولون إنهم سيقبلون مشاركة الوحدات بشرط أن تكون تحت قيادة الجيش العراقي. وهذا ما سيسعى العبادي لفعله”.
معارك انتقام دامية
بعد الأنباء الفظيعة حول الإجراءات التي اتخذتها وحدات الحشد الشعبي في تكريت -التي تضمنت حرق منازل لعائلات سنية وإعدامات- فهناك مخاوف من تكرار الأمر بعد استعادة الرمادي من تنظيم الدولة، في نفس الحلقة السيئة من الانتقام.
إذًا، فليس من المفاجئ انقسام العشائر السنية في الرمادي حول دعم أو معارضة تنظيم الدولة -انقسام يعقد الظروف الديناميات الصعبة، وقد ينعكس بشكل سيئ على الرمادي.
يعتقد الخوي أن الرمادي مقدر لها أن تهاجم من كل الجهات الآن، قائلًا: “أظن أننا سنرى أمورًا أسوأ بكثير في الرمادي، لكن هذا ليس بالضرورة بسبب وحدات الحشد الشعبي”، مضيفًا: “بعكس تكريت، الرمادي منقسمة بشكل حاد، ما بين رجال من نفس العشيرة يقاتلون مع أو ضد تنظيم الدولة”.
وتابع: “إذا استعادت العشائر التي تعادي تنظيم الدولة المدينة، فإن ثأرهم من التنظيم سيكون داميًا”، مضيفًا: “من الناحية الأخرى، كلما استمرت سيطرة التنظيم على المدينة، سنرى إعدامات ميدانية لرجال من العشائر التي عادت التنظيم”.
لا جنود على الأرض
أي تطورات صغيرة في العنف تهدد كذلك بتقويض سياسة التحالف الدولي من الضربات الجوية، وتعيدها إلى الأنظار مجددًا. هناك أسئلة تطرح من الآن حول الحاجة لجنود على الأرض لطرد التنظيم، خصوصًا أن التنظيم أظهر مرارًا قدرته على تحمل الأسوأ من الضربات بالاختباء تحت الأرض أو في المناطق المدنية.
وبينما كانت هناك بعض الأصوات للجمهوريين لصالح بعض الهجمات مزدوجة المحاور، فإن الخوي يقول إن الولايات المتحدة “لا تملك القدرة لحرب برية أخرى في العراق”، مضيفًا: “هناك توازن دقيق جدًا بين الولايات المتحدة وإيران عندما يتعلق الأمر لقتال تنظيم الدولة في العراق. الإيرانيون سعداء بالتدريب والدعم الأمريكي للميليشيات العراقية، وفي تأمين غطاء الضربات الجوية، كما حصل في ضربة تكريت، لكنهم لن يتسامحوا مع جنود على الأرض”.
بدلًا من ذلك، قال الناطق الرسمي باسم أمريكا في مجلس الأمن أليساتير باسكي، لوكالة فرانس برس، إن أمريكا كانت تتطلع بكيفية تقديم الدعم الأنسب للقوات المحلية المقاتلة في الأنبار “بما في ذلك تدريب ودعم بعض العشائر المحلية لدعم عملية تقودها العراق لاستعادة الرمادي”.
بالنسبة للعلواني، هذه حالة متأخرة جدًا. بحسب السياسي السني، فإن الولايات المتحدة تتدخل فقط لمصلحتها، ولم تفعل ما يكفي لمنع سقوط الرمادي، قائلًا: “إنهم يتركوننا ننزف ثم يتدخلون. إنهم يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية لتركنا فريسة لإيران والميليشيات الشيعية التي تدعو نفسها وحدات الحشد الشعبي”.
التقرير