في الرابع من تموز/يوليو الجاري، أقدمت القوات البحرية الملكية البريطانية بالاستحواذ على ناقلة النفط العملاقة “غرايس 1” التي تحمل العلم البانمي لاشتباهها بنقل حمولة مثقلة بالنفط الخام من إيران إلى مصفاة بانياس السورية، متحديةً العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على نظام بشار الأسد، واستعانت البحرية بطائرة هليكوبتر للصعود على متن السفينة البالغ طولها 330 متراً، وزنتها نحو 300 ألف طن في منتصف الليل، ويكشف الرد الإيراني، عن الكثير من خيارات الرد المتاحة لطهران ضد المصالح الغربية – والقيود التي تحدّها.
في المقابل، ردّت طهران بغضب على عملية الاحتجاز، حيث هدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني وغيره من المسؤولين العسكريين والمدنيين بالرد بالمثل في مضيق هرمز، ما لم يتم تحرير الناقلة على الفور، حتى أن البعض دعا إلى منع السفن البريطانية من عبور المضيق كلياً، في حين طرح البرلمان الإيراني مشروع قرار قد يؤدي إلى “فرض” رسوم عبور على السفن التابعة لدولٍ معيّنة – وهو إجراء تمييزي وغير قانوني.
وفي الثامن من الشهر ذاته، وصف وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي عملية الاحتجاز بالقرصنة، وفي اليوم التالي، توعّد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة اللواء محمد باقري، بالانتقام في المكان والزمان المناسبين، وبما ينسجم مع العملية “المباشرة والشفافة والجريئة” التي أسقطت الطائرة الأمريكية بدون طيار في 20 حزيران/يونيو الماضي، مردّداً استراتيجية المرشد الأعلى علي خامنئي، التي “ترفض المفاوضات وترفض الحرب”، ووصفها بـ”المقاومة الفاعلة”، موحياً بأنه قد تم توجيه القوات المسلحة الإيرانية لإظهار قوتها الرادعة بشكل لا لبس فيه، أما المناصر الآخر للمقاومة المفتوحة الجنرال حسين سلامي، فينادي بالفكرة منذ سنوات، وهو اليوم في منصب يسمح له بتنفيذها كرئيس لـ«الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، إذ أعلن في الـ18 من حزيران/يونيو الماضي، أن النصر أقرب من أي وقتٍ مضى لأن العدو متعب ومتردد.
وفي يوم الـ20 من تموز/يوليو الحالي أيضاً، أعلن الحرس الثوري الإيراني احتجاز ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” ، مما شكل تصعيدا مباشرا مع لندن، وقد عبر وزير خارجية بريطانيا عن موقف دولته من هذا الاحتجاز بالقول: إنه ستكون هناك عواقب إذا لم تفرج إيران عن ناقلتين احتجزتا في مضيق هرمز، ولكنه أكد أن بلاده لا تفكر في عمل عسكري ضد إيران، وأضاف: إن سفير لندن في طهران على اتصال بالخارجية الايرانية لإيجاد حل للأزمة، وان بلاده تتعاون عن كثب مع الشركاء الدوليين، كما أكد أن اجتماعا وزاريا طارئا سيبحث الخطوات المقبلة.
وبعدها بيومين، وتحديداً في يوم الـ22 من نفس الشهر، دعت بريطانيا لتشكيل قوة أمنية بحرية بقيادة أوروبية لتأمين حركة الملاحة في مضيق هرمز، بعد أيام من احتجاز إيران للناقلة ” ستينا إمبيرو ” التي ترفع العلم البريطاني، فيما وصفته لندن بأنها “قرصنة دولة”.
وأبلغ وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، البرلمان بالخطط التي توصلت إليها لجنة حكومية طارئة، ناقشت رد لندن المزمع على احتجاز قوات خاصة إيرانية الناقلة ستينا أمبيرو، وقال –أي هانت- أمام البرلمان ما نصه “بموجب القانون الدولي، لم يكن يحق لإيران تعطيل مسار السفينة، ناهيك عن الصعود إلى متنها، ومن ثم فهذه قرصنة دولة”.
وأضاف هانت: “سنسعى الآن لتشكيل قوة أمنية بحرية بقيادة أوروبية لدعم المرور الآمن للطواقم والحمولات في هذه المنطقة الحيوية”، وأضاف: إن القوة الجديدة “لن تكون جزءا من سياسة الولايات المتحدة للضغط بأقصى قوة على إيران، لأننا لا نزال ملتزمين بالحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني”.
وبدأت مساعي بريطانيا لتشكيل قوة عسكرية لحماية الملاحة في مياه مضيق هرمز، تأخذ شكلا ملموسا بعدما قال دبلوماسيون كبار إن فرنسا وإيطاليا وهولندا وربما ألمانيا أيضا، ترغب في دعم مهمة ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز.
وأضاف الدبلوماسيون، أن بريطانيا اقترحت الفكرة على دبلوماسيين كبار بالاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في بروكسل، قائلة إنها لن تشمل الاتحاد أو حلف شمال الأطلسي أو الولايات المتحدة بشكل مباشر.
وأبدت إسبانيا والسويد وبولندا وألمانيا اهتماما أيضا بالقيام بدور في ذات الشأن، إذ قال أحد المبعوثين، إن مهمة حماية ممرات شحن النفط الحيوية في الشرق الأوسط ربما تديرها قيادة فرنسية – بريطانية مشتركة.
وترى التحليلات السياسية الغربية، أن ردع التصعيد الإيراني يستوجب قيام مختلف الأطراف المعنية بنشر قوةً بحرية صلبة ومتعددة الجنسيات في المنطقة، وتمكينها من التدخل للدفاع عن حرية الملاحة في الممرات المائية الاستراتيجية في المنطقة.
ولا بد لهذه التدابير الوقائية أن تشمل تعزيز الدفاعات بوجه الصواريخ الجوالة والباليستية، وتقوية البنية التحتية الأساسية ضد الهجمات السيبرانية الإيرانية.
وهنا يجب على المسؤولين أيضاً حثّ إيران على اتخاذ خطوات ملموسة (بما في ذلك تشريعية) نحو الاعتراف بمضيق هرمز كمضيق دولي.
وربما الأهم من ذلك، ينبغي جعل القادة الإيرانيين يفهمون أن تبنّي مواقفٍ عدوانية في هذه الممرات المائية الحيوية، من شأنها أن تلحق أضراراً جسيمة باقتصادهم ومصالحهم الوطنية، كما حدث في أواخر الثمانينيات، حين ساهمت الهجمات ضد السفن غير العدوانية في تدويل الصراع مع العراق، وبينما يحاول «الحرس الثوري» تصوير هذه الأعمال التاريخية على أنها ضرورية لتحقيق نجاح استراتيجي، تستعد الدول الغربية بشكل مفهوم لمزيد من الهجمات على الناقلات مع إمكانية تكبّد أضرار أكبر.
ومع ذلك، كانت تلك الأعمال الماضية في الواقع مكلّفة للغاية، في الوقت الذي كانت فيه المصالح الوطنية الإيرانية الأكثر أهمية على المحك، وهذا بلا شك هو الحال اليوم مجدداً.
ما يحدث في الخليج العربي من تطورات سياسية وعسكرية قد تنعكس على العراق بشكل إيجابي أو سلبي، ومن أجل تجنب التطورات السلبية من احتجاز ناقلة النفط البريطانية، كشف رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدى، عن وساطة يقوم بها العراق، وذلك لوقف التصعيد الراهن بين إيران وبريطانيا على خلفية احتجاز الدولتين سفينة لكلٍ منهما، وقال عادل عبد المهدي، إنه تلقى اتصالا من وزيرة الدفاع البريطانية للتشاور حول التصعيد الأخير بين بلادها وإيران، مشيرا إلى توجهه لطهران بعد المكالمة الهاتفية مع الوزيرة البريطانية، لطرح رؤية بغداد للتوصل لحل بشأن الأزمة.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق، وفي حال تطور الأزمة، وأخذها أبعادًا جديدة بين طهران ولندن: فما هو موقف العراق من الحماية الدولية- الأوروبية للملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز؟ هل سيشارك في تلك الحماية؟ أم أنه سيقف إلى جانب إيران؟ يبدو أن الحيرة السياسة هي قدر العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية