وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني، “ليو خه” في البيت الأبيض، الأربعاء، المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الجانبين. وقال ترامب في مؤتمر صحافي جمعه بـ”ليو خه”، قبيل التوقيع، إن بلاده سترفع كل الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، حال توقيع الأخيرة على المرحلة الثانية من الاتفاق التجاري.
إلا أن الشكوك حجبت التفاؤل عن المستثمرين، خاصة مع عدم توضيح آليات تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق، ما دفع عدداً من المحللين إلى اعتباره “هشاً” وسهل الخرق.
وأوردت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية في تقرير نُشر الخميس، أن السوق الأميركية تشكك بتعهد الصين شراء ما يقرب من 94 مليار دولار من السلع الأميركية الإضافية كجزء من صفقة تجارية للمرحلة الأولى. إذ انخفضت أسهم معظم المواد الخام التي تشكل جزءاً من الاتفاقية، خاصة فول الصويا والقطن والذرة التي استمرت في التراجع.
وقال التجار إن هناك حاجة إلى أدلة على زيادة الشحنات لتحقيق مكاسب في السوق، وسط تساؤلات عن تأثير الرسوم المفروضة على الصادرات الأميركية إلى الصين. ولفتوا إلى أن التشاؤم يتناقض مع تعليقات ترامب التي تطمئن منتجي الطاقة والمزارعين الأميركيين.
وفيما وعدت الصين بشراء كل شيء من البذور الزيتية إلى الحبوب إلى الغاز الطبيعي الخام والمسال، فإنها لم تحدد المبلغ الذي ستستورده من كل منتج. وقال كين موريسون، تاجر السلع في سانت لويس، “إن توقيع الصفقة هو الجزء السهل. لم أسمع حجة قوية بعد عن كيفية تنفيذ الصين لهذه الصفقة”.
وتعهدت الصين بشراء ما مجموعه 94.4 مليار دولار من السلع الزراعية والنفطية الأميركية، بينها 32 مليار دولار من المنتجات الزراعية الإضافية على مدار العامين المقبلين، فيما قالت إنها “ستسعى” أيضاً إلى شراء 10 مليارات دولار أخرى. ويتضمن التعهد شراء البذور الزيتية واللحوم والحبوب والإيثانول والقطن. ووعدت بمبلغ 52.4 مليار دولار في عمليات شراء أخرى للطاقة الأميركية مثل الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام والفحم خلال عامي 2020 و2021.
ومع ذلك، فإن ما يسمى صفقة المرحلة الأولى لم تحدد ما إذا كانت الدولة الآسيوية سترفع الرسوم الانتقامية التي تفرضها على البضائع الأميركية مثل النفط وفول الصويا والغاز الطبيعي المسال.
وقال جافين طومسون، رئيس تحليل الطاقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة “وود ماكينزي”: “لنكن واضحين، الاستيراد بقيمة 52.4 مليار دولار على مدى عامين يمثل الكثير من مشتريات الطاقة”. وتابع: “بالنسبة إلى الصين، زيادة وارداتها من النفط والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة بشكل كبير، في الوقت الذي تظل فيه التعريفات بالنسب ذاتها، تُعتبر تحدياً وأمراً صعباً”.
وقال الاتحاد الوطني للمزارعين، الذي يمثل ما يقرب من 200 ألف مزارع أميركي، في بيان: “من دون مزيد من التفاصيل الملموسة، نشعر بقلق عميق من أن كل هذا الألم قد لا يستحق كل هذا العناء، نظراً للصفقات العديدة التي جرى التوصل إليها ومن ثم خرقها في العامين الماضيين. إننا نشك في تطبيق هذا الاتفاق”.
من جهة أخرى، تلزم الصفقة الصين ببذل المزيد من الجهد للقضاء على قرصنة التكنولوجيا الأميركية وأسرار الشركات، مع محاولة لمعالجة اختلال التوازن التجاري مع الولايات المتحدة برفع حجم الواردات إلى 200 مليار دولار. وتلزم بكين بتجنب التلاعب بالعملة، مع اعتماد آليات تنسيق بين البلدين تضمن الوفاء بالوعود.
وأدت المحادثات التي امتازت بالحدة وامتدت إلى ما يقرب من ثلاث سنوات إلى إزعاج الأسواق المالية، وألقت سحابة من عدم اليقين بشأن قرارات الاستثمار وأضرت بالنمو في كلا البلدين.
ويبدو أن الصفقة، التي أبرمت في ذات اليوم الذي صوت فيه مجلس النواب الأميركي لإحالة طلب عزل ترامب على مجلس الشيوخ، تركز أكثر على التوصل إلى السلام في الحرب التجارية. ومن بين متطلباتها استئناف الحوارات الاقتصادية التي أجرتها الإدارات السابقة مع الصين.
لكن هذا الجانب من الاتفاق تعرّض أيضاً لانتقادات واسعة، لكونه لا يفعل شيئاً لمعالجة اختراق الصين للشركات والمؤسسات الحكومية الأميركية. كذلك فإنه لا يطلب من القوة الآسيوية إصلاح الشبكة الواسعة من الإعانات الحكومية التي تشكل العمود الفقري لنموذج رأسمالية الدولة وساعدت في دفع النمو السريع للشركات الصينية على المستوى الدولي.
تقول الإدارة الأميركية إن العديد من هذه القضايا ستجري تغطيتها في المرحلة الثانية من الصفقة، على الرغم من أن موعد بدء تلك المحادثات والمدة التي ستستغرقها غير مؤكدة.
في غضون ذلك، ستستعد الولايات المتحدة أيضاً لفرض التعريفات الجمركية على نحو ثلثي الواردات من الصين، وهو أمر قال ترامب يوم الأربعاء إنه ضروري كأداة للضغط على الصين حتى توافق على إجراء المزيد من الإصلاحات. وشرح ترامب: “سأوافق على إلغاء هذه التعريفات إذا كنا قادرين على القيام بالمرحلة الثانية، وإلا فلن يكون لدينا أي بطاقات للتفاوض مع الصين”.
وصرّح كبير المفاوضين، الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتيزر، للصحافيين قبل التوقيع، بأن الإدارة تركز على تنفيذ الاتفاقية الأولية في المدى القصير. وقال إن أي مفاوضات أخرى لن تأتي إلا بعد ذلك، مضيفاً أن التنفيذ الأولي للمرحلة الأولى قد يستغرق حتى الربيع المقبل.
ودفع الافتقار إلى الوضوح بشأن استكمال الاتفاقية لاحقاً، الكثيرين إلى المطالبة بمتابعة تلك الإجراءات بشكل أكثر إلحاحاً حتى يمكن إلغاء التعريفات. وقالت غرفة التجارة الأميركية إنّ من الأهمية بمكان أن يبدأ الجانبان مفاوضات بشأن المرحلة الثانية “في أقرب وقت ممكن”.
لكن صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية أكدت نقلاً عن مصادرها، أن محادثات المرحلة 2 في اتفاق التجارة بين واشنطن وبكين قد لا تبدأ في أي وقت قريب. ونقلت الصحيفة، التي تصدرها صحيفة الشعب اليومية الرسمية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، عن مصدر مقرب من وزارة التجارة الصينية لم تسمه أيضاً القول بأن الرسوم الجمركية الأميركية الحالية على بضائع صينية لن تُرفع في الأجل القصير.
وتتضمن تفاصيل المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري، موافقة الصين على زيادة قيمة وارداتها من السلع الأميركية بواقع 76.7 مليار دولار في العام الأول من اتفاق المرحلة الأولى.
وترتفع قيمة مشتريات الصين في العام الثاني من المرحلة الأولى بواقع 123.3 مليار دولار، لتبلغ الزيادة الإجمالية في قيمة الواردات 200 مليار دولار، تضاف إلى الرقم الأساسي من الواردات الصينية للسلع الأميركية. وكانت قيمة الواردات الصينية من السلع الأميركية، قد بلغت في 2019 نحو 123 مليار دولار، بينما بلغت في 2017، قبيل الحرب التجارية بينهما 187 مليار دولار.
وتتضمن الزيادة في قيمة الواردات، شراء الصين سلعاً أميركية مصنعة، إضافة إلى واردات أخرى في قطاع الطاقة الأميركية، وواردات في قطاع الخدمات، بحسب اتفاق المرحلة الأولى.
كذا، تتضمن المرحلة الأولى خفض الولايات المتحدة نسب الرسوم الجمركية، التي فرضت في سبتمبر/ أيلول الماضي، وإلغاء ضرائب الاستيراد الإضافية مستقبلاً. ويعني ذلك أن الولايات المتحدة ستُبقي ضرائب ورسوماً على 65% من قيمة وارداتها من الصين، بينما ستبقي الصين على ما نسبته 57% من قيمة وارداتها الأميركية.
كذلك، لن تجبر الصين الشركات الأميركية العاملة على أراضيها، على تسليم التكنولوجيا الخاصة بها، كأحد شروط العمل، وتعهدت بكين بعدم التلاعب في عملتها لتعزيز تنافسية صادراتها.
ومنذ يونيو/ حزيران 2018، بدأت الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين عالميين، وشهدت تذبذبات بين تفاؤل تصاعد حدة التوترات، ما خلفت آثاراً سلبية على مؤشرات النمو للاقتصاد العالمي.
العربي الجديد