مقاربة جديدة للسياسة العراقية

مقاربة جديدة للسياسة العراقية

1438168652_content_thumb

من بين أسرار عظمة الولايات المتحدة هو استعدادها الدائم للاستماع إلى أفكار أصحاب الرؤى. ولطالما آمن الأميركيون بأن كسر الوضع الراهن واعتماد مقاربات جديدة لحل المشاكل يسمحان بالتوصل إلى حلول ناجعة. إن تجربة الأفكار غير التقليدية، من دون الانحراف عن الهدف الأساسي، هي سمة لطالما ميزت الولايات المتحدة كثيراً عن الثقافات الأقدم والأكثر تصلباً، وهي السر لنجاح الولايات المتحدة.

قد يكون الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد استمد الإلهام من هذا الحب الأمريكي للتغيير في توقيعه اتفاقاً نووياً مع بلد كان الرؤساء السابقون يعتبرونه مركز “محور الشر”، رغم أن هذه التغيرات أثارت الكثير من الانتقادات. إن التاريخ وحده سيحدد ما إذا كانت مراهنة الرئيس أوباما الهائلة على إيران ستفضي إلى النتائج المرجوّة.

على أي حال، يثبت الاتفاق مع إيران أن الحكومة الأمريكية مستعدة لتجربة مسارات جديدة في الشرق الأوسط، وأود أنا أن أقترح مبادرة غير تقليدية للقضاء على التهديد الذي يشكله تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، على الأقل بالنسبة للعراق. ولا تتعارض مقاربتي بالضرورة مع قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة، كما لا تتعلق إطلاقاً بالمعادلة النووية. وبدلاً من ذلك، يتعلق اقتراحي للقيادة الأمريكية بالفعل، بالطموحات الإيرانية خارج إطار الملف النووي وآثارها على العراق.

إن نجاح تنظيم “داعش” ينبع جزئياً من إعلانه عن قدرته على حماية السنة في العراق من “سخط” الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران، وهو إعلان فيه شيء من الصحة. فالتطهير العرقي العنيف في محافظة ديالى والتدمير العشوائي في المدن “المحررة”، مثل بلد والدوار وتكريت، يشهدان على وحشية “قوات الحشد الشعبي”، وهي ميليشيات شيعية داعمة بشدة لإيران ومدربة على يد “فيلق القدس” الإيراني و”حزب الله”. لقد أحرقت هذه “القوات” المنازل ونهبت الممتلكات بينما كانت تعمل على طرد تنظيم “داعش”، في الوقت الذي كان سلاح الجو الأمريكي يساعدهم [في عملياتهم]. أهو تحرير، حقاً؟ لا أحد يشعر بالشغف تجاه تنظيم “داعش”، ولكن كيف يمكن لنا اعتبار المدن السنية محررة إذا كان انسحاب “داعش” منها يعرضها لسياسة الأرض المحروقة التي تتبعها الميليشيات الداعمة لإيران؟ ونظراً إلى هذه المقاربة المعادية للسنة بشكل فاضح التي يتبعها المسلحون المتشددون المدعومون من إيران، فليس من المفاجئ أن يتمكن تنظيم “داعش” من حشد السنة اليائسين وأن تسقط مدينة الرمادي بهذه السرعة بعد ذلك.

منذ عام 2003، لم يعُد التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط متوازناً. إن طموحات إيران في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط هي حقيقة تاريخية يعرفها جميع المحللين السياسيين. فمؤخراً، بعد أن أطاح الأمريكيون بالنظام العراقي السني الذي كان يدعمه الكثير من الشيعة في عام 2003، استغلت إيران الفرصة للتحرك من خلال وسطاء مثل أحمد الچلبي بهدف إقناع الإدارة الأمريكية بدعم أحزابها الشيعية الطائفية للوصول إلى الحكم في العراق. وقد أشادت واشنطن بسذاجة بـ “الديمقراطية” الجديدة في العراق، ولكن الوصف الأفضل هو أنها حكومة من الديماغوجيين. وقد كان حلّ الجيش العراقي وقرار الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق في النهاية كانا خطأين جوهريين نثرا الملح على الجروح العراقية من خلال إضفاء الطابع المؤسسي وترسيخ الطائفية الشيعية.

وبالرغم من كل التجارب الفاشلة، تكمن المفارقة في أن السياسة الحالية للإدارة الأمريكية تستمر في محاربة “داعش” في العراق بتعاون هذه الإدارة مع حكومة شيعية طائفية بشكل فاضح، تهيمن عليها إيران وتستمر في جهودها لتهميش السنة. ويشكل السنة العراقيين من غير الأكراد أقلية في عدد السكان، ولكنهم ذوي أهمية كبيرة حيث يعيشون أساساً في منطقة حيوية من الناحية الاستراتيجية. ولهذا السبب، من غير المنطقي أن نتوقع هزيمة “داعش”، الذي نشأ مباشرة نتيجة السياسات الطائفية الداعمة للشيعة وغير المقيدة في العراق، عبر التشجيع على المزيد من الطائفية من خلال دعم وتسليح حكومة طائفية بالكامل في بغداد.

وبالتالي، فقد اقترحتُ طريقاً بديلاً عبر منظمة “جبهة الخلاص الوطني” التي أسستها في العراق في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، بلغ عدد أعضاء المنظمة مليون شخص، ويزداد هذا العدد بالآلاف يومياً. وتمتلك “جبهة الخلاص الوطني” علاقات مع آلاف الضباط في الجيش العراقي القديم ومع زعماء القبائل وزعماء القبائل والقادة السابقين وغيرهم الكثير من الشخصيات السنية المرموقة، وجميع هؤلاء مستعدون لمساعدة “الجبهة” في تحقيق أهدافها. ولقد أسسنا هذه المنظمة بهدف إيجاد حل للمشكلة الطائفية في العراق.

إن “جبهة الخلاص الوطني” اليوم هي مجموعة منظمة جاهزة للعمل. فهي تملك مكاتب كثيرة في العراق، ومقرها الأساسي في إربيل. ويرعى مكتب “الجبهة” السياسي مكتباً للشباب، ومكتباً عسكرياً، ورابطة نسائية، ومكتباً إنسانياً، وقسماً إعلامياً. ويعمل كل قسم بشكل مستقل ويتبع سياسات يحددها الأمين العالم لـ “الجبهة” مع مكتبها السياسي المؤلف من 35 شخصية مرموقة وزعماء قبائل ورؤساء سابقين لمؤسسات تم حل الكثير منها أو أعيدت هيكلتها منذ عام 2003. كذلك، أقامت “الجبهة” علاقات متينة مع “حكومة إقليم كردستان” ومع “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، كما أن علاقتها مع الأردن جديرة بالملاحظة، وهي تحاور المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر وتركيا. وتريد “الجبهة” كثيراً إقامة علاقة متنية مع واشنطن، ومن الواضح أنها عازمة على النشاط والتعاطي، وتؤمن بالأعمال لا بالأقوال.

وتكمن الخطوة الأولى بالطبع في القضاء على تنظيم “داعش” وأساليبه الرجعية السامة وغير الإنسانية، التي تقوم على أفكار متطرفة من القرن الخامس عشر. وتعتقد “جبهة الخلاص الوطني” أنه من الضروري إنشاء حكومة إقليمية سنية مؤقتة لمأسسة قوة مقاتلة يقودها ضباط متمرسون من الجيش العراقي القديم المفكك. وتمتلك “الجبهة” القدرة على القيام بمثل هذه الخطوة عبر “مكتب القيادة العسكرية” التابع لها، والذي يضم أكثر من ألف ضابط سابق في الجيش العراقي وآلاف المجندين. وتستعد “الجبهة” أيضاً لوضع هذه القوة تحت قيادة مشتركة مع الجيش الأمريكي، كإشارة واضحة إلى أن سنة العراق هم إلى جانب الولايات المتحدة، لا ضدها.

عندما يتم تأسيس الحكومة الإقليمية السنية، سوف تسعى “جبهة الخلاص الوطني” عبر تنظيمها العسكري الجديد إلى تحرير أراضي الحكومة الإقليمية (بدءاً من مدينة الموصل الرئيسية)، من تنظيم “داعش” من دون تدخل بغداد. ومن المهم التشديد هنا على أن معظم العراقيين السنة، نظراً إلى الأحداث الأخيرة، لا يثقون بحكومة حيدر العبادي ولن يتعاونوا مع الميليشات الشيعية التي تتحكم بها بغداد، ولن يتراجعوا عن هذا الموقف.

بعد تحقيق الانتصار العسكري، يجب عقد مؤتمر دولي لإقرار الحدود الدائمة بين أقاليم العراق الثلاثة. وفي حين أن بغداد يجب أن تبقى عاصمة العراق، يجب تصغير حجم العاصمة الفدرالية وضم المناطق ذات الغالبية الشيعية أو السنية إلى المحافظات المجاورة. إن الحكومة الإقليمية السنية هي أحد الأهداف المهمة التي تدعو إليها “جبهة الخلاص الوطني”، فمن دون فصل بين المناطق، فإن التوترات الطائفية ستجعل من الصعب السيطرة على العراق وقيادته. وفي حين يعتبر كثيرون أن الحكومة الإقليمية السنية سوف تؤدي إلى تقسيم العراق، إلا إنها في الواقع الطريقة الوحيدة للحفاظ على وحدته.

لذلك، فإن القضاء على “داعش” يمثل بالطبع خطوة لبلوغ الهدف الأساسي لـ “جبهة الخلاص الوطني”، ولكنه ليس هدفها النهائي. فهذا الهدف الأخير الذي يجب أن تدعمه واشنطن هو رسم خارطة طريق قابلة للتطبيق ترمي إلى تحقيق السلام والازدهار في المنطقة، لكي لا تنشأ “داعش” وتنظيمات جهادية مماثلة، مرة ثانية في المستقبل.

والهدف الأساسي الآخر الذي يساهم في تحقيق الهدف النهائي هو إنشاء منتدى اقتصادي لإعادة توزيع المياه في الشرق الأوسط، مما يعود بالفائدة على جميع الأطراف المشاركة. وإذا تم توزيع المياه الإقليمية، من ضمنها مياه نهري دجلة والفرات، بشكل فعال، يمكن زرع آلاف الهكتارات من الأراضي، لتوفير الغذاء وفرص العمل لشريحة أكبر بكثير مما تؤمّنه المشاريع الحالية المتوقعة. إن التعاون الاقتصادي الحقيقي بين جميع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، هو هدف يجب أن نسعى إلى تحقيقه، لا مجرد شعار يجري الحديث عنه في الغرف المغلقة. يمكن لإسرائيل أن تساهم في ازدهار الشرق الأوسط اقتصادياً وتكنولوجياً، خصوصاً في مناطق تشمل الأردن وشرق سوريا وغرب العراق، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تحدث فرقاً حقيقيا في حياة المواطنين هناك.

إن سياسة [الولايات المتحدة] الحالية، التي تتجاهل الشكاوى السنية وترفض التفكير بدور سني في القضاء على “داعش” لا تفيد سوى في زرع بذور الصراع الطويل الأمد في منطقة عانت ما يكفي من المآسي. إن “جبهة الخلاص الوطني” وأهدافها ليست حلماً، بل هي في الواقع الحل الوحيد. لقد حان الوقت للتفكير مجدداً بحلول مبتكرة.

إن المنظمة هي، في الواقع، الحل الوحيد للمشاكل العديدة التي تواجه العراق الطائفي. والآن، حان الوقت مرة أخرى لكسر الوضع الراهن والتفكير “خارج الصندوق”.

مضر شوكت

منتدى فكرة