القطب الشمالي..في صراع المتنافسين

القطب الشمالي..في صراع المتنافسين

untitled

يتزايد النزاع بين روسيا وكندا والنرويج والدنمارك والولايات المتحدة على القطب الشمالي، حيث تقع ما يقدر ب 30٪ من احتياطي النفط في العالم، حيث اصبح للمنطقة قيمة مضاعفة في السنوات الأخيرة، بعد ان شهدت أسرع معدلات الاحترار على الأرض، والتي يذوب فيها الجليد بسرعة لم يتوقعها العلماء، والذين قالوا منذ حوالي عقد بأن فصل الصيف في القطب الشمالي سيكون خاليا من الجليد بحلول العام 2070، ثم عدّلوا الرقم بعد سنوات إلى 2035، ليصبح أخيرا 2020، بعد أن فقد بحر القطب الشمالي أكثر من نصف مساحته في العقود الثلاثة الماضية، وثلاثة أرباع حجمه.تراجع بسرعة جعلت الجليد البحري في بحر الشمال الممر طريقا الشحن أكثر قابلية للاستمرار، ما يؤمن طريقا بحريا مختصرا للسفر بين أوروبا وآسيا بنسبة تصل إلى 40٪، وخفض تكاليف الوقود، وتحسين الكفاءة.

وبسبب هذه العوامل الاقتصادية، ازدادت حدة التدخلات العسكرية في منطقة القطب الشمالي منذ عام 2007، حين رفعت روسيا علمها في إحدى مناطق الدائرة القطبية، لتشعل جدلًا حول نطاق سيادة كل بلد من البلدان المطلة على البحر، ولتبدأ كل منها في تعزيز قوتها البحرية في تلك المنطقة، لا سيما على صعيد القطع البحرية التي تمتلك إمكانية إزاحة الثلوج.

وفي أواخر عام 2014، تزايد الوجود العسكري الروسي في منطقة القطب الشمالي اعقبها في مارس/آذار 2015 تدريبات عسكرية شارك بها أكثر من 45.000 فردا، لأداء ما مجموعه 4000 من التمارين المقررة لعام 2015. الامر الذي حمل المنافسين الاخرين على القيام بموجة من النشاطات العسكرية، منها التدريبات السنوية لعملية “نانوك” العسكرية في كندا. وكذلك المناورات المشتركة للفايكنغ النرويجي، والتي جرت في مارس/ آذار 2015، وهي الأكبر في تاريخ هذه القوة.

مع تزايد التدريبات العسكرية التي تقوم بها روسيا ومنافسيها القطبيين فان السؤال الذي يطرح هنا هو هل يمكن لهذه الدول ان تجد حلا وسطا بين المصالح المختلفة في هذا الجزء الثمين من العالم؟

روسيا تخشى تأثير زحف الناتو باتجاه القطب الشمال

بعد فترة طويلة من الركود الاجتماعي والاقتصادي، في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ديسمبر 2013 أن روسيا ستقوم بـ”استصلاح” الحدود الشمالية.

ومنذ ذلك الإعلان، بدأت روسيا بتأهيل البنية التحتية السوفيتية في منطقة القطب الشمالي، والتي تمتد من مورمانسك في شمال غرب البلاد على الحدود مع النرويج، إلى ماجادان في الشرق المطلة على المحيط الهادي. وتشمل هذه الأراضي قواعد في جزر سيبيريا الجديدة في البحر ابتيف، ومركز كبير للتعدين في فوركوتا وفرانز جوزيف أرخبيل في المحيط المتجمد الشمالي. فضلا عن تشكيل وحدات عسكرية دائمة جديدة، مثل القيادة الاستراتيجية المشتركة في القطب الشمالي في مدينة سيفيرومورسك على حدود روسيا الشمالية الغربية.

بالنسبة لروسيا، فان إحياء القواعد العسكرية التي كانت نشطة ابان سنوات الحرب الباردة، يعد فرصة لإعادة تأكيد هيمنتها عبر منطقة القطب الشمالي. وتأسيس وجود دائم وشامل لها هناك، حيث راهن الروس على المطالبة بأراضي في القطب الشمالي والمناطق المحيطة به في قاع البحر، والتي لا تعود ملكيتها لأي من الاطراف الاخرى.

ولعل هذا النشاط الروسي في الشمال يأتي ردا على “زحف” نفوذ الحلف الاطلسي في المنطقة. ففي مارس/آذار 2015، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن روسيا تواجه تهديدا متزايدا من حلف شمال الاطلسي- والتي ينتمي اليها الاطراف المتنافسة على المنطقة مثل النرويج، الدنمارك، كندا، والولايات المتحدة، – نحو سلامة أراضيه في منطقة القطب الشمالي، وان الحكومة الروسية سوف تستثمر 20 تريليون روبل لإعادة فتح وتحديث قواعدها هناك بحلول عام 2020.

واقترنت هذه التدريبات العسكرية مع الجهود السياسية للمطالبة بأراضي القطب الشمالي، فالدنمارك اخذت بتسريع محاولاتها الرامية إلى فرض سيادتها على أجزاء من منطقة القطب الشمالي ففي ديسمبر /كانون الاول عام 2014، قدم الدنماركيون طلبا الى لجنة الأمم المتحدة للحدود والجرف القاري (UNCLCS) أكدوا في المطالبة بحقهم في اراضي من القطب الشمالي وكذلك شمال غرينلاند، التي تمتد على مساحة إجمالية تبلغ حوالي 350.000 ميل مربع. في ديسمبر/كانون الاول 2013، قدمت كندا طلبا إلى لجنة UNCLCS، معتبرة أن قاعها يمتد إلى 350 ميلا من سواحلها. وان هذا التقديم ستشمل ما يصل إلى 650.000 ميل مربع من قاع البحر.

ونوه المستكشف القطبي ومدير المتحف القطبين الشمالي والجنوبي التابع للحكومة الروسية في “سانت بطرسبورج”، فيكتور بويارسكي، قائلاً “إذا حصلنا على قرار إيجابي من الأمم المتحدة، عندئذ سنجلس ونتحدث إلى الكنديين والدول الأخرى بشأن أفضل كيفية لتقسيم المناطق”. وأضاف “أما إذا رفضت الأمم المتحدة مطلبنا، سيتعين علينا الذهاب وإيجاد أدلة جديدة .. كل شيء الآن بين يدي اللجنة الأممية”.

تزايد الوجود العسكري الروسي

وفي هذا الاثناء، قامت روسيا بتجديد وتوسيع قواعدها العسكرية، التي تمتد على مسافة أكثر من ثلاثة آلاف ميل عبر الحدود الشمالية للبلاد. ما يمكنها من زيادة قدراتها الجوية والبحرية. وذكر “الكساندر جولتس” الخبير العسكري ونائب رئيس تحرير دورية “يزهيندنيفني زهورنال” على الإنترنت، أن المنطقة القطبية من وجهة نظر بوتين تبدو مثل معجزة ومكان ينطلق منه ازدهار الأجيال الروسية المستقبلية. وأضاف “يعتقد بوتين أنه إذا حصلت روسيا على المنطقة، ستسعى دول أخرى إلى أخذها، لذا يجب الدفاع عنها”. ورد المسؤولون الكنديون على تصريحات بوتين قائلين “إن كندا ستؤكد وتدافع عن سيادتها القطبية”. وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الكندية “ريك روث” في بيان مكتوب “سنفعل ذلك التزاماً بالقانون الدولي وعبر القياسات التي ترتكز على أسس علمية”.

لقد اعتمدت روسيا ذات السياسة السوفيتية السابقة، لجهة عدم اهتمامها بالمواقع العسكرية في جزر بحر سيبيريا الشرقي، لصالح إعادة إنشاء شبكة واسعة من الاتصالات والمواقع العسكرية في منطقة القطب الشمالي. يرجع ذلك إلى بعد هذه الجزر، وبرودة مناخها وانخفاض ملوحة الماء وندرة النباتات والحيوانات والبشر، وكذلك الأعماق الضحلة (معظمها أقل من 50 مترًا) والضباب الكثيف، خاصة في فصل الصيف.

ففي عام 2015، بدأت روسيا بترميم وتوسيع المنشآت العسكرية في نوفايا زيمليا، وحول ما تقدم صرح مصدر في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية بأنه تم وضع خطة لنشر صواريخ مضادة للطائرات من طراز “اس-400 تريومْف” في أرخبيل (مجموعة جزر) نوفايا زيمليا . وأضاف المصدر أن الخطة تتضمن أيضا نصب بطارية من راجمات الصواريخ والقذائف المضادة للطائرات “بانتسير-اس1” في أحد المطارات في منطقة القطب الشمالي الروسية.

وقد أشير إلى أن عام 2015 سيشهد انتشار وحدات من القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي في منطقة القطب الشمالي الروسية. وستتبع هذه القوات، بالإضافة إلى وحدات من القوات البحرية والجوية، لإمرة القيادة الاستراتيجية الشمالية التي تم تشكيلها في العام المنصرم، وباشرت في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2014، مهمتها لحماية منطقة القطب الشمالي ووسط روسيا من هجوم محتمل يأتي من الشمال.

يتصاعد الوجود العسكري الروسي في منطقة القطب الشمالي بسرعة كبيرة، يقابله جهد مواز من الدول الأخرى المتنافسة والرامية إلى إيجاد موطئ قدم لها أكثر ديمومة واوسع انتشارا، وهو صراع آخذ بالتطور، تؤكده وتيرة وحجم التدريبات العسكرية في منطقة القطب الشمالي، الامر الذي من شأنه أعاقة الوصول إلى الحوار البناء بين روسيا وجارتها الشمالية لتهدئة هذا الوضع.

وما يجعل الأمور أسوأ، غياب منصة عالمية لهذه الدول، يُناقش فيها مستقبل هذه المنطقة التي تشهد تغييرات متسارعة. فمجلس القطب الشمالي، الذي يتعامل في المقام الأول مع تقييم تأثير المناخ، لرصد التنوع البيولوجي، والملوثات، لا يملك تفويض لمناقشة القضايا العسكرية أو الدفاع. ولعل انعدام القيادة لمعالجة هذه الأمور، بالإضافة إلى العسكرة المتزايدة في المنطقة، دفعت بعض الدول لتشكيل محافل أصغر للحوار منها اتحاد النرويج، الدنمارك، أيسلندا، السويد، فنلندا على سبيل المثال، الذي رفع شعار التعاون الدفاعي في القطب الشمالي  (NORDEFCO) وهو واحد من مجموعات أنشئت للتعامل مع قضايا المتنامية للمنطقة القطبية الشمالية.

مع هذا الوضع المتطور، يجب على الأمم المتحدة إيجاد منصة متعددة الأطراف للتعامل مع هذه النزاعات، قبل أن تتصاعد وتيرة السباق على الموارد القطبية الشمالية لتكون خارج نطاق السيطرة.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية