يرى المعارضون للاتفاق النووي مع إيران أنه رخصة لطهران كي تعيث فساداً في المنطقة، ويذهبون في التفكير إلى أن إيران التي ستكون محررة من الضغوط الاقتصادية وتتدفق عليها الموارد المالية، ستطلق العنان لجرأتها على إسرائيل والدول العربية، وتقوض المصالح الأميركية. ورغم ذلك، وخلافاً لما يقوله النقاد، فإن الاتفاق النووي قد يكبح طموح إيران الإقليمي، والأحرى أن حالة عدم الاستقرار التي ستعقب فشل الاتفاق هي التي يجب أن تثير قلقهم.
لقد أنفقت إيران 15 مليار دولار على جيشها العام الماضي، بينما أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي 115 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، وبموجب شروط الاتفاق النووي، سيتعين على إيران الانتظار خمس سنوات أخرى لرفع حظر الأسلحة المفروض عليها من قبل الأمم المتحدة.
إن الاتفاق لا يخفف الضغط الاقتصادي على إيران، لكنه ليس كافياً لتغيير ميزان القوة في المنطقة، ووفقاً لتقديرات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد أن تسدد إيران مستحقات دائنيها، فإن المكاسب المالية الناجمة عن الاتفاق لن تزيد على 60 مليار دولار، سيذهب جزء كبير منها لسد احتياجات إيران المحلية.
وفي الماضي، كانت إيران تعوض العجز في الإنفاق العسكري التقليدي من خلال نشر شبكة من الميليشيات المسلحة التي يتم تدريبها وتمويلها وإدارتها على يد الحرس الثوري.
ومن خلال هذه القدرة غير المتماثلة، قامت إيران بتهديد إسرائيل، وعززت مكانتها في العراق، ودعمت التمرد الحوثي في اليمن، وكما هو الحال مع استخدام باكستان لنفس الاستراتيجية ضد الهند، فإن الاستفزاز غير المتماثل يعمل فقط إذا كان هناك ردع ضد انتقام مكلف، ومن دون ذلك، فإن الاستفزازات الإيرانية ستدعو إلى تكرار العمليات الانتقامية الإسرائيلية في جنوب لبنان وغزة أو الحرب في اليمن.
ومن خلال التوقيع على الاتفاق النووي، تكون إيران قد تنازلت عن المظلة النووية لمدة عقدين من الزمن، وأعطت أسباباً جيدة للولايات المتحدة لمواصلة تعزيز القدرات العسكرية لدول المنطقة، وبعكس ما يقوله المعارضون، فإن الاتفاق النووي قد أضعف إيران وعزز قدرة منافسيها الإقليميين.
فلماذا توقع إيران على اتفاق من شأنه تقويض استراتيجيتها الإقليمية؟ الإجابة الواضحة هي أن العقوبات الاقتصادية قد أجبرت إيران على الاختيار بين الاستقرار السياسي في الداخل والهيمنة على المنطقة. وفي هذا الشأن، فإن الاتفاق النووي قد أنهى في ضربة واحدة تهديد إيران النووي وعرقل أجندتها الإقليمية.
لكن من المهم أيضاً أن القلق الإقليمي الرئيسي لإيران قد أصبح يتمثل في تنظيم «داعش»، لقد برزت هذه القوة السنية المتطرفة، باعتبارها مناهضة للشيعة ولإيران، وهي الآن تسيطر على مساحات شاسعة في العراق وسوريا، علاوة على وجودها المتزايد في أفغانستان، وبذلك فهي تمثل لإيران وحلفائها تهديداً استراتيجياً هاما.
إن إيران تحارب «داعش» في العراق وسوريا، وربما تكون هذه حرباً طويلة، وهي حقيقة أجبرت إيران على إعادة النظر في حساباتها الاستراتيجية. ومواجهة «داعش» لا تتطلب مظلة نووية، ولكن بالأحرى الحد من التوترات مع المجتمع الدولي وزيادة الموارد الاقتصادية، وكان من المرجح أن يكون تهديد «داعش» عاملاً حاسماً في قرار إيران بالتنازل عن الغطاء النووي من أجل استراتيجيتها الإقليمية.
إن الولايات المتحدة لا تتعاون علناً مع إيران لقتال «داعش»، لكن جنباً إلى جنب مع تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، لا تزال واشنطن تنتقد دعم طهران لنظام الأسد في سوريا، ورغم ذلك، فالولايات المتحدة تريد أن تواصل إيران الضغط ضد «داعش» في سوريا والعراق.
د.ولي نصر
صحيفة الإتحاد الأماراتية