بغداد – كانت البصمة الإيرانية واضحة في اختيار عبدالعزيز المحمداوي، “أبوفدك”، القيادي في ميليشيا حزب الله العراقي، خليفة لأبومهدي المهندس في منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، إذ جرى الاتفاق على شخصية لديها ارتباط وثيق بالحرس الثوري الإيراني وشخص يجيد الإصغاء لتعليمات طهران.
ومنذ مقتل المهندس، في غارة قتل فيها أيضا قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، في الثالث من يناير الماضي، كان الحشد الشعبي يبحث عن قائد ميداني لعملياته، وقد جرى طرح اسمين للمنصب، لكنهما لم يحظيا بقبول القادة الميدانيين.
وأول الأمر، اقترح جهاز المخابرات الإيراني، بحسب مصادر مطلعة، تسمية زعيم منظمة بدر هادي العامري خليفة للمهندس، لكنه رفض لكونه يأمل في تبوّؤ منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يشغله مستشار الأمن الوطني فالح الفياض.
وتحولت الترشيحات، لاحقا، نحو أبوعلي البصري، وهو شخصية أمنية تتقن العمل بعيدا عن الأضواء، وسبق للحكومات المتعاقبة أن اعتمدت عليه في مناصب حساسة، مثل الإشراف على خلايا خاصة لملاحقة مطلوبين وتنفيذ عمليات اغتيال وتصفية سرية.
لكن اختيار البصري أزعج كثيرين في هيئة الحشد الشعبي، ولاسيما الخط الموالي لإيران، بالنظر إلى تجاربه السابقة في التنسيق مع القوات الأميركية خلال مواجهة تنظيم القاعدة في العراق ولاحقا تنظيم داعش.
أبوفدك الملقب بالخال
قيادي في كتائب حزب الله
كان أحد أذرع قاسم سليماني
عمل في فيلق بدر أثناء الحرب العراقية الإيرانية
متورط بقتل المتظاهرين في ساحة الخلاني
وأعلنت الهيئة الجمعة تسمية “أبوفدك”، نائبا لرئيس الحشد الشعبي، القيادي البارز في ميليشيا كتائب حزب الله، الذي ارتبط اسمه مؤخرا بإدارة عمليات منظمة لاختطاف النشطاء الذين يشاركون في الاحتجاجات الشعبية واغتيالهم، والمستمرة منذ خمسة شهور.
ولعل أبرز “الفضائل” التي يمتاز بها “أبوفدك”، كما يقول من يعرفونه عن قرب، أنه عمل مدة طويلة تحت القيادة المباشرة للمهندس في كتائب حزب الله، واقترب كثيرا من اتصالاته بسليماني وقادة الحرس الثوري الإيراني بشكل عام، وهو ما زاد من حظوظه لشغل المنصب الشاغر منذ مطلع العام.
ويصف مقربون من “أبوفدك”، الرجل بأنه أحد العاملين في فيلق بدر قبل سقوط نظام صدام، وأنه انخرط في “مقاومة الأميركيين بعد سقوط النظام ضمن صفوف كتائب حزب الله”.
واستمر “أبوفدك” ضمن كتائب حزب الله، حتى إطلاق إيران عملية هيكلة واسعة للفصائل الموالية لها في العراق، قبل نحو عام من الآن، لتوفر الشخصيات القادرة على المشاركة في هيئة أركان قوات الحشد الشعبي، التي أريد لها أن تكون بديلا للقوات المسلحة الرسمية.
وتولى “أبوفدك” قبل نحو عام من الآن، مهمته ضمن مجلس أركان الحشد الشعبي، ليشكل أحد الروابط الحيوية بين هذه القوة وبين الفصائل المسلحة الموالية لإيران، حيث تكون خزينة العراق العامة هي مصدر التمويل المشترك للطرفين.
وظهر اسم “أبوفدك” نحو ثلاث مرات خلال التظاهرات العراقية بين أكتوبر 2019 وفبراير 2020، بصفة مختلفة، “الخال”، وهي الأولى عندما شنت كتائب حزب الله حملة ليلية على معتصمين في ساحة الخلاني قرب جسر السنك وسط بغداد، وقتلت واعتقلت عددا منهم، والثانية على جدار السفارة الأميركية عندما نظم الحشد الشعبي تظاهرة داخل المنطقة الخضراء ضد الوجود الأميركي في العراق، والثالثة عندما سمّي نائبا لرئيس هيئة الحشد الشعبي.
وفي العادة، يستخدم العراقيون صفة “الخال” خلال الحديث عن الشخصيات الإيرانية التي تعنى مباشرة بالملف العراقي وتنخرط في تفاصيله، ما يعني أن “أبوفدك” مصنف ضمن الشخصيات الإيرانية، بالرغم من أنه يحمل الجنسية العراقية.
ويقول مراقبون إن ملء الفراغ الذي خلفه مقتل سليماني قد يكون أمر مستحيلا، نظرا لشبكة العلاقات الميدانية المعقدة التي نسجها طيلة أعوام، لكن الحفاظ على قنوات التواصل بين الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي، فضلا عن ضمان استمرار تدفق المال من خزينة الدولة العامة على الفصائل الموالية لإيران، هما مهمتان أساسيتان، أسندتا لـ”الخال”.
وتكشف الطريقة التي اختير من خلالها “أبوفدك” ليملأ الفراغ الذي تركه غياب المهندس تهافت المزاعم الرسمية التي تؤكد على أن الحشد مؤسسة عراقية.
واعتبر الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف أنه كان واضحا أن ما جرى في اختيار “أبوفدك” هو شأن إيراني لا دخل للحكومة العراقية فيه، وأن ما على تلك الحكومة سوى الاطّلاع على القرار الإيراني وتنفيذه في سياق علاقة غامضة تقوم على معادلة التمويل الحكومي لمؤسسة الحشد المستقلة.
ولا يطّلع القائد العام للقوات المسلحة على قرارات مؤسسة الحشد ولا يملك القدرة على ضبط حركتها. كما أن المؤسسات المالية الحكومية، التي تقوم بتمويل الحشد، لا يسمح لها بمعرفة أعداد المقاتلين الذي ينتمون إلى الميليشيا الموالية لطهران والتأكد من وجودهم إلا من خلال ما تقدمه قيادة الحشد.
وأضاف يوسف في تصريح لـ”العرب” أن الأجهزة الأمنية وسواها من مؤسسات وزارة الداخلية قد تم اختراقها في وقت مبكّر من قبل زعامات الميليشيات التي هي جزء من الحشد، حتى يمكن القول إن الجزء الأكبر من وزارة الداخلية تابع للحشد الشعبي.
ويقود هذا الاختراق الواسع إلى حقيقة المهمة التي أنيطت بـ”أبوفدك”، وهي إدارة الملف الأمني في ظرف شائك ومعقد، يبدو الحوار السلمي فيه مستبعدا بين الأحزاب الحاكمة والمحتجين الشباب.
وأكد يوسف أن ما يهم إيران في هذه المرحلة أن يدافع الحشد عن مصالحها من خلال اختيار قائد تربّى على طاعتها وليس مهما بالنسبة إليها أن يكون ذلك الاختيار قد وقع على رجل سيء السمعة.
العرب