لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت “كورونا”. فالفيروس الذي فرض على العالم عزلة إجبارية يواصل انتشاره في القارات الخمس ليزرع المزيد من القلق والخوف بين السكان.
يأتي هذا وسط توتر بين الصين والولايات المتحدة، على خلفية تبادل الاتهامات بشنّ حملات لـ “تشويه السمعة” بعدما تحوّلت جائحة كورونا إلى موضوع خلافي جديد بين القوتين العظميين.
في هذا الإطار، نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية تقريراً حذّرت فيه من قدرة فيروس كورونا على إعادة تشكيل النظام العالمي. يقول التقرير إنّ الصين تناور لتقود العالم في حين تفشل الولايات المتحدة الأميركية في التعاطي مع الوباء.
نزعات ترمب الفردية
وفي مقارنة بين استجابة الولايات المتحدة لأزمة كورونا مقابل الصين، يرى التقرير أن المؤسسات الحكومية الأميركية الأساسية، مثل البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، قوّضت الثقة بقدرة وكفاءة الحوكمة الأميركية. فتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب وتغريداته، أثارت الشكوك وأدت إلى حالة من الارتياب إلى حدّ كبير.
ويشير التقرير إلى أنّ القطاعيْن العام والخاص أثبتا أنّهما غير مستعديْن لإنتاج الأدوات اللازمة للفحص والاستجابة وتوزيعها، مضيفاً: “على المستوى العالمي، عزز الوباء نزعات ترمب إلى العمل بمفرده وكشف عن مدى انعدام استعداد واشنطن لقيادة استجابة العالم للوباء”.
وأوضح أنّ وضعية الولايات المتحدة بصفتها قائدة للعالم على مدى العقود السبعة الماضية استندت إلى الثروة والنفوذ والشرعية المنبثقة من إدارة الولايات المتحدة للملفات الداخلية وتوفير المنافع العامة العالمية والقدرة والاستعداد لحشد وتنسيق الاستجابة العالمية للأزمات. وأضافت المجلة: “وباء فيروس كورونا يختبر عناصر القيادة الأميركية الثلاثة. وما زالت واشنطن تفشل في الاختبار حتى اللحظة”.
استغلال الهفوات
في مقابل ذلك، تحركت بكين بسرعة لاستغلال هفوات واشنطن. فالصين تعمل على ملء الفراغ لتتموضع كقائدة للعالم على مستوى الاستجابة للوباء.
وأوضح التقرير أنّ الصين تروّج لنظامها الخاص وتوفّر مساعدة مادية لبلدان أخرى… “تدرك بكين أنّه إذا نُظر إليها على أنّها قائدة، وإذا نُظر إلى واشنطن على أنّها عاجزة أو غير راغبة في لعب هذا الدور، فيمكن لهذا التصوّر أن يغيّر بشكل أساسي موقع الولايات المتحدة في المشهد السياسي العالمي من جهة، والسباق على القيادة في القرن الحادي والعشرين من جهة ثانية”.
وبالمقارنة بين الصين والولايات المتحدة، تطرّقت “فورين أفيرز” إلى عجز واشنطن عن إنتاج عدد ملائم من أجهزة الاختبار، مشيرة إلى أنّ بكين – على نقيض الدول الأوروبية – لبّت نداء إيطاليا العاجل، وتعهّدت علناً بإرسال أجهزة تنفس واختبار وأقنعة وبدلاً واقية.
كما أرسلت الصين فرقاً طبية و250 ألف كمامة إلى إيران، ووعد رجل الأعمال الصيني ومؤسس “علي بابا”، جاك ما، أيضاً بإرسال 20 ألف جهاز اختبار و100 ألف كمامة لدول القارة الأفريقية.
وفي تحليلها، اعتبرت المجلة أنّ الرئيس الصيني، تشي جيبينغ، يدرك أنّ توفير سلع عالمية قادر على تلميع أوراق اعتماد قيادة الصين الصاعدة للعالم، قائلةً: “يوفّر فيروس كورونا فرصة لوضع هذه النظرية على مسار التنفيذ”.
المنتجات الصينية
ويعتمد العالم بشكل كبير على المنتجات الصينية في مواجهة كورونا، وتُعد الصين المنتجة الأساسية للكمامات الجراحية وعززت إنتاجها أكثر من عشرة أضعاف وباتت قادرة على تزويد العالم بها. وتنتج الصين الغالبية العظمى من المكونات الصيدلانية النشطة المستخدمة في صناعة الأدوية المضادة للالتهابات الثانوية الناجمة من الإصابة بكورونا.
في المقابل، بيّنت المجلة أنّ الولايات المتحدة تفتقد للمعدات والقدرة على تلبية احتياجاتها الخاصة، كاشفةً أنّه يُعتقد بأنّ المخزون الوطني الإستراتيجي الأميركي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحرجة، يحتوي على 1في المئة فقط من الأقنعة وأجهزة التنفس وربما 10في المئة من أجهزة التنفس اللازمة للتعامل مع الوباء. وهذا يعني أنّه يتعيّن على السلطات الأميركية استيراد الكميات اللازمة المتبقية من الصين أو زيادة الإنتاج المحلي منها، بحسب المجلة.
وبينما حشدت الولايات المتحدة وقادت الجهود الدولية لمساعدة الدول الأفريقية عامي 2014 و2015 إبان أزمة إيبولا، ابتعدت إدارة ترمب عن هذا الدور لمواجهة كورونا حتى مع الحلفاء، مشيرين إلى أنها لم تبلغ حلفاءها الأوروبيين مسبقاً بحظر سفر مواطنيهم إلى أميركا.
وختمت المجلة تقريرها قائلة إن العناصر الرئيسية لنجاح الصين في الحصول على قيادة العالم في مواجهة كورونا هي القصور الأميركي والتركيز الداخلي للسياسة. وبالتالي، فإن النجاح النهائي لمسعى الصين سيعتمد بقدر كبير على ما يحدث في واشنطن كما يعتمد على ما يحدث في بكين.
اندبندت عربي