الاتفاق النووي الإيراني قد يزيد من العزلة السياسية لروسيا

الاتفاق النووي الإيراني قد يزيد من العزلة السياسية لروسيا

iran-energy-deal.si_

كلما فكر الروس بإيران، انزلقوا إلى حالة من البحث عن الذات. البعض منهم ينظر إلى النظام الإيراني بشكل إيجابي، والبعض الآخر يحتقره. ولكن في أعقاب الاتفاق الذي تم مؤخرًا للحد من الإنتاج النووي الإيراني في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وزيادة الاتصالات مع العالم الخارجي، بدأ كثير من الروس، الذين يشعرون بقلق من أن بلادهم تصبح منبوذة دوليًا بشكل متزايد، يسألون أنفسهم: “هل نحن إيران الجديدة؟“.

وقد يبدو هذا غريبًا بالنسبة للآذان الخارجية، ولكنه ليس بعيد المنال حقًا. ويجد كثير من الروس، سواء داخل أو خارج الكرملين، أنفسهم معجبين بالطريقة الإيرانية في التعامل مع العالم. إنهم يحترمون عزم البلاد على تطوير الطاقة النووية الخاصة بها، بغض النظر عن المعارضة العالمية واسعة النطاق لفعلها هذا. وجاء صمود طهران في مواجهة العقوبات الاقتصادية ليساعد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وأنصاره، الذين نجحوا في تقديم فرض العقوبات الغربية عليهم بسبب الآثام التي ارتكبتها موسكو في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا على أنه هجوم شرير على وطنهم المقدس.

ويشعر الكثير من الروس بنفس المشاعر التي شعر بها الإيرانيون عندما تعرضت بلادهم للعقوبات منذ سنوات، وهي مشاعر التحدي والحرص على إثبات أن أيًا من هذه العقوبات لا تستطيع أن تؤثر عليهم. وقد أعلن بوتين ومساعدوه بلا كلل أو ملل أن روسيا سوف تقف في وجه الغرب، وأنها سوف تزدهر بالاعتماد على نفسها.

ورغم ذلك، لعبت روسيا دورًا هامًا في التفاوض على الاتفاق الذي قادته الولايات المتحدة مع إيران. وكان  سيرغي لافروف، وهو وزير الخارجية الروسي، صوتًا رئيسًا بين ممثلي  الدول الست في الائتلاف، ولم يتم السماح أبدًا للصراع بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأزمة الأوكرانية، وغيرها من القضايا، في الوقوف كعائق على طريق المحادثات مع المسؤولين الإيرانيين.

وقد يكون الرئيس أوباما أخذ هذا في الاعتبار عندما اعترف بمساهمة موسكو في الاتفاق الإيراني. وفي إشارة إلى التوتر بين واشنطن وموسكو، قال الرئيس الأمريكي في مقابلة بعد أن تم التوصل إلى الاتفاق في فيينا: “ساعد بوتين والحكومة الروسية في هذا بطريقة فاجأتني“. وأضاف: “لم نكن لنحقق هذا الاتفاق لولا استعداد روسيا لدعمنا“.

ولكن، الآن بعد أن بدأت إيران تتجه نحو الانفتاح، لن تكون روسيا ببساطة قادرة على المنافسة بما فيه الكفاية مع الغرب فيما يتعلق بتقديم أنواع من السلع الاستهلاكية والتكنولوجيا التي تريدها بلاد خرجت للتو من فترة العقوبات.

وفي الواقع، سوف يزيد الاتفاق النووي من العزلة السياسية لروسيا، ويضر باقتصادها الذي يعاني بالفعل من الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وغرق الروبل، وآثار العقوبات الغربية. ويخشى المستثمرون من نهج الكرملين المتعجرف لعقود، ويفضلون البحث عن فرص في أماكن أخرى. ويسعى كثير من الناس الموهوبين في البلاد، والذين عانوا من النهج الديكتاتوري في الحكم، للبحث عن مستقبلهم في الخارج.

وفي الوقت نفسه، بدأت وفود رفيعة المستوى من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، ودول أوروبية أخرى، تشمل العشرات من ممثلي الشركات، بزيارة إيران. ونقلت رويترز عن نائب وزير الاقتصاد في البلاد، محمد خزاعي، قوله الشهر الماضي: “حتى في الأسبوعين الماضيين كنا قد وافقنا على أكثر من 2 مليار دولار في مشاريع ستقوم بها الشركات الأوروبية في إيران“.

ويأمل المسؤولون الإيرانيون بتجديد قدرتهم على الحصول على السلع الاستهلاكية، ويخططون لتجديد ضخم في البنية التحتية المتقادمة في البلاد. وقد يكون المتشددون راغبين بالحصول على القنبلة، ولكن القادة يريدون أن يكون لدى مواطنيهم ملابس، وسيارات، وطائرات جديدة.

وقد أعلنت طهران بالفعل أنها تخطط لشراء ما يصل إلى 90 طائرة سنويًا من كل من بوينج، وإيرباص، حالما يتم رفع العقوبات. وإذا ما حققت مقامرة أوباما بإعادة فتح البلاد النتائج المرجوة، فسيكون من الممكن أن يحدث اندماج بين المصالح الإيرانية والغربية.

وتستطيع روسيا أن تتنافس بالتأكيد مع الغرب في قطاع الطاقة، فضلًا عن تجارة الأسلحة، على الرغم من أن الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات الأسلحة إلى إيران لن يرفع بالكامل لمدة خمس سنوات. ولكن موسكو لا تزال تواجه مفارقة صعبة؛ وفي حين سيزدهر مناخ الأعمال الإيراني، سوف يضعف مناخ الأعمال الروسي. وسوف يؤدي رفع العقوبات عن دولة واحدة إلى زيادة الأوضاع الاقتصادية تعقيدًا في الدولة الأخرى. وبدأت بعض الشركات العالمية، بما في ذلك مصنعو السيارات والمعدات التي تعد إيران مهتمة بالحصول عليها الآن، تغادر روسيا، ومن المتوقع أن يتبعها عدد أكبر. ويصطف المستثمرون الغربيون، القلقون مما ينتظرهم في روسيا، الآن للمنافسة على العروض المربحة والمكتشفة حديثًا في إيران.

وأيد بوتين الاتفاق الإيراني؛ لأنه أدرك أن تعطيل المفاوضات التي تريد كل من إيران والغرب لها أن تنجح سوف يعمق العزلة الروسية فقط.وربما كان قد أدرك أيضًا أنه لطالما كان وحيدًا على الساحة العالمية، وأن العدوان الروسي ضد الجيران، والألعاب العسكرية مع منظمة حلف شمال الأطلسي، قد وضعته في مكان محمود أحمدي نجاد بالنسبة للعالم.

وربما كان بوتين قد أدرك أن عليه دعم صفقة إيران من أجل البقاء في اللعبة. وهذا هو السبب في أنه دفع مؤخرًا خطة لإنشاء “جبهة موحدة”لمحاربة الإرهابيين من الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ورغم أنه من غير المحتمل تحقق هذه الخطة بالنظر إلى أن الجبهة ستشمل القوات الموالية للرئيس السوري، بشار الأسد؛ فقد كان الغرض الحقيقي منها هو تقديم الرئيس الروسي باعتباره قائدًا عالميًا مهمًا وفعالًا.

ولكن ما هو أكثر أهمية بالنسبة لنا كروس، هو كيف وبأية شروط تبقى بلدنا في اللعبة. ويبدو اليوم كما لو أننا بكل فخر وحماقة نسير على عجل لأخذ المكان الذي تم إخلاؤه من قبل إيران حديثًا فقط.

التقرير