تمكنت وزارة النفط العراقية من زيادة الكميات المصدرة من النفط الخام لشهر حزيران/يونيو الماضي، بحسب الاحصائية النهائية الصادرة من شركة تسويق النفط العراقية “سومو”. إذ سجل معدل الصادرات اليومية للنفط الخام ارتفاعا بلغ قرابة (3.187) ثلاثة ملايين ومائة وسبعة وثمانين الف برميل يوميا، وهو ما لم يتم تحقيقه خلال العقود الماضية.
ولعلها جهود استثنائية تحسب لوزارة النفط ووزيرها السيد عادل عبد المهدي في زيادة صادراتها من النفط الخام لتحقيق ايرادات اضافية للموازنة الاتحادية، في ظل أزمة تشهدها البلاد بعد تراجع أسعار بيع النفط في الأسواق العالمية، فضلا عن زيادة النفقات وخصوصا العسكرية منها، فيما توقفت المئات من المشاريع الخدمية في جميع المحافظات، لتعلن الحكومة عجزها عن سداد نحو 7 مليارات دولار قيمة الديون المستحقة لمقاولي الشركات.
ورغم ما تحقق على مستوى الانتاج النفطي، فان “مافيات” متنفذة تحاول عرقلة هذه الجهود وايقافها، وأن تفرض أجندتها ورؤاها على المشهد السياسي، بغية تحقيق أهداف سياسية تسمح لعرابها بالرجوع ثانية إلى المنصب التنفيذي الاول، من خلال قطع الطاقة الكهربائية عن المحطات المغذية لحقول النفط العراقية، وعرقلة ضخه وحمل الشركات المستثمرة على المغادرة.
وفي ظرف معقد يعيشه العراق، حيث تتصاعد التظاهرات الشعبية المنددة بالفساد وسوء الادارة وتعثر الخدمات، فان موقفا كهذا انما يراد به تخريب الاصلاحات التي اطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي، واظهاره بمظهر العاجز عن تنفيذ ما اعلنه. ورأت جهات حزبية محسوبة على رئيس الوزراء العراقي السابق فيما يحدث الآن فرصة للانقضاض على رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي واتهامه بالضعف والفشل والاستسلام للفاسدين من حوله. ويأتي ذلك فيما تؤكّد دوائر سياسية عراقية أنّ المالكي لم ينقطع على تحيّن الفرص لخلفه العبادي بهدف إسقاطه وأن الاحتجاجات الشعبية الراهنة تمثّل بارقة أمل كبيرة له.
فالإصلاحات المحفوفة بالمخاطر هي الخطوة الأكبر من جانب “العبادي” لبسط نفوذه رغم سقوط مساحات كبيرة من الأراضي العراقية في يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، ورغم الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة المركزية جراء انهيار أسعار النفط. ويعبر هذا التصرف من ناحية اخرى تنازع القوى السياسية الشيعية العلني والمستتر على المصالح والمنافع، في حرب اضحت واضحة للعيان تفضي إلى تعطيل آلة الحكم القائمة على توافقات هشّة بين أقطاب تلك القوى، والتي تضمر العداوة الشديدة لبعضها البعض، إذ يرى كل منها نفسه الأحقّ بتزعّم المشهد وقيادة البلاد.
نؤشر هنا صداما بين نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وعمّار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، يكشف عن حجم الصراع الشرس الدائر بين الحليفين، والذي بدأ يتضح بشكل كبير مع مطالبة المجلس بمحاكمة المالكي بتهم الفساد وبالمسؤولية عن سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم “الدولة الاسلامية”.
قطع الكهرباء عن حقول النفط سلوك مفعم بالمصلحية والضرر لما يمكن ان يلحق بالاقتصاد العراقي، جراء هذا القطع وما يمكن ان يترتب عليه من تبعات على الميزانية، إذ اضحت الحكومة تدار بحسب اهواء الاطراف المؤثرة في العملية السياسية والتي تحظى بدعم طهران، فعلى سبيل المثال يشكل المالكيون – نسبة إلى المالكي- من الذين ينتمون إلى حزب الدعوة، ومعهم اولاد الهندية واقرباء واصهار رئيس الوزراء السابق، رأس الرمح في الادارات الهامة والمؤسسات الامنية والاقتصادية. ليكون همهم الوحيد افشال العبادي وعرقلة اصلاحاته. وبهذا المعنى، فانه بقدر ما أفضت مساوئ العملية السياسية إلى تذمر شعبي يدعم حركة التغيير النازعة إلى محاسبة المافيات، التي تتلاعب بالسلطة والمال، فان تلك الحركة لن ستجابه بممانعة المنتفعين وشللهم السياسية والمرجعية.
ولا يستبعد أن تأخذ قضية قطع الكهرباء عن حقول النفط بعدا طائفيا بأن تمثّل فرصة لبعض المتشددين الشيعة داخل أروقة الحكم لانتزاع مناصب وزارية ومن بينهم وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، اضف إلى ذلك فان الفهداوي يتصّرف في موضوع الكهرباء في حدود الموازنة المرصودة لوزارته، وأنه من المستحيل تحسين مستوى التزويد بالطاقة الكهربائية بينما لا يتوفر الحدّ الأدنى من البنية التحتية لذلك، والتي تتطلب إعادة إنشاء بالكامل قد تستغرق سنوات من الزمن.
وفي الواقع، فان العراق اليوم في وضع صعب ومكلف دون أن يعرف أحدا كيف سينتهي فساسته يتصارعون فيما بينهم ويتنافسون على الغنائم حتى وان اضطرهم الامر إلى ضرب الاقتصاد واعاقة تدفق النفط في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز رزمتها المالية. وضع يكشف عن قوة المافيات وحجم تدخلاتها في الاقتصاد والسياسة والامن.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية