قطاع الصحة العراقي يشهد أكبر انتكاسة في تاريخه

قطاع الصحة العراقي يشهد أكبر انتكاسة في تاريخه

الباحثة شذى خليل*

لقد عانى العراق على مدى العقود الأربعة الماضية من تراجع مستمر في الوضع الصحي، وكان للخلل الكبير الذي أصاب نظامنا الصحي المعتمد منذ منتصف القرن الماضي بسبب الحروب والحصار الاقتصادي الذي أستمر لأكثر من اثني عشر عاما، إضافة الى الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 وعدم الاستقرار السياسي والفساد الإداري والمالي، مما أدى الى تدهور كبير في مستوى الخدمات الصحية والطبية في ظل غياب الإرادة السياسية والرؤية الإستراتيجية للنهوض بهذا القطاع المهم والحيوي ضمن منظومة التنمية الشاملة.
وليس جديداً، الحديث وتسليط الضوء على الفساد، لكن فساد القطاع الصحي في العراق كشف مدى ضعف الإمكانيات في مواجهة أي طارئ او ازمة فعلية.. بالأخص في ظل أزمة كورونا وعجز المستشفيات عن استقبال المصابين بالفيروس، وإن كانت هناك مساع لإنشاء وحدات جديدة للعزل.
وعلى الرغم من إمكانيات العراق المالية الهائلة كونه بلد نفطي ويمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم، إلا أن قطاعه الصحي في وضعٍ مزرٍ للغاية، إذ أن أكثر من 90% من المستشفيات الحالية في العراق أنشئت في عهد الحكومات العراقية التي سبقت 2003 ، وبعضها يعود إلى حقبة العهد الملكي، أي أن حكومات ما بعد الاحتلال لم تتمكن من تأسيس نظام رعاية صحي محترم، لكنها تمكنت من الاستثمار في المجال الصحي على حساب المواطن العراقي المحروم.
وحسب الاقتصاديين والمختصين: أن أزمة كورونا أظهرت افتقار العراق الكبير للمستلزمات والأجهزة الطبية التي تساهم بشكل أو بآخر في تقليل خطر الفيروس، وإنقاذ حياة المصابين.
ان العراق يعد من أبخل دول العالم في رفد موازنة وزارة الصحة، إذ يؤكد على أنه وفي عام 2019 خصصت الحكومة الاتحادية للعراق 2.5% فقط من موازنة الدولة البالغة 105 مليارات دولار، في الوقت الذي تعد هذه النسبة ضئيلة جدا مقارنة مع بقية دول منطقة الشرق الأوسط.
تظهر بيانات منظمة الصحة العالمية WHO أن الحكومة الاتحادية أنفقت خلال السنوات الـ 10 الماضية أقل من معدل ما تنفقه دول الجوار العراقي والتي تعد أفقر بكثير من العراق ولا تقارن موازناتها مع موازنة العراق.
وبحسب تقارير صحفية، فإن نصيب الفرد العراقي من موازنة بلاده الصحية تبلغ 161 دولارا في المتوسط مقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان، ما يعد سابقة خطيرة في العراق لم تتحدث عنها التقارير الإعلامية إلا مؤخرا.
لا تتوقف مشاكل العراق الصحية على المستلزمات المتعلقة بفيروس كورونا، إذ يقول مصدر مسؤول في وزارة الصناعة العراقية قبل عام 2003، إن الشركات العامة للوزارة كانت تنتج كميات كبيرة من المواد التي حُظر على العراق استيرادها خلال الحصار الدولي عليه للأعوام (1991-2003).
العراق قادر على توفير جميع ما يحتاجه من مواد طبية وتعقيمية لو استخدم الصناعة المحلية، كما أنه يعد من البلدان المصدرة للمواد الخام لهذه الصناعات، فالمواد البتروكيمياوية متوفرة، إلا أن الفساد والسرقات والسعي للحصول على الرشاوى من الشركات الأجنبية، تسبب بجعل العراق يتأخر سنوات ضوئية عن دول العالم.
وحسب مسؤولون ومختصون، أن العراق يمتلك عددا قليلاً جداً من أجهزة التنفس الاصطناعي، ونحو 2500 سريرا مخصصة للعناية المركزة، وهي الطاقة القصوى للبلد، ويؤكد الدكتور عبد الأمير المختار، بخصوص أهمية أجهزة الإنعاش التنفسي في أزمة كورونا، “إذا أخذنا النسبة المئوية فإن 10 إلى 60% من المصابين بفيروس كورونا يحتاجون إلى الدخول لغرف الإنعاش المركز (التنفس الصناعي)، وأن أكثر من 50% منهم قد ينجون من الموت نتيجة لذلك”.
نحن بحاجة الى زيادة عدد أسرة الإنعاش أكثر، وكادر طبي كبير ومدرب بشكل جيد، يساعد على مواجهة كورنا، ومما زاد تفاقم الازمة هو قانون التقاعد الأخير إذ تسبب بإحالة عدد كبير من الأطباء والكوادر الصحية إلى التقاعد، وذلك سيفاقم من الأزمة الحالية.
وكثيراً ما واجهت وزارة الصحة اتهامات بالفساد، وتواجه الفرق الطبية في العراق مشاكل كثيرة، أبرزها النقص في المعدات الطبية، ما دفع عدداً من الأطباء في محافظة بابل (جنوب بغداد)، إلى تقديم استقالاتهم من دائرة صحة المحافظة احتجاجاً على عدم توفير المستلزمات المطلوبة لممارسة أعمالهم.
الممرضون والأطباء في المستشفيات العراقية يواجهون الى جانب الفيروس المنتشر والذي راح ضحيته مئات العراقيين وعشرات الأطباء، بسبب عدم توفر المستلزمات الطبية والصحية والمعدات الضرورية والوقائية لمعالجة المرضى ومواجهة الفيروس، باتت الأمور أكثر وضوحاً بعدما بات مصابو كورونا من دون مستشفيات”.
إن أعداد الإصابات الحقيقية بكورونا في العراق غير معروفة حتى الآن، خصوصا أن الجارة إيران لديها ارتفاع في أعداد المصابين والمتوفين جراء الفيروس، ومستمرين بالتدفق نحو العراق متخطين جميع الاحترازات وتأكيدا على هذه المعلومة، فإن ما حصل في منفذ الشلامجة حسب مصدر أمني في جهاز المنافذ الحدودية العراقي، إن إيرانيين أقدموا على حرق غرفة تابعة للجهاز في منفذ الشلامجة مع إيران، وذلك اعتراضا على منعهم الدخول إلى العراق، وفق المصدر الأمني، إلى “حرق غرفة الجوازات” في المنفذ البري الواقع شرقي محافظة البصرة.
وأضاف المصدر، أن السلطات الإيرانية تمارس ضغوطها على الحكومة العراقية، الأمر الذي أدى إلى إعادة فتح منفذ زرباطية، وبعدها من الممكن ان تفتح كافة المنافذ الحدودية وتسمح للإيرانيين بالدخول إلى العراق”.
كيف تتجرأ إيران على السيادة العراقية؟ لذلك كان على الحكومة أن تتولى إستراتيجية كشف العدو التي تكون من خلال فرض الحظر وزيادة عدد أجهزة الاختبارات التي تكشف عن الفيروس”.
الخبير الاقتصادي “أنمار العبيدي” يعزو التدهور في القطاع الصحي إلى الفساد الكبير الذي ساد عمل الوزارة منذ عام 2003، وعلى إبرام العقود والصفقات لصالح جهات متنفذة، ومن الناحية العلمية.. فإن الإحصائيات الخاصة بقطاع الصحة مرعبة، لافتا إلى أن لكل 100 ألف نسمة 0.7 مستشفى بعموم محافظات العراق، ويؤكد العبيدي على أن عدد المستشفيات في العراق يبلغ 257 مستشفى حكوميا فقط، 79 منها في محافظات “أربيل والسليمانية ودهوك”.
فعلى سبيل المثال في محافظة البصرة؛ ان الإمكانيات المتوفرة لدى دائرة صحة البصرة محدودة للغاية ولا يمكن لمستشفيات المدينة استيعاب أعداد كبيرة، خاصة بعد إغلاق مستشفى البصرة التعليمي “الجمهوري” وحصره لعلاج المصابين بكورونا، ما تسبب بزيادة الزخم على مستشفيات المدينة الأخرى وتسبب بنقص كبير في عدد الأسِرَّة، فضلا عن النقص الكبير في مستلزمات وتجهيزات الحماية والوقاية للكوادر الطبية والصحية، مما قد يعرض الأطباء والكوادر الصحية لخطر الإصابة بالفيروس بسهولة كبيرة، بالإضافة الى نقص إمدادات الأدوية بنسبة تتجاوز 85% من أصناف الدواء على قوائم الأدوية الأساسية في العراق، وكانت إما موضع نقص في الامدادات أو غير متوفرة على الإطلاق في 2018، وأدوية السرطان من أندرها وأكثرها عرضة للتهريب لأسباب منها ارتفاع أثمانها.
وحسب نتائج دراسات اقتصادية، يعاني القطاع الصحي وضعاً متدهوراً ويقول نحو ثلثي العراقيين (66%) إنهم غير راضين عن الخدمات الصحية، وتسببت الحرب في تدهور القطاع أكثر، وتقول تقارير أممية إن طفلاً عراقياً من بين كل (25) يموت قبل سن الخامسة بسبب تردي الخدمات الصحية.
ويجب ان تتبع بعض الاستراتيجيات لانتشال الواقع الصحي المرير وخطط العمل القصيرة والمتوسطة والطويلة، وبما يمكنه من تقديم خدمات متنوعة وذات جودة عالية وبصورة متساوية لجميع المواطنين.
• إن تطوير برنامج معلوماتي إحصائي متكامل للوزارة ووضع آلية للانتقال نحو الادارة الصحية الالكترونية، كما أن تحديد دور وزارة الصحة في التخطيط والتنفيذ والمراقبة لمختلف البرامج الصحية للقطاعيين العام والخاص.
• يجب ان تبني وزارة الصحة لإستراتيجيات جديدة مثل اللامركزية في التخطيط والتنفيذ، مشاركة الكلفة، الخصخصة، التأمين الصحي، الدستور الطبي، .. وغيرها.
إعادة الهيكلية الإدارية والمالية والفنية للوزارة وفقاً للفقرتين2و 3.
تبني استراتيجية للموارد البشرية من حيث العدد والنوع والتوزيع المتوازن على جميع أنحاء الوطن، بالأخص للتعليم الصحي والطبي وعلى مختلف المستويات.
استحداث برنامج للتقييم والمتابعة والتطوير يتضمن الطرق والوسائل والمؤشرات والمعايير لخدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية.
والأهم تحديد متطلبات البنية التحتية للقطاع الصحي في العراق والعمل على تأمينها، ووضع برنامج العمل الدوائي العراقي لتحديد حجم الاحتياج الدوائي والأجهزة والمعدات الطبية وآليات الاستيراد والخزن والتوزيع والإشراف والمراقبة.
العمل على تشريع وتعديل القوانين اللازمة لتنظيم العمل في القطاعيين الصحي العام والخاص، ووضع خطة تنفيذية للسنوات العشر المقبلة (2020-2030) وعلى مراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لتحقيق أهداف المشروع.
لتحقيق الاهداف التي سبق ذكرها فإنه يتوجب على وحدة إصلاح القطاع الصحي للقيام بالفعاليات التالية:
• إعادة هيكلة وزارة الصحة الإدارية والمالية والفنية.
• تقييم الوضع الصحي في العراق وتحديد المشاكل الصحية والمعوقات التي تعترض تنفيذ وزارة الصحة لبرامجها المختلفة حالياً والمتوقعة في المستقبل.
• مراجعة الإستراتيجيات والسياسات والأهداف الحالية لوزارة الصحة.
• تقييم الكيفية وكم ونوع الخدمات الطبية العلاجية والصحية الوقائية التي تقدمها الوزارة للمواطنين.
• مراجعة برامج التسجيل والإحصاء في وزارة الصحة.
• تحديد حجم الموارد البشرية المتوفرة لدى الوزارة بأنواعها المختلفة.
• حزمة القوانين واللوائح والتعليمات والاوامر الادارية التي تنظم العمل في وزارة الصحة.
• تحديد كلفة الخدمات الطبية العلاجية والصحية الوقائية التي تقدمها وزارة الصحة في المركز والاطراف.
• التركيز على البرامج التعليمية وبرامج التعليم الطبي والصحي الحالية.
• مراقبة آليات التوريد والخزن والتوزيع للأدوية والمستلزمات الطبية.
يمكن القول بأننا بحاجة الى نظام صحي فعال ومؤثر وقادر على تقديم خدمات صحية وطبية عالية الجودة وبكلفة معقولة وفي متناول جميع شرائح المجتمع العراقي، والاستفادة منه وبما يؤمن المجتمع صحيا ويزيد من قدرته وهو أمر ممكن رغم تراجع الميزانيات المخصصة لهذا القطاع، ووضع الأشخاص المناسبين والحرفيين والخبراء من ذوي الاختصاص وإبعاد الوزارة عن المحاصصة السياسية وإنهاء الفساد المستشري فيها.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية