“بعض النواب يعملون على تأخير موعد الانتخابات قدر الإمكان”. هكذا يلخص الخبير القانوني طارق حرب خفايا ما يدور تحت قبة البرلمان العراقي، في حين ينتظر الشارع موعد الانتخابات المبكرة على وقع تجدد المظاهرات، وتأكيد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي التزامه بإجرائها.
ويعزو حرب موقف النواب المعارض للانتخابات المبكرة إلى “خشيتهم من فقدان مقاعدهم، ورغبتهم في البقاء فترة أطول بالبرلمان، في وقت يغلي فيه العراق على صفيح ساخن في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي كان أحد مطالبها الرئيسية تغيير قانون ومفوضية الانتخابات والقضاء على الفساد والبطال
مواعيد افتراضية
وبينما شرّع مجلس النواب قانونا جديدا للانتخابات، ما زال الجدل دائرا حول بعض فقراته؛ تنقسم الآراء بشأن الوقت الأنسب لإجراء الانتخابات المبكرة، حيث ترى حكومة الكاظمي أنها ممكنة في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، في حين تؤكد أطراف سياسية -من بينها كتلة “سائرون” بزعامة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتحالف “القوى الوطنية” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي- أن مطلع نيسان/أبريل من العام المقبل هو الموعد الأفضل، أما ممثلة الأمم المتحدة في العراق هينيس بلاسخارت فقد اقترحت أن تجرى الانتخابات في يونيو/حزيران المقبل.
وتطمئن حكومة الكاظمي بأن التحضيرات للانتخابات المبكرة تسير على ما يرام، وإن “الانتخابات العادلة والنزيهة هي قرار سياسي أولا وأخيرا، وليست هناك أي معوقات قاهرة”، حسب مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات الدكتور حسين الهنداوي.
وأوضح الهنداوي للجزيرة نت أن “الانتخابات المبكرة ممكنة في العراق خلال فترة زمنية لا تتجاوز السنة، شرط توفير المقتضيات الضرورية، ومنها إكمال قانون الانتخابات، فضلا عن تهيئة مفوضية الانتخابات، وتوفير التخصيصات المالية، وتعزيز الرقابة والمراقبة والشفافية وتعميم الوعي الانتخابي على المستويات الشعبية كافة”.
من جهته، يرى تحالف “عراقيون” بزعامة رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، الذي يقول مراقبون إنه شُكل لدعم حكومة الكاظمي؛ أن إجراء انتخابات نيابية مبكرة هي السبيل الأفضل لخروج العراق من أزماته، رغم بعض الصعوبات التي تواجهها.
وقال رئيس الكتلة البرلمانية في التحالف النائب هشام السهيل للجزيرة نت إن “المشاكل فنية بالدرجة الأساس، حيث لا يمكن إجراء انتخابات على مستوى القضاء لتداخل بعض الأقضية من ناحية السكان، واختلافات في بعض المحافظات على الحدود الإدارية لهذه الأقضية، مؤكدا أن تحالفه يعمل على إيجاد حلول كأن يكون إجراء الانتخابات وفقا لما يعرف بالدوائر المتوسطة، أي تقسم المحافظة حسب حجمها إلى 3 أو 4 أقسام لكي نتجاوز المشاكل الفنية”.
ورغم إقرار صيغة الدوائر المتعددة على مستوى المحافظة ضمن قانون الانتخابات الجديد، فإن ملحق جداول الأقضية التي ستشهد الاقتراع، لا يزال قيد النظر في وزارة التخطيط، فضلا عن وجود خلافات بين العرب والكرد حول حدود العديد من الأقضية داخل الشريط الفاصل بين المناطق المتنازع عليها.
ويقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب أحمد حما رشيد للجزيرة نت إن أغلب الآراء السياسية متفقة على أن تجرى الانتخابات منتصف العام المقبل، أي بعد نحو 10 أشهر من الآن، وحتى هذا الوقت قد تكون الأموال متاحة، خاصة أن قانون الانتخابات والجداول المرفقة به ستخضع للمناقشة مرة أخرى، مشيرا إلى أن البرلمان في عطلة تشريعية حاليا، ويبدأ الفصل التشريعي الجديد في سبتمبر/أيلول المقبل، وكل هذا يحتاج إلى المزيد من الوقت.
اللامي رأى إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في غضون 5 إلى 6 أشهر في حال وجود إرادة سياسية (الجزيرة)
حل البرلمان
من جانبه، يرى رئيس مجلس مفوضية الانتخابات الأسبق عادل اللامي أن إجراء انتخابات مبكرة ممكن في غضون 5 إلى 6 أشهر، بشرط وجود إرادة سياسية تتمثل في حل البرلمان لنفسه، وقانون قابل للتنفيذ، فضلا عن إكمال نصاب المحكمة الاتحادية، لكي تصادق على نتائج الانتخابات.
وقال اللامي للجزيرة نت إن “الانتخابات تحتاج إلى ميزانية مالية تخصص للمفوضية، في حدود 250 إلى 300 مليون دولار، كما كانت التكلفة في الانتخابات الأخيرة”.
وتعجز المحكمة الاتحادية العليا المتخصصة بالنظر في النزاعات الدستورية عن الانعقاد، بسبب إحالة أحد قضاتها التسعة إلى التقاعد، والافتقار إلى آلية واضحة لتعويضه، حيث تقع على عاتقها المصادقة على الانتخابات وصحة عضوية أعضاء البرلمان والنظر في الطعون على النتائج.
وبموجب قانون المحكمة الاتحادية التي تتبع إداريا مجلس القضاء الأعلى، فإن النصاب يكتمل بوجود رئيس و8 أعضاء، ولا يكون انعقادها صحيحا إلا بحضور جميع أعضائها، خلاف ذلك فإن كل ما يصدر عنها غير ملزم.
وكانت المحكمة تعوض أعضاءها الأصليين الذين يحالون إلى التقاعد بأعضاء من قائمة الاحتياط، لكن آخر قوائم الاحتياط في المحكمة كشفت عن أن جميع أعضائها أحيلوا إلى التقاعد لبلوغهم السن القانونية، ولا يمكن اختيار أحدهم لعضوية هيئة المحكمة، مما يعني أن نصابها سيبقى مختلا.
وتعليقا على ذلك، يؤكد الخبير القانوني طارق حرب أن “قانون المحكمة السابق الصادر سنة 2005 برقم 30 لا يزال نافذا، ومن الممكن تعديل المادة الثالثة منه بالأغلبية البسيطة، حيث يجوز تعيين عضو لإكمال نصاب المحكمة، بدل انتظار قانون المحكمة الجديد الذي اشترط أغلبية الثلثين، أي موافقة 220 نائبا، ويمكن اعتماده في فترة وجيزة جدا لا تتجاوز 10 أيام”.
المصدر : الجزيرة