شهد مجلس الأمن الدولي في الأيام القليلة الماضية تطورات دراماتيكية غير مسبوقة على الرغم من معرفة جميع الأطراف بما ستؤول له الأمور. وبدأت هذه التطورات من سحب مسودة المشروع الأميركي المؤلف من خمس صفحات لتمديد حظر الأسلحة المفروض على النظام الإيراني والذي ينتهي مفعوله في الثامن عشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بحسب ما جاء في الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، ومن ثم تعديله لصفحتين.
ومع ذلك لم تستطع الإدارة الأميركية حشد التأييد له حتى من الدول الأوروبية الحليفة لها واقتصار المصوتين بالموافقة على واشنطن وجمهورية الدومينيكان، بينما امتنعت الترويكا الأوروبية ومعها باقي الدول الأعضاء عن التصويت، في حين رفعت كل من موسكو وبكين أيديهما بالرفض من دون استخدام الفيتو.
في موازاة هذا الحدث الذي اعتبرته حكومة الرئيس حسن روحاني ومسؤول الإدارة الدبلوماسية وزير الخارجية محمد جواد ظريف انتصاراً سياسياً ودبلوماسياً لإيران ونظامها بوجه إدارة البيت الأبيض، إلا أنه لم يحد من المخاوف لدى مراكز القرار في النظام من إمكانية أن تسلك واشنطن طرقاً مختلفة تساعدها على اتخاذ خطوات أخرى أكثر تصعيداً في إطار استراتيجيتها لاستكمال حصارها للنظام ومنعه من استغلال الاتفاق النووي والمكاسب التي حصل عليها.
خصوصاً في مجال رفع الحظر عن الأسلحة التقليدية بعد 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتالياً في الخطوة الثانية المقررة في عام 2021 والتي من المفترض أن ترفع الحظر عن الأسلحة المتطورة غير التقليدية بما فيها الصاروخية إضافة إلى الحصول على مساعدات جدية في تطوير برنامجه النووي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومراقبة حثيثة ولصيقة من الدول الراعية للاتفاق مع مفتشي الوكالة.
إلا أن عملية التفتيش هذه لن تتم بمشاركة مفتشين من الولايات المتحدة بعد سقوط حقها جراء انسحابها من الاتفاق النووي.
وفي محاولة لاستباق المخاطر التي قد يواجهها النظام إذا ما استطاعت الإدارة الأميركية الالتفاف على مجلس الأمن ولجأت إلى إطلاق آلية تفعيل العقوبات من خارج آليات الاتفاق والقرار الدولي 2231 عن مجلس الأمن، فإن إيران بدأت تتحدث عن الخطوات التي يمكن أن تقوم بها في حال أصرت واشنطن على محاصرتها وحرمانها من مكاسب الاتفاق وفرض حلقات جديدة من العقوبات الاقتصادية ضدها.
وقد وضعت القيادة الإيرانية سلسلة تصاعدية من الخطوات للرد على أي إجراء أميركي، وظيفتها ليس الرد على واشنطن، بل إحراج كل الدول المعنية بالاتفاق خصوصاً دول الترويكا الأوروبية لعدم اتخاذها خطوات جدية ومساعدة للحد من الآثار السلبية للعقوبات الأميركية. موقف أعلنه صراحة الرئيس روحاني الذي أكد أنه “إذا تم إقرار مثل هذا القرار في الأمم المتحدة والذي يستهدف جزءاً من القرار 2231، فهو بمعنى النقض الفاضح للاتفاق النووي وستكون عواقب ذلك على عاتق الذين أسهموا في إنشائه”. الأمر الذي يمهد الطريق أمام الخطوات الإيرانية التصعيدية والتي ستتدرج من قرار التضييق والحد من عمليات التفتيش التي يقوم بها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن ثم الانتقال إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى درجة 20 في المئة، وبعدها الانتقال إلى إنهاء العمل بالتطبيق الاختياري بالبروتوكول الإضافي للتفتيش المباغت، ولاحقاً اتخاذ قرار بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل NPT، على أن تكون الخطوة الأخيرة وقمة الخطوات التصعيدية هي الانسحاب من الاتفاق النووي بالكامل.
الحديث عن هذه الخطوات، وصدورها عن جهات مقربة من حرس الثورة، الجناح الذي يقف على المقلب الآخر بوجه روحاني وظريف فيما يتعلق بموضوع الرهان على الحوار والجهد الدبلوماسي للحد من الآثار السلبية للإجراءات الأميركية التصعيدية، يكشف إمكانية وجود صراع محتدم داخل النظام يعمل على عرقلة أي إنجاز قد يحققه روحاني وحكومته وفريقه لإيجاد مخرج حقيقي للأزمات التي تواجهها إيران ويمكن أن تنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي للإيرانيين.
ويقع ذلك في بعد منه داخل إطار الحفاظ على السقف العالي للمواقف الإيرانية في مواجهة الإدارة الأميركية بغض النظر عن الأثمان التي قد تنتج عن ذلك.
وفي بعده الآخر، يقع في إطار الصراع السياسي داخل قوى النظام يقودها التيار المحافظ الذي يريد أن يخرج روحاني من رئاسة الجمهورية من دون إنجاز حقيقي يمهد الطريق أمام التيارات والقوى الداعمة له لتوظيفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ورغبة التيار المحافظ في أن يصل إلى رئاسة السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية مما يسمح له بالإمساك بكل مبادرات الحلول والظهور بمظهر المنقذ الذي حقق لإيران والإيرانيين ما عجز عنه الآخرون.
ويتوقع أن تشكل الدعوة التي أطلقها الرئيس الروسي الحليف فلاديمير بوتين لعقد قمة لقيادات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مع ألمانيا وإيران لبحث سبل الحد من تصاعد التوتر داخل مجلس الأمن وللحفاظ على دور هذا المجلس بعد المساعي الأميركية لتمرير قرارها الأخير ضد إيران وتمديد حظر الأسلحة التقليدية.
ويتوقع أيضاً أن تشكل هذه الدعوة مادة جديدة للصراع والجدل الداخلي الإيراني، على خلفية صعوبة رفض الطلب الروسي الذي شكل خط الدفاع الأول عن إيران بوجه المساعي الأميركية الأخيرة، وهذا يعني بالتالي أن تكون قيادة النظام أمام إشكالية ضرب كل المواقف التصعيدية التي أعلنتها في رفض أي تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة الأميركية.
ومن ناحية أخرى، سيتمكن روحاني بمساعدة العاملين الروسي والصيني الحليفين وتأييد أوروبي من الانتقال إلى الخطوة التي طالما منع عن القيام بها وعقد لقاء مباشر مع ترمب وإن كان عبر تقنيات إلكترونية.
لكن هذه المرة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي اللحظة التي يحتاجها ترمب في معركته التي تبدو معقدة وغير سهلة.
فهل سيستطيع بوتين تحقيق هذا الخرق حيث فشل الآخرون مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وغيرهما، ويؤسس لمرحلة جديدة على خط خفض التوتر الإيراني الأميركي، والانتقال إلى مرحلة جديدة تنعكس ارتداداتها على منطقة غرب آسيا بأكملها ومنها على العلاقات الدولية؟
حسن فحص
اندبندت عربي