سباق البيت الأبيض.. الرهان معقود على الناخبين السود

سباق البيت الأبيض.. الرهان معقود على الناخبين السود

تعطي العديد من العوامل الموضوعية في السباق الرئاسي الأميركي لمحة أكثر وضوحا للشخصية التي قد تستقر بالبيت الأبيض خلال السنوات الخمس المقبلة. فبغض النظر عن مدى تأثير الشبكات الاجتماعية في توجيه الأصوات، إلا أن مراقبين يتوقعون لأهم حدث انتخابي حول العالم، أن تلعب تعبئة الناخبين السود دورا محوريا في ترجيح الكفة بين المرشحين الديمقراطي جو بايدن والرئيس الجمهوري دونالد ترامب في الثالث من نوفمبر المقبل.

ميلووكي (الولايات المتحدة) – يعتقد المتابعون لسير إيقاع الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة للمرشحين الأساسيين الديمقراطي جو بايدن الذي فاز بترشيح حزبه هذا الأسبوع، والرئيس الجمهوري دونالد ترامب، أن الرهان بات معقودا بشكل كبير على السود لعدة اعتبارات موضوعية.

وهناك غضب كبير من السود في عدة ولايات، التي تحظى بأهمية في السابق الرئاسي، بسبب العنصرية التي أظهرها ترامب منذ توليه الرئاسة في 2016، ولذلك فقد تقلب هذه الشريحة الطاولة عليه وتجعل بايدن في طريق مفتوح نحو البيت الأبيض.

ولكن تبقى كل الاحتمالات واردة، فبالنظر إلى الانتخابات الماضية كانت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون متصدرة استطلاعات الرأي منذ ترشيح حزبها، لكنها خسرت السباق في النهاية، وهو ما شكل صدمة كبيرة للمتابعين ولم ينس الناخبون ذلك حتى اليوم.

ولأصوات السود دور مهمّ في ترجيح كفة الفائز في عدد من الولايات التي تتقارب فيها أصوات الجمهوريين والديمقراطيين وتتأرجح نتائجها بين الحزبين. ويمكن رصد ثلاث ولايات هي فلوريدا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا، حيث لا يمكن لأي مرشح جمهوري الفوز في الانتخابات الرئاسية دون الفوز بولايتين على الأقل منهما.

تغيير المعادلة
تجري انتخابات هذه السنة في ظل أزمات تاريخية متزامنة، بين وباء كوفيد – 19 المتفشي بصورة خاصة بين الأميركيين الأفارقة، والركود الاقتصادي وموجة الغضب التي تهز البلاد احتجاجا على العنصرية وعنف الشرطة.

ومع اقتراب موعد الذهاب إلى صناديق الاقتراع تفجرت في الولايات المتحدة قضية العنصرية ضد المواطنين من أصول أفريقية إثر مقتل جورج فلويد جراء عنف الشرطة، ما أثار قضيّة تَعبير الأقليات العرقية عن مطالبها.

وتزايدت منذ ذلك التاريخ حالة امتعاض السود من سياسيات ترامب العنصرية تجاههم ولذلك فإن شقا من المحللين يرون أن هذه الطبقة قد تكون لديها القدرة على إحداث اختراق في الانتخابات الرئاسية أملا في تعديل بوصلة واقعها.

أصوات السود في ولايات فلوريدا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا لها دور مهم في ترجيح كفة الفائز

وتظهر الرغبة لدى السود في ميلووكي، فمثلا، لم يصوّت أوسكار والتون في انتخابات 2016 ويوضح لوكالة الصحافة الفرنسية واقفا في أحد منتزهات المدينة أمام شاحنة صغيرة مزيّنة بالعلم الأميركي خطّت عليها أحرف بي.أل.أم رمزا لحركة “حياة السود مهمة”، أنه كان مترددا بين المرشحين آنذاك لأنه لم ير أن أيّا منهما يلبي فعلا حاجات الناس.

ولم يكن أوسكار الوحيد الذي يحمل هذا الموقف، فقد كان الآلاف من السود يساندونه الرأي وهناك أسس موضوعية لذلك، فميلووكي، أكبر مدن ولاية ويسكونسن، تتسم باختلاط أكبر من باقي المناطق الريفية في ولاية الغرب الأوسط الأميركي، حيث يضم سكانها نحو 40 بالمئة من السود و20 بالمئة من المتحدّرين من أميركا اللاتينية.

وقد تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بتلك المدينة البالغ عدد سكانها 600 ألف نسمة، بحوالي 40 ألف صوت عن الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها باراك أوباما. وقد أثار ترامب صدمة كبرى بفوزه فيها، بعد تسجيل سلسلة انتصارات في ويسكونسن حيث تقدم بفارق أقل من 25 ألف صوت، وفي مناطق أخرى من الغرب الأوسط الأميركي.

ولكنْ الوضع الراهن بالنسبة لوالتون، الذي يعمل في جمعية لمساعدة المشردين مرتبط بكيفية تغيير الوضع. وقال إنه سيصوت في هذه الانتخابات وحتى لو أنه يعتبر أن الحزب الديمقراطي “تخلى” إلى حدّ ما عن الأميركيين السود، فهو سيختار بايدن.

ولا يثير مرشح الديمقراطيين المخضرم حماسة والتون، ولكنه يعتقد أن بإمكانه “الحفاظ على الموقع ريثما يصل شخص آخر والأمر الأكيد بنظره هو أنه لا يمكن إبقاء ترامب في البيت الأبيض لأربع سنوات إضافية لأنه “عنصري في الصميم”.

بالنظر إلى السياق التاريخي لسود الولايات المتحدة مع السياسة، يتضح أن لديهم علاقة مع أبرز حزبين في البلاد، ممثلين في الجمهوريين والديمقراطيين، ويتجلى ذلك بشكل كبير مع انتهاء الحرب الأهلية عام 1865، حيث اعتبرت هذه الشريحة من السكان ضمن الجمهوريين، فقد كان حزب الرئيس إبراهام لينكولن الجمهوري هو أول من بادر بالإعلان عن إلغاء العبودية وبداية الحرب الأهلية لتحرير العبيد.

وعقب ذلك أبدى الديمقراطيون معارضة شديدة بشأن منح أي حرية أو حقوق سياسية للسود لقرن من الزمن وذلك في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية، ولم يسمح لأي أسود بالمشاركة في المؤتمر العام للحزب حتى عام 1924.

ويؤكد المحللون أنه لولا ارتباط تشريعات الحقوق المدنية بداية بالرئيس جون كينيدي ومن بعده الرئيس ليندون جونسون الديمقراطيين لما اقترب السود من الحزب الديمقراطي في منتصف ستينات القرن الماضي، ومنذ تلك الفترة يصوت السود للديمقراطيين، وقد حصل الرئيس جونسون على أصوات 94 بالمئة من السود في انتخابات 1964، وخلال الانتخابات الأخيرة لم يصوت لترامب سوى 8 بالمئة من السود، في حين صوت 88 بالمئة منهم لصالح هيلاري كلينتون.

وتتوزع خارطة انتشار السود بشكل متفاوت، ووفق البيانات الرسمية يبلغ عدد السكان السود 43.8 مليون شخص، أي ما يعادل 13.4 بالمئة من عدد سكان الولايات المتحدة البالغ 328 مليونا.

وبينما لا تتخطى نسبة السكان السود في عدة ولايات الواحد بالمئة مثل مونتانا وأيداهو، لكنها تبلغ نحو 48 بالمئة في العاصمة واشنطن و39 بالمئة في ولاية ميسيسيبي و34 بالمئة في ولايتي جورجيا ولويزيانا و33 بالمئة بولاية ميريلاند.

ويعتقد الكثير من المحللين أن وجود نسبة كبيرة من السكان السود في تلك الولايات لا يعني بالضرورة أن يصوتوا لمرشح الديمقراطيين، حيث تلعب طبيعة التركيبة العرقية لبقية السكان دورا مهمّا في تحديد الولاية الانتخابية للمنافسين.

تتوزع خارطة انتشار السود البالغ عددهم 43.8 مليون نسمة من أصل 328 مليونا بشكل متفاوت

وتصوت ولايات الجنوب المعروفة باسم “الحزام الإنجيلي” للجمهوريين بأغلبية مريحة، وذلك رغم وجود أغلبية كبيرة من السود كما هو الحال في ولايات مثل جورجيا وميسيسبي ولويزيانا. وينطبق نفس الأمر على تكساس، التي تعتبر الولاية الأولى، من حيث عدد السكان السود البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة، أي ما يعادل 14 بالمئة من إجمالي عدد السكان.

وكدليل على الضبابية التي قد ترافق عملية التصويت بين السود، فاجأ ترامب المتابعين في الانتخابات الماضية بالحصول على أصوات ولاية تكساس بنسبة بلغت 52.3 بالمئة من إجمالي الأصوات.

وثمة نماذج من السود من يدعمون ترامب، حيث يدير لاعب كرة القدم الأميركية السابق ديفيد باون في ميلووكي، أول مكتب للحملة الجمهورية أقامه الحزب خلال الشتاء في برونزفيل، الحي التاريخي للسود بالمدينة.

ويقول بنبرة هادئة في المكتب المزين بلافتات تحمل عبارة “أصوات سوداء لترامب” لوكالة الصحافة الفرنسية، إن “ما فعله هذا الرئيس في الواقع للسود يفوق برأيي كل ما فعله أي رئيس آخر، على الأقل على ما أذكر”.

وفي سعيه لإقناع سكان الحي، يشدّد سينات على ثغرة أساسية برأيه في مسار جو بايدن، وهي العدد الكبير من السود خلف القضبان نتيجة قانون دعمه في التسعينات. كما يلفت إلى اختياره كامالا هاريس مرشحه لنيابة الرئاسة، وهي أول امرأة سوداء تُرشح لهذا المنصب، غير أن ماضيها كمدعية عامة في سان فرانسيسكو ثم في ولاية كاليفورنيا هو موضع جدل.

ويقول إن الأميركيين الأفارقة يصوتون عادة للديمقراطيين، ولا شيء يتغير، وخصوصا في الأحياء الفقيرة، لكن هذه الحجج لا تلقى الكثير من التجاوب بين السكان، وبينهم بابوني تاتوم أحد مالكي مقهى رايز أند غرايند في شيرمان فينيكس، المركز التجاري الذي أقيم لأصحاب المتاجر الصغيرة من السود بعد اضطرابات 2016 ضد عنف الشرطة.

قضية العنصرية
سعى ترامب خلال الأشهر الماضية إلى حشد الدعم اللازم لضمان انتخابه لولاية ثانية، وهو ما جعل أفراد حملته يلجأون إلى مغازلة الخزان الانتخابي للسود، لاسيما أنه يواجه إجراءات العزل التي يجريها الديمقراطيون بحقه.

ولكي يستميل الناخبين السود، أطلق الملياردير الأميركي الذي يأمل بالبقاء في الرئاسة من أتلانتا، المدينة المحملة بالتاريخ في ولاية جورجيا جنوب الولايات المتحدة، تحالف “الأصوات السوداء لترامب”.

وقالت كاترينا بيرسون العضو في فريق حملته آنذاك، إن “الأميركيين السود لم يكن لديهم يوما مدافع عنهم أفضل من ترامب”. ولكن هذه الصيغة تبدو غير مقنعة رغم تشديد رجل الأعمال السابق بلا كلل على تدني البطالة إلى أدنى مستوى بسبب أزمة الوباء.

وكان قطب العقارات قد لعب في 2016 على ورقة استياء الأميركيين الأفارقة من حزب باراك أوباما، مكررا جملة قاسية “ماذا لديكم لتخسروه”. ولم يحصد أكثر من ثمانية بالمئة من أصوات الناخبين السود، مقابل 88 بالمئة ذهبت لمنافسته هيلاري كلينتون.

ومنذ وصوله إلى السلطة لم تؤد هجماته المتكررة على القادة الأميركيين الأفارقة سوى إلى تأجيج التوتر. ومن تلك الأمثلة إطلاق ترامب سلسلة من التغريدات خلال صيف العام الماضي تنم عن عداء للنائب عن ولاية ميريلاند في الكونغرس إلايغا كامينغز الشخصية، التي كانت تعد رمزا وتتمتع بحضور قوي في الكونغرس.

ورسم ترامب حينها صورة قاتمة لبالتيمور المدينة الواقعة في ميريلاند ذات الغالبية السوداء وتحدث عن “فوضى مثيرة للاشمئزاز وانتشار الجرذان وقوارض أخرى”، معتبرا أنها “مكان خطير جدا وقذر”.

العرب