لا يخلو وجود مصطفى الكاظمي غير المحسوب ضمن معسكر الموالاة لإيران على رأس الحكومة العراقية من فرصة للقوى السياسية السنيّة لتحسين مستوى مشاركتها في العملية السياسية والحدّ من هيمنة القوى الشيعية عليها. وهي فرصة يعمل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على التقاطها بقيادته محاولة التقريب بين مواقف القيادات السنيّة وإقناعها بدعم الكاظمي.
بغداد- يقود رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي حراكا كثيفا لتوحيد مواقف القوى السياسية السنّية، بعد سنوات من التجاذبات والخلافات الداخلية والتراشق الإعلامي.
وتتشكل الخارطة السياسية السنية من ثلاثة أطراف رئيسية، هي اتحاد القوى بزعامة الحلبوسي، وجبهة الإنقاذ والتنمية بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، وتحالف المدن المحررة بزعامة خميس الخنجر، مع قوى أخرى صغيرة مثل حركة عمل بزعامة رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك.
وقفز الحلبوسي على خلافاته العميقة مع الخنجر والنجيفي والجبوري والمطلك، وعقد معهم جميعا لقاءات منفصلة خلال الأيام القليلة الماضية، لتنسيق المواقف العامة في المرحلة القادمة.
ومنذ العام 2010، عندما فازت القائمة العراقية ذات التركيبة السنية، بزعامة الليبرالي الشيعي إياد علاوي، بالمركز الأول خلال الانتخابات العامة، لم تتجمع قوى سنية للتنسيق إلا مؤقتا.
ومنذ ذلك الحين، يغلب التنافس الداخلي على القوى السنية، لتحديد المناصرين الذين يشاركون الشيعة والأكراد في الحكم. وخلال الأعوام القليلة الماضية، احتد الخلاف بين القوى السياسية السنية، وتحول إلى صراع على المناصب.
ووفقا للتقسيم الطائفي السائد في العراق منذ العام 2005، فإن رئاسة مجلس النواب هي من حصة المكون السني على أن تكون رئاسة الحكومة للشيعة، ورئاسة الجمهورية للأكراد.
القوى السنية
وصعد نجم الحلبوسي، الذي لم يكمل عامه الأربعين، بقوة في انتخابات 2018، وقاد قائمة فازت بأكبر عدد من المقاعد في المناطق السنية، ما مكنه من الترشح لرئاسة البرلمان.
واتهم الحلبوسي باستخدام نفوذه السياسي المتنامي لإقصاء خصومه السنّة ومنعهم من الحصول على مناصب مؤثرة في الدولة، لكن رئيس البرلمان يقول إنه يتعرض لضغوط شيعية وكردية، ملمحا إلى أن الشركاء يستخدمون الخلافات السياسية بين القوى السنية لتقزيم حقوق المكون.
ويقول مراقبون إن المرحلة الحالية تبدو مثالية لاجتماع القوى السياسية السنية على كلمة واحدة، بسبب تشاركها في مصالح مترابطة. ويعد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الشيعي الأول الذي يحظى بهذا الإجماع السياسي السني على دعمه.
ويتفق الحلبوسي مع النجيفي والخنجر والجبوري والمطلك على ضرورة دعم الكاظمي، الذي ينظر إليه الجمهور السني بوصفه ورقة الوقت الضائع للحد من النفوذ الإيراني في العراق.
ويقول مراقبون إنّ الساسة السنّة لا يستطيعون سوى مواكبة ميول جمهور مناطقهم نحو دعم الكاظمي الذي تعلّق عليه آمال الحدّ من النفوذ الإيراني في العراق. ويعتقد سنة العراق أن الخطر الذي يتهددهم حاليا هو النفوذ الإيراني السلبي وعمل أتباع إيران الدؤوب على اختراق مناطقهم والتأثير في مستقبلها.
ويشيع في الأوساط السياسية أن الكاظمي يتوافق مع هذه الرؤية السنية، بشرط ألا تتحول إلى مصدر استفزاز للأطراف الشيعية. وتقول مصادر سياسية إن القوى السنية يمكن أن تمثل رافعة سياسية لمشروع الكاظمي المستقبلي، الذي يمكن أن يجذب شركاء شيعة وأكرادا عدة.
وتقول مصادر سياسية، إنه فضلا عن مناقشة فرضية الاصطفاف خلف الكاظمي، تسعى القوى السنية إلى توحيد مواقفها من قانون الانتخابات، الذي شرّعه مجلس النواب، لكن ملاحقه التنفيذية ما تزال معلقة.
وتدفع بعض القوى الشيعية وفي مقدمتها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي نحو تجميد العمل بالقانون الانتخابي الجديد الذي يقر صيغة الدوائر المتعددة داخل المحافظة الواحدة، وإحياء القانون السابق الذي يعتمد المحافظة دائرة انتخابية واحدة.
وترى القوى السياسية السنية أن اعتماد صيغة الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة، سيتيح لها استعادة جزء من ثقلها السياسي الذي تضرر كثيرا بسبب تشظي لحمة السكان السنّة في بغداد وعدد من المحافظات، وعدم قدرتهم على ترجمة كتلهم التصويتية إلى مقاعد انتخابية، بسبب هيمنة الشيعة أو الأكراد على دوائر بعينها.
المرحلة الحالية تبدو مثالية لاجتماع القوى السياسية السنية على كلمة واحدة، بسبب تشاركها في مصالح مترابطة
وتقول مصادر سياسية إن التنسيق السياسي السني الداخلي لدعم خيار الدوائر المتعددة على مستوى المحافظة، سيلقى تأييدا من أطراف عدة، بينها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وتحالف عراقيون بزعامة عمار الحكيم، فضلا عن مصطفى الكاظمي نفسه، الذي يمكن أن يستفيد من هذه الصيغة في حال قرر قيادة مشروع انتخابي.
وتقول المصادر إن الدافع الثالث لتوحيد مواقف البيت السياسي السني في هذه المرحلة يتعلق بحث الحكومة على تفعيل قانون العفو العام لإخراج الآلاف من المحكومين السنة من السجون، بسبب تهم يُقال إن بعضها كيدي أو إن دوافع البعض الآخر طائفية، فضلا عن السعي لإقناع المانحين الدوليين بدعم ملف إعمار المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، وتعرضت لأضرار بالغة خلال عملية استعادتها.
ولا يتوقع المراقبون تنسيقا سنيا استراتيجيا، بقدر انتظار تفاهمات بشأن الخطوط العامة حتى موعد الانتخابات المقبلة، إذ يُتوقع أن ينفجر التنافس السياسي السني مجدّدا.
العرب