معركة الحدّ من تغوّل الميليشيات في العراق ومحاولات ترميم هيبة الدولة وبسط سيطرتها على مجالها وفرض قوانينها، لا تتلخّص، فقط، في نزع سلاح تلك التشكيلات المسلّحة ومنع تطفّلها على الشأن الأمني، ولكنها تتّسع لتشمل الحدّ من تغلغل تلك الميليشيات في مؤسسات الدولة ومنع سيطرتها على مواردها ومقدّراتها.
بغداد – اضطرت الحكومة العراقية للإسراع في إحالة عقد تنفيذ مشروع حيوي داخل مطار بغداد الدولي لشركة كويتية، بعدما كاد أن يذهب إلى إحدى الميليشيات التابعة لإيران، ما يشكل تهديدا لحركة الملاحة الجوية في البلاد.
وأعلنت شركة “ناس” الكويتية في وقت سابق أنها حصلت على عقد تحديث صالتي ركاب في مطار بغداد الدولي الذي يشهد عمليات توسعة منذ عدة أعوام، في إطار مساعي مواكبة انفتاح البلاد على العالم.
ويشتمل عقد الشركة الكويتية على التعامل مع جميع خدمات الركاب، إذ ستقوم الشركة بتجديد وتحديث البنية التحتية للمباني والمرافق. كما ستقوم بتركيب معدات وتكنولوجيا جديدة، بما في ذلك الأنظمة الآلية اللاّزمة لخدمة الركاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ووفقا للعقد الذي وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بمنحه للشركة الكويتية، فإن الأخيرة ستواصل تقديم الخدمات في مطار بغداد لمدة تسع سنوات، ما يضع المشروع ضمن مصاف الأعمال الكبيرة، نظرا لحجم الأموال الذي من المتوقع أن يرتبط به.
ولم يكن للشركة الكويتية أن تحصل على هذا العقد المربح إلاّ لأن منافسيها على صلة وثيقة بالميليشيات العراقية المسلحة التابعة لإيران، ما يمنح الملف بعدا أمنيا شديد الخطورة، ويربطه بقضية أمن البعثات الدبلوماسية الأجنبية المثير للجدل في البلاد.
وكشفت مصادر خاصة لـ”العرب” أن عقد تحديث الصالتين المذكورتين في مطار بغداد كان معدا له أن يكون من حصة ميليشيا كتائب حزب الله العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني مباشرة.
وتوضح المصادر أن الميليشيا تمكنت من اختراق سلطة الطيران المدني العراقية للوصول إلى جميع الترتيبات المتعلقة بهذا العقد قبل إحالته، وذلك بهدف ضمه إلى مجموعة العقود التي تنفذها كتائب حزب الله في المطار خصوصا وفي بغداد على وجه العموم.
أجهزة استخبارية أميركية وأوروبية حذرت العراق من سيطرة ميليشيات تابعة لإيران على أجزاء من مطار بغداد
وفعلا، أكملت كتائب حزب الله متطلبات إحالة العقد على إحدى شركاتها في المطار قبل شهور، لكن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي يتابع هذا النوع من الملفات بدقة، منع استكمال الإجراءات، موجها بتجميد المشروع أو البحث عن منفّذ بديل. وعندما أيقنت ميليشيا كتائب حزب الله أن الكاظمي لن يسمح برسو هذا العقد عليها، بادرت ببيعه من الباطن إلى شركة يملكها رجل أعمال عراقي يدعى أحمد أسد.
ونظرا للنفوذ الهائل الذي تتمع به ميليشيا كتائب حزب الله وسطوتها الأمنية الرهيبة، فإنه من المستحيل أن تتعرض لمنافسة داخلية من أي جهة، لأنها ستعمد إلى تدميرها فورا.
وتقول المصادر إن ميليشيا كتائب حزب الله، وهي تشكيل عسكري غير نظامي أسسه أبومهدي المهندس الذي قتل مع الجنرال الإيراني الشهير قاسم سليماني في غارة أميركية وهما يهمان بمغادرة مطار بغداد مطلع العام الجاري، عندما علمت باقتراب شركة أحمد أسد من الحصول على عقد تحديث الصالتين، عادت وطلبت أن تكون شريكا سريا له.
ولم يكن أمام أسد فرصة للممانعة أو الاعتراض، لأن ميليشيا كتائب حزب الله ستصفيه على الفور، لذلك وافق سريعا على طلبها، لكن الاعتراض جاء من الكاظمي مجددا.
وقالت المصادر إن الكاظمي أبلغ سلطة الطيران المدني في العراق، بأنه لن يسمح لميليشيا خارجة عن القانون بالسيطرة على جزء من مطار بغداد لمدة تسع سنوات، محذرا من أن هذه الميليشيا تشكل تهديدا مباشرا لحركة الملاحة الجوية عبر المطار.
وأوضحت المصادر أن العراق تلقى إشارات من أجهزة استخبارية أميركية وأوروبية تحذر من سيطرة ميليشيات تابعة لإيران على أجزاء من مطار بغداد، ما يحوله إلى وجهة غير مرغوب فيها لدى المسؤولين والدبلوماسيين في العديد من البلدان.
ولم يكن لدى الحكومة العراقية ما يكفي من الوقت للبحث عن شركات بديلة، إذ أن أعمال التحديث كانت ملحة، لذلك ذهب العقد مباشرة إلى الشركة الكويتية.
وتقول المصادر إن المنافسة كانت شبه معدومة خلال عملية الإحالة، إذ أن ميليشيا كتائب حزب الله كانت قد منعت الشركات المحلية من التقدم لهذا المشروع، لأنها تريد احتكاره، في حين لم يكن هناك الكثير من المنافسين الخارجيين المحتملين، نظرا لصعوبة الفوز بهذا النوع من العقود في بغداد.
وتقول المصادر إن المعركة الخفية التي دارت حول عقد تحديث مطار بغداد تمثل جزءا من جبل الجليد في ملف هيمنة الميليشيات التابعة لإيران على أكبر المشاريع المربحة في العراق، بينما يشكل مطار بغداد محطة في غاية الأهمية للمشروع الإيراني في العراق.
وبينما يقدم العمل الاستثماري ضمن مطار بغداد فرصا عالية جدا للتربح المالي، فإنه يسمح لميليشيا كتائب حزب الله بمراقبة حركة الدخول والخروج الدولي من وإلى بغداد، بما في ذلك مراقبة الحركتين العسكرية والدبلوماسية الأميركية في العراق.
وتشكل هذه الفائدة المركّبة حافزا كبيرا لميليشيا كتائب حزب الله للاندفاع بقوة نحو احتكار عقود معظم مشاريع مطار بغداد منذ زمن حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، الذي سمح للمشروع الإيراني بالتوغل بشكل غير مسبوق في العراق.
وتقول المصادر إن الميليشيات التابعة لإيران جنت أرباحا بملايين الدولارات من عقود حصلت عليها بطريقة مشبوهة خلال ولاية عبدالمهدي، لكن مصطفى الكاظمي بادر إلى تجميد وإيقاف العديد منها منذ توليه مهام عمله.
العرب