من يعود من بوابة عرعر، العراق إلى السعودية أم العكس؟

من يعود من بوابة عرعر، العراق إلى السعودية أم العكس؟

بغداد – تعطي إعادة فتح معبر عرعر الحدودي بعد نحو ثلاثة عقود من إغلاقه الفرصة للعراق كما السعودية لبناء علاقات اقتصادية متينة وتبديد الجفوة التي تستفيد منها إيران والميليشيات الحليفة لها لعزل العراق عن عمقه العربي.

وتساءلت مصادر سياسية عراقية بعد فتح المعبر “هل يكون معبر عرعر فرصة لعودة السعودية إلى العراق أم العكس، حيث تجد بغداد في العلاقة مع السعوديين فرصة لتقليص الضغوط الإيرانية”.

وجرت مراسم الافتتاح بحضور وزير الداخلية عثمان الغانمي ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبدالأمير الشمري ورئيس هيئة المنافذ الحدودية اللواء عمر عدنان الوائلي ومحافظي الأنبار وكربلاء وقائدي شرطة الأنبار والحدود.

ومثل الجانب السعودي السفير السعودي في العراق عبدالعزيز الشمري وعدد من المسؤولين الحكوميين.

وقال الشمري إن العلاقات بين السعودية والعراق ظلت مقطوعة لنحو 27 عاما وأن البلدين يحتفلان الآن بإنجاز يتناسب مع العلاقات بينهما.

وأضاف “نرحب بجميع السلع العراقية المصدرة للمملكة العربية السعودية من خلال هذا المنفذ، سيتم تبادل الزيارات بين البلدين”.

وعلمت “العرب” من مصادر حكومية عراقية أن السعودية تكفلت بتأهيل جانبي الممر، ولم تكتف بتأهيل جانبها من المعبر فحسب.

وقالت المصادر إن الرياض تعاملت مع ملف المعبر عرعر بجدية كبيرة، إذ دارت المباحثات بشأنه مع الجانب العراقي بشكل منفصل عن حزمة ملفات أخرى يخوض فيها الطرفان منذ سنوات، دون إحراز تقدم كبير.

وتأتي هذه الخطوة كتتويج لسلسلة من الإشارات الإيجابية لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الهادفة إلى الاقتراب أكثر من السعودية ومن ورائها بقية الدول الخليجية والعربية، لإحداث توازن مع النفوذ الإيراني المتزايد في العراق حتى باتت الميليشيات الموالية لطهران تتهمه بالارتهان للسعودية والولايات المتحدة.

وكانت أول زيارة خارجية مقررة للكاظمي بعد توليه منصبه في مايو، إلى الرياض لكنها ألغيت في اللحظة الأخيرة بسبب مشاكل صحية تعرض لها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حينها.

وفي المقابل، كانت السعودية تستجيب لرسائل الكاظمي بحذر في ظل مقاربة تقوم على التريث في الانفتاح على عراق واقع بشكل شبه كامل تحت نفوذ إيران وأذرعها وفي ظل حملات شيطنة للمملكة ودورها الإقليمي.

ويقول متابعون إن السعودية تحتاج إلى إدراك أن الكاظمي قد يكون فرصتها الأخيرة لتعويض انسحاب كامل من الشأن العراقي على مدى ثلاثين عاما وتقديم العراق على طبق من فضة لإيران مثلما قال وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل.

ولا تزال الرياض متردّدة في الدخول في شراكة اقتصادية مع العراق ورصد أموال للاستثمار على أرضه مخافة أن تذهب أموالها إلى جيوب جهات معادية لها، لكون البلد لا يزال ساحة نفوذ لإيران وتتحكّم فيه قوى سياسية موالية لطهران، وهو ما يحيل السعوديين على التجربة اللبنانية حيث ظل لبنان على مدى عقود يتلقّى مساعدات من المملكة يستفيد منها حزب الله وإنْ بطريقة غير مباشرة.

ولا تمتلك السعودية فرصة لإعادة العراق إلى محيطه العربي بشكل دائم ما لم تتبن نهجا جديدا يقوم على المجازفة واستثمار فرص التراجع الإيراني تحت الضغوط الأميركية، خاصة أن العراق سيكون لها بمثابة الضرورة في ظل تراجع التأثير السعودي في لبنان لصالح إيران، وتضاؤل نفوذ الرياض في سوريا، والأثمان الباهظة التي كلّفتها الحرب التي تقودها ضد الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران في اليمن.

وتعمل الرياض على استمالة العراق في إطار مسعى لوقف تزايد نفوذ إيران في المنطقة، بينما يسعى العراق للاستفادة اقتصاديا من تعزيز العلاقات مع جارته الجنوبية.

ويعتقد مراقبون في بغداد أن هذا التطور سيخدم مصالح السعودية أكثر من العراق؛ ففي النهاية، لا ينتج العراق شيئا يمكن أن تشتريه السعودية. كما يشعر العديد من الساسة السنة في العراق بأن انفتاح السعودية على بلادهم من شأنه أن يمنحهم زخما كبيرا في مواجهة تغول النفوذ الإيراني.

وزار وفد سعودي رفيع المستوى الأسبوع الماضي بغداد حيث اجتمع مع مسؤولين عراقيين، وسبقت ذلك زيارة من قِبل وفد عراقي مماثل إلى السعودية.

ويعود التقارب بين البلدين إلى عام 2015 عندما أعادت الرياض فتح سفارتها في بغداد بعد انقطاع دام 25 عاما.

وأثار فتح المعبر وبشكل واضح، حفيظة الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران التي تتهم السعودية بمحاولة “استعمار” العراق تحت ستار الاستثمارات.

ورفض بيان صادر عن فصيل شُكّل حديثا بشدة التقارب بين العراق والسعودية، أكبر قوة سنية في المنطقة.

وهدد البيان الصادر عن “أصحاب الكهف” بأن “استخبارات المقاومة الإسلامية (محور الفصائل الموالية لإيران) تتابع بدقة كل حركة للعدو السعودي على الحدود العراقية وكذلك الاتصالات الهاتفية بين الأمير محمد بن سلمان ومصطفى الكاظمي”.

لكن الكاظمي دافع عن الخطوة، وقال خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء “هناك من يروّج لكذبة الاستعمار السعودي! وهذا عيب، وعيب على من يقول إن هناك استعمارا في بلده. فالعراقي لا يقبل الضيم ولا يقبل بأن يتحكّم به أجنبي”.

وأضاف “هل تحوّل الاستثمار إلى استعمار؟ وهل إيجاد مئات الآلاف من فرص العمل لأبنائنا عن طريق الاستثمار يعد استعمارا؟”.

ويقول النائب عن اتحاد القوى، أكبر الكتل السنية في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي إن “افتتاح منفذ عرعر الحدودي وفتح آفاق الاستثمار والتعاون مع السعودية هي بداية مباركة وخطوة صحيحة للحكومة في هذه المرحلة”، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تعزز عودة العراق “إلى الحضن العربي بعيدا عن مزايدات المشككين في تلك الاتفاقيات لخدمة أجندات أضعفت وأفسدت البلد لتحقيق مصالحها”.

وأضاف أن “الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السعودية ودول الخليج هو الأمر الصحيح وهو الخطوة التي ينبغي للحكومة المضي بقوة فيها بعيدا عن الأبواق مدفوعة الثمن التي تريد التشكيك فيها”.

ويقع منفذ عرعر الحدودي في محافظة الأنبار التي تمتد في غرب وجنوب غرب العراق، وتشترك بحدود مع الأردن وسوريا والسعودية. وتهدف الخطوة إلى السماح بمرور البضائع والمسافرين، ما يعني بوابة أخرى للواردات التي تدخل العراق الذي يستورد حاليا القسم الأكبر من حاجاته من إيران، ثاني أكبر بلد من حيث التبادل التجاري مع العراق.

وكان منفذ عرعر خلال السنوات الماضية يفتح فقط أمام مرور الحجاج العراقيين المتوجهين إلى مكة لأداء مناسك الحج.

ويسعى البلدان أيضا إلى إعادة فتح معبر الجميمة، وهو منفذ بري ثان في جنوب العراق.

ويشترك العراق بحدود مع سوريا والأردن من الغرب وتركيا من الشمال وإيران من الشرق والسعودية والكويت من الجنوب.

العرب