مخاوف في العراق من تصعيد الميليشيات الشيعية في ذكرى مقتل قاسم سليماني

مخاوف في العراق من تصعيد الميليشيات الشيعية في ذكرى مقتل قاسم سليماني

العراق يواجه مجدّدا مخاطر الصراع الذي تخوضه طهران ضد الولايات المتحدة عن طريق أذرعها العراقية المسلّحة، وذلك مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد، حيث ما تنفكّ طهران تهدّد بالانتقام لمقتل جنرالها، فيما الميليشيات الشيعية العراقية التابعة لها ما تنفك تظهر استعدادها لتنفيذ ذلك التهديد على أرض العراق في عملية مقامرة بأمنه وسلامة مواطنيه.

بغداد – دعا وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري الحكومة العراقية للاستعداد لأسوأ السيناريوهات جرّاء تصعيد محتمل قد تُقدم عليه الميليشيات الشيعية في إطار حرب تصفية الحسابات ضدّ الولايات المتّحدة التي تخوضها وكالة عن إيران.

وقال زيباري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سبق له أيضا أن شغل منصب وزير المالية في الحكومة الاتحادية العراقية، إن “الهجمات الصاروخية على السفارة الأميركية في بغداد هي تصعيد خطير من قبل الميليشيات المسلحة الجامحة”، مضيفا أن “الأسوأ سيأتي في الذكرى الأولى لقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس في 3 يناير 2019”. كما دعا الحكومة العراقية إلى أن “تكون مستعدة لأسوأ سيناريو”.

وقال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في وقت سابق هذا الأسبوع إن بلاده ستثأر من قتلة سليماني ميدانيا، مضيفا “نحن على يقين من أن أبناء العراق سيثأرون لدم المهندس”.

ووفقا لتعليق زيباري، الذي يوصف بأنه أحد المطلعين على دقائق الأمور في العراق، فإن إيران تحضر لمفاجأة في الذكرى السنوية الأولى للعملية الأميركية التي أسفرت تصفية قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والقائد الميداني لقوات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة قرب مطار بغداد مطلع 2019.

وتقول مصادر على صلة بالميليشيات الشيعية التابعة لإيران إن استخدام صواريخ يُحدث انفجارها دويا شديدا خلال هجوم على السفارة الأميركية في بغداد مساء الثلاثاء، كان اختبارا تحضيريا لهجمات أشد.

وبدأت الميليشيات العراقية التابعة لإيران في الانتقال من مرحلة تغليف علاقتها مع طهران بالسرية إلى مرحلة المجاهرة بهذه العلاقة والعمل على الاستفادة منها إلى أقصى الحدود في إرهاب شركاء العملية السياسية من باقي المكونات.

وترفض تلك الميليشيات أن تصغي للسنة والأكراد الذين يعتقدون أن الإصرار على معاداة الولايات المتحدة سيضر بمصالح العراق كثيرا.

ولم يعد سرا أن السنة والأكراد يتساءلون عن سبب بقائهم ضمن دولة تسمح للميليشيات بضرب مقرات البعثات الدبلوماسية يوميا، وتقود اقتصاد البلاد نحو الدمار وتورطها في أزمات داخلية مستمرة ونزاعات خارجية بلا نهاية.

وتتبع الميليشيات العراقية الموالية لإيران تكتيكا مراوغا في التعاطي مع تداعيات عمليات القصف التي تنفذها ضد المصالح الأميركية في العراق، يقوم على نفي صلتها بأي هجوم يتسبب في سقوط ضحايا.

ونفذت الميليشيات التابعة لإيران مساء الثلاثاء هجومها الأعنف على السفارة الأميركية منذ شهور، منهية “هدنة” غير معلنة استمرت عدة أسابيع.

وتقصف تلك الميليشيات السفارة الأميركية في بغداد بانتظام، لكنها لا تتبنى هذه العمليات رسميا خشية الرد الأميركي والغضب الشعبي الداخلي. لذلك أنشأت أذرعا وهمية عديدة، مهمتها تبني عمليات القصف على السفارة الأميركية.

وضجت المواقع التابعة للميليشيات في العراق مساء الثلاثاء فرحا بخبر قصف السفارة الأميركية في بغداد، محتفلة باستخدام نوعية جديدة من الصواريخ تدخل العمليات لأول مرة في إشارة إلى تطويرها حديثا في إيران.

وأعلنت ميليشيا “أهل الكهف” التي شكلتها ميليشيا “النجباء” بقيادة أكرم الكعبي حديثا مسؤوليتها عن هجمات الثلاثاء، مشيرة إلى أنها جاءت ردا على اعتقال الجيش الأميركي لثلاثة من عناصرها في مدينة الفلوجة التي تقع على بعد نحو 50 كيلومترا غربي بغداد.

واستمرت التغطية الإعلامية الاحتفالية في وسائل إعلام الميليشيات الشيعية نحو ساعتين، قبل أن يُغلق الملف فجأة بعد أن أعلنت خلية الإعلام الأمني الحكومية مقتل طفلة وجرح خمسة جميعهم من المدنيين العراقيين، جرّاء سقوط صواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد.

وعندما شرحت الخلية تفاصيل الهجوم الصاروخي تبين أن الصواريخ السبعة أخطأت أهدافها جميعا.

ووفقا للإعلان الرسمي، فإن أحد الصواريخ سقط في حديقة الزوراء المجاورة للمنطقة الخضراء، فيما سقط آخر قرب وزارة الصحة في منطقة الباب المعظم، البعيدة جدا عن موقع السفارة الأميركية.

وبمجرد بدء مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بالتفاعل مع أنباء سقوط ضحايا في الهجوم على السفارة الأميركية، تراجعت الميليشيات الشيعية عن احتفالها، وبدأت في طرح سيناريوهات غير منطقية هادفة للتملّص من عملية القصف التي أسقطت مدنيين.

وأول هذه السيناريوهات هو أن الضحايا العراقيين لم يسقطوا بسبب الصواريخ بل بنيران الدفاعات الجوية الأميركية التي انطلقت لصد الهجوم الصاروخي.

أما السيناريو الثاني فدار حول “مؤامرة” يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسمح له بالبقاء في السلطة برغم خسارته الانتخابات أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن.

ويروّج إعلام الميليشيات في العراق حاليا لفكرة أن ترامب هو من وجه بقصف سفارة بلاده في بغداد ليجرّ الإيرانيين إلى نزاع مسلح يبقيه في السلطة أطول مدة ممكنة. ويقول مراقبون إن محاولة الميليشيات الشيعية التابعة لإيران تحصين نفسها من تداعيات قصفها العشوائي للمصالح الأميركية في العراق، ترتد عليها وعلى نفوذ طهران وصورتها لدى العراقيين.

وتدل على ذلك نبرة السخرية المنتشرة في أوساط الجمهور الشيعي العراقي من عمليات القصف ومن الارتباك في التعاطي معها ونفي الصلة بما يقع بسببها من ضحايا.

ولم تعد تبريرات الميليشيات تلقى أي اهتمام من قبل العراقيين، ولاسيما الشيعة منهم، بسبب مراوغتها الواضحة وتناقضاتها الصريحة. كما لم تعد أخبار تبعية هذه الميليشيات لإيران وتلقيها الأوامر والتوجيهات منها بالأمر الغريب في العراق، إذ يتعامل معظم العراقيين مع هذه المجموعات بوصفها ذيولا لدولة أخرى.

ومساء الأربعاء، رعى السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي حفل تجديد البيعة لهادي العامري زعيما لمنظمة بدر. وتداول مدونون هذا الخبر بوصفه دليلا غير نادر على وجود عراقيين يعتقدون أن قادتهم وزعماءهم يقيمون في إيران وليس في العراق.

وتساءل آخرون عن أسباب سماح العامري الذي يقود تكتلا من نحو 50 نائبا في البرلمان العراقي لسفير دولة أخرى في بغداد أن يقود حفل تجديد البيعة له زعيما لميليشيا جرى الإعلان عن تفكيكها قبل أعوام.

العرب