يشهد سوق أجهزة الإنذار والمراقبة وشركات الأمن الخاصة وحتى الخزائن الحديدية ازدهارا كبيرا على خلفية المخاوف من موجة سرقات واسعة تشهدها العديد من الدول العربية وتترافق مع ارتفاع معدلات الفقر بالإضافة إلى الانفلات الأمني.
بيروت – انتعش سوق الخوف داخل المجتمعات العربية بعد الارتفاع المهول لمعدل الجرائم بشكل عام في العام 2020، خصوصا القتل والسرقة مقارنة مع السنوات الماضية، مما أدى إلى ازدهار سوق الأمان الذاتي المتمثل في أجهزة الإنذار والمراقبة وشركات الأمن الخاصة وحتى الخزائن الحديدية.
وأدت التفاعلات الاجتماعية بين مَن يعيشون في مناطق آمنة وغيرهم ممن يعيشون في مناطق تنتشر فيها الجريمة، إلى الشعور المتزايد بالخوف من تعرضهم لهكذا أعمال إجرامية على الرغم من أن الجريمة ظاهرة نادرة في محيطهم.
ومن جانبها، ابتكرت مجموعات الجريمة، المعروفة بانتهازها لأي فرص جديدة، سبلا متطورة في كيفية الاحتيال على مواطنين المصابين برهاب الخوف.
سياقات معتلّة
سجلت المؤشرات الأمنية لحوادث سرقة السيارات والسرقة وجرائم القتل ارتفاعا كبيرا في لبنان خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019 .
وارتفع صافي عدد السيارات المسروقة منذ بداية العام وحتى نهاية شهر سبتمبر 2020 بنسبة 129 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019. وفي مقارنة بين شهري سبتمبر 2019 وسبتمبر 2020 سجلت ارتفاعا بنسبة 177 في المئة.
وسجلت حوادث السرقة ارتفاعا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2020 بنسبة بلغت 53.2 في المئة. وفي مقارنة بين شهري سبتمبر 2019 وسبتمبر 2020 فقد بلغت نسبة الارتفاع 93.8 في المئة.
كما ارتفعت عدد جرائم القتل خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 بنسبة 100 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2019. وفي مقارنة ما بين شهري سبتمبر 2019 و2020، فقد بلغ الارتفاع نسبة 62.5 في المئة.
وتلوح الأجهزة الأمنیة “عاجزة” عن سد ھذه الثغرات الأمنية الخطیرة ونتیجة لھذا الانفلات الأمني الذي بدأ یخرج عن السیطرة يشھد لبنان على غرار العديد من الدول العربية الأخرى التي لا تختلف فيها الأوضاع كثيرا، قیام مواطنین إما مجموعات أو أفرادا بتأمین الحمایة الذاتیة لمناطقھم وأملاكھم الخاصة.
وقد ظھر ذلك جلیا عبر الھجوم الكبیر على شراء أجھزة الحمایة من كامیرات وأجھزة إنذار.
مخابر الشرطة القضائية تستخدم تسجيلات كاميرات المراقبة، ضمن قائمة الأدلة الجنائية الأساسية في قضايا السرقة والقتل
ويفسّر اتجاه المواطنين إلى شراء أجھزة الحمایة بمختلف أنواعها ولو بأسعار مرتفعة، البحث عن الأمان الذاتي خصوصا مع أزمة المصارف وقیام المواطنین بسحب أموالھم ووضعھا في المنازل.
وترجّح مصادر أمنية لبنانية أن حجم الأموال في البیوت یتخطى الخمس ملیارات دولار، مشيرة إلى أن سوق الأسلحة یشھد إقبالا كبیرا من المواطنین على شراء بنادق كلاشنيكوف أكثر من المسدسات، إضافة إلى الإقبال على شراء أجھزة الإنذار أكثر من الكامیرات كونھا ترهب السارق وتخيفه وتدفعه إلى الھرب. وتختم المصادر بأن الأمور تتجه نحو الأسوأ نتیجة للظروف الاقتصادیة والاجتماعیة الراھنة.
ويقول رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وعالم الاجتماع مهدي مبروك، إنه “لو تم وضع هذه الجرائم تحت مخبر العلوم الإنسانية والاجتماعية، لوجدناها تشير بشكل واضح إلى السياقات المرضية المعتلّة خصوصا أنها تأتي في سياق اقتصادي وفر ظروفا ملائمة لانتشار الجريمة وبيئة حاضنة لها”. وبيّن مبروك أن “أغلب جرائم السرقة يقوم بها أفراد جاؤوا من أحياء فقيرة في حين أن أبناء الطبقات الميسورة والمرفهة يرتكبون جرائم تحيّل اقتصادي”.
وشدّد على أن السلطة بتفتتها وعجزها على إنفاذ القانون وأن تكون حكما بين الجميع، ساهمت في تفاقم ظاهرة الجريمة مما كرّس أن فكرة القانون والدولة القادرة على تحقيق العادلة لم تعد سائدة في المجتمع.
وأكد عالم الاجتماع أن المقاربة القانونية بمفردها ستظل عاجزة عن مكافحة تطور الجريمة، مضيفا أن الإصلاح التربوي والخطاب الإعلامي بإمكانهما تغيير البيئة من حاضنة إلى بيئة تخفف وتردع كل نزعات وسلوكيات تؤدي إلى الاعتداءات على الآخرين.
وسبق لدراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا” في نهاية أغسطس الماضي، أن حذرت من أنه “قد يتعذّر على نصف السكان في لبنان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية بحلول نهاية عام 2020”.
ويقول مراقبون إن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى أننا مقبلون على موجة استثنائية من السرقات بعنوان “صراع البقاء”.
وتتوقَّع “إسكوا” أيضا في تقرير لها ارتفاع معدل الفقر في الدول العربية إلى 32.4 في المئة في العام 2020، وسيصل عدد الفقراء في العام 2021 إلى حوالي 116 مليون نسمة يقيم أكثر من 80 في المئة منهم في مصر، اليمن، سوريا والسودان.
ومن المتوقَّع أن تؤدِّي جائحة كورونا إلى رفع نسبة الفقر المدقع في الدول العربية لتصل إلى 33.3 في المئة، أي ما يعادل 9.1 ملايين شخص عند خط الفقر المحدَّد بـ1.9 دولار أو أقل في اليوم في عام 2021.
يقول عامل في أحد المحلات الخاصة ببيع أجهزة الإنذار في العاصمة المصرية القاهرة، إن هناك إقبالا غير مسبوق على تلك الأجهزة، خاصة أجهزة الإنذار، مشيرا إلى أنه “رغم ارتفاع أسعار تلك الأجهزة، إلا أن حالة الانفلات الأمني دفعت العديد من المواطنين إلى الإقبال على شراء تلك الأجهزة، خاصة أجهزة الإنذار كإحدى وسائل الاستغاثة السريعة وغير المرئية”.
وأضاف أن هناك حالة من الخوف والفزع أصبحت تجتاح معظم أرجاء الشارع المصري، مؤكدا أن تلك الأجهزة تعتبر وسيلة استغاثة لصاحب المنشأة أو وسيلة تخويف للبلطجي أثناء عمليات السطو المستمرة.
وكشف عدد من التقنيين المختصين في تركيب أجهزة المراقبة الإلكترونية وأصحاب شركات بيع معدات وخدمات السلامة والحماية أن التونسيين أصبحوا يقبلون بكثافة على اقتناء وتركيب كاميرات المراقبة سواء في المنازل أو في الشركات والمؤسسات لعدة أسباب لعل أهمها تفشي ظاهرة السرقة خلال الفترة الأخيرة.
وبين خالد القليبي، مختص في بيع وتركيب أجهزة المراقبة والحماية، أن التونسيين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية أصبحوا يركزون إنذارا ومراقبة سواء في منازلهم أو حتى في محلاتهم التجارية مهما كانت كبيرة أو صغيرة. وأضاف أن هناك إقبالا واضحا على كاميرات المراقبة بلغ حدّ الهوس. واعتبر بائع آخر أن الموظفين أصبحوا أكثر حرصا على تركيب كاميرات بمنازلهم وربطها بهواتفهم الجوالة عبر تطبيقات خاصة لتتسنى لهم معرفة ورؤية ما يحدث في منازلهم أو أمامها في غيابهم. وتابع أن التونسيين أصبحت لديهم “ثقافة الأمان الذاتي. ولم يعودوا يتركون كل شيء للصدفة. بل صاروا يتحلون بوعي جديد. ويرغبون دائما في أن يكونوا مطمئنين على منازلهم أو محلاتهم”.
وينظر القضاء التونسي، وفق صحف محلية، في 1448 قضية سرقة شهريا أي بمعدل 48 قضية يوميا، وفق آخر إحصائية أجرتها وزارة العدل.
وفي الجزائر، على غرار البلدان العربية الأخرى، باتت مخابر الأدلة الجنائية للشرطة القضائية تستخدم العشرات من التسجيلات لكاميرات المراقبة، وهي إما تسجيلات لسرقات أو جرائم قتل، أو اعتداءات بالضرب أو بالسب والشتم، أو تهديدات، حيث أكد محامون أن تقنيات تكنولوجيا الإعلام والاتصال باتت حتمية في قائمة الأدلة الجنائية، وأن كاميرات المراقبة كإحدى هذه التقنيات، لجأ إليها القضاء الجزائري في الكثير من القضايا أكثرها السرقات.
وكشفت المحاكم الجزائرية مؤخرا عن انتشار استغلال كاميرات المراقبة من طرف الخواص سواء في البيوت والفيلات والمتاجر، أو قاعات الشاي والمقاهي، كدليل لضبط السارق أو مرتكب جريمة قتل أو اعتداء لفظي أو جسدي.
ومن جانبه اعتبر الباحث في مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية في العاصمة التونسية سامي براهم أن النزوع نحو الإجرام هو نتاج طبيعي لاضطراب القيم في المجتمع وتراجع دور المراجع القيمية في سياق مجتمعي يشهد تحولات اجتماعية.
وشدّد براهم على أن المجرم هو آخر حلقة في العملية الإجرامية وهو أداة تنفيذ لجريمة المشاركون فيها كثر بما في ذلك الأسرة. وأضاف أن عدم معاجلة الانكسارات المتتالية لدى الفرد سيؤدي بالضرورة إلى نزوعه نحو العنف والإجرام.
ومن جانبه أكّد رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية رضوان المصمودي، وجود خلل في فهم دور الدولة وتحميلها دائما المسؤولية ومطالبتها بالتحرك والتغيير، معتبرا أن هذا الفهم خاطئ سواء إذا ما تعلق الأمر بدور الدولة أو دور المجتمع أو كذلك دور الفرد، مصرحا بأن 80 في المئة من الإصلاح مهمة المجتمع.
تنتشر الآن الكاميرات بشكل متزايد في العديد من البلدان؛ وقد يبدو استخدام هذه التقنية مبررا كونها تساعد في تطبيق القانون وتعقّب المجرمين وجعل حياة المواطنين العاديين أكثر أمانا.
ووفقا لدراسة أجراها موقع “Compareitech” البحثي، فإن العاصمة العراقية بغداد تحتل المرتبة الأولى عربيا من حيث عدد كاميرات المراقبة، إذ تحتوي بغداد على 120 ألف كاميرات مراقبة، وهو ما يعادل تقريبا 16800 كاميرا لكل مليون شخص.
وفي المرتبة الثانية جاءت الدار البيضاء في المغرب بـ2850 كاميرا، أي ما يعادل 760 كاميرا لكل مليون شخص. أما العاصمة السودانية الخرطوم فتأتي في المرتبة الثالثة بـ4000 كاميرا وهذا ما يعادل 690 كاميرا لكل شخص. وفي حين جاءت كل من القاهرة والرياض في المرتبتين الرابعة والخامسة على التوالي بـ40 و20 كاميرا لكل مليون شخص. ولاحظ الباحثون في العديد من التجارب التي أجروها، أن التغييرات التي تحدثها المراقبة الدائمة للناس لا تغير ما يفعلونه فحسب، بل تغير أيضا الكيفية التي يفكرون بها.
ووجد الباحثون تحديدا أن الناس عندما يعلمون أنهم مراقبون، فإنهم يرون أنفسهم وينظرون إليها من خلال عيون المراقب أو من خلال عدسة الكاميرا على سبيل المثال.
ومن خلال تبني وجهة نظر المراقب، بالإضافة إلى منظورهم الخاص، ينظر الناس إلى أنفسهم كما لو كانوا تحت عدسة مكبرة. ونتيجة لذلك، فإن الأفعال التي يقوم بها الناس تبدو أنها مكبرة.
ورغم ذلك لا يزال الكثيرون يعتبرون أن كاميرات المراقبة تمثل انتهاكا للخصوصية. وأكد مصدر من الهيئة التونسية لحماية المعطيات الشخصية أن نحو 60 في المئة من الملفات المحالة على وكيل الجمهورية تتعلق بخروقات حول تركيز كاميرات مراقبة دون الحصول على التراخيص أو استغلالها بطرق غير قانونية في عدة محلات تجارية أو مؤسسات أو منازل، معتبرا أن تفاقم ذلك يعود إلى عدم تطبيق قانون 2004 كما ينبغي، إلى جانب عدم تضمّن المشروع عقوبات ضد المخالفين لأحكام القانون.
وكشف المصدر عن وجود شكاوى محالة منذ سنتين ولم يتم البت فيها، مما يحدّ من فعاليته. وأوضح أن عدد التراخيص لتركيز كاميرات مراقبة لا يتجاوز 2300 ترخيص، في حين يقدّر عدد الكاميرات التي تم تركيزها فعليا بمئات الآلاف.
وأشار إلى أنّ مضمون الشكاوى يتعلق بتوجيه كاميرات مراقبة نحو منازل دون ترخيص أو أماكن خاصة بمحلات تجارية والتي يتم نشرها على الإنترنت في خرق واضح للقانون والحريات الشخصية.
واعتبر أن بطء النظر في القضايا المحالة على القضاء هو ما يدفع بالكثيرين إلى خرق القانون والاستهتار باستعمالات كاميرات المراقبة.
ومن الخروقات المسجلة أيضا أن بعض الكاميرات ممنوعة، حسب القانون وهي تلك التي تعطي القدرة على رؤية ما لا تراه العين المجردة، ما يعد انتهاكا لخصوصية الآخرين.
وأوضح شوقي قداس، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، أن القانون التونسي يعاقب بالسجن 8 أشهر، لكل من يقوم بتركيب كاميرا مراقبة مطلة على الطريق العام لانتهاكها للمعطيات الشخصية للمواطنين.
العرب