واشنطن- يعكس التزام الولايات المتحدة من خلال دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل، والذي عبرت عنه جميع الإدارات الأميركية وحتى الكونغرس، تقليدا قديما، لكن فوز الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بالرئاسة سيجعل إدارته تعمل على إحلال التوازن وخاصة في المجال الدفاعي مع بقية حلفاء الشرق الأوسط.
ويتخذ الدعم الأميركي لإسرائيل أشكالا متعددة والذي طالما ساعد حليفتها الرئيسية بالمنطقة على أن تكون متفوقة عسكريا، بيد أن الوضع مختلف الآن مع “اتفاقات أبراهام” التي تضع أسسا جديدة لمواجهة التهديدات الإيرانية، وفي نفس الوقت إحلال السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ويتراوح التعاون بين المساعدة المالية والعسكرية لشراء أنظمة الأسلحة كجزء من مذكرة التفاهم بين الطرفين، فضلا عن التطوير والإنتاج المشترك لأنظمة الدفاع الصاروخي وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وكذلك إجراء مناورات عسكرية مشتركة وأيضا التمركز المسبق للمعدات العسكرية الأميركية على الأراضي الإسرائيلية.
شهد التاريخ السياسي الإقليمي تغييرات متعددة في الأنظمة في السنوات الأخيرة، وقد تصبح الحكومات البراغماتية اليوم عدائية غدا
ورغم علاقة الفتور، التي سبقت دخول بايدن للبيت الأبيض في نهاية الشهر المقبل، إلا أن المحلل الإسرائيلي يائير راماتي، الذي ينشر أبحاثا في معهد ميريام، يعتقد في تقرير نشره موقع “ديفنس نيوز” الأميركي، أنه من أجل ضمان بقاء التعاون قويا في المستقبل المنظور، ستحتاج كل من إسرائيل والولايات المتحدة إلى مواجهة العديد من التحديات الناشئة وأهمها إيران.
وتثير طموحات إيران للهيمنة في الشرق الأوسط بعد رفع الحظر الدولي عنها في أكتوبر الماضي، سباق تسلح أوسع بين المحور الشيعي الذي تقوده في العراق وسوريا ولبنان، من جهة، ودول خليجية من جهة أخرى، وهذا الوضع يهدد التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
ويرى راماتي، وهو مدير سابق لتطوير وإنتاج وتسليم أنظمة الدفاع الصاروخي في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن التحدي الإضافي هو الحجم الهائل للصفقات الدفاعية التي تمت في الشرق الأوسط منذ بداية القرن الحادي والعشرين، والتي بلغت مئات المليارات من الدولارات.
أما العامل الآخر، فيتمثل في ظهور قوى أخرى تحاول دخول سباق التسليح، ففي حين أن الولايات المتحدة لا تزال المورد الرئيسي لأنظمة الأسلحة للمنطقة، فإن الصناعات الدفاعية الأوروبية والروسية والصينية أصبحت من أكثر الموردين البارزين لدول الشرق الأوسط.
يائير راماتي: الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة لمواجهة تهديد إيران
وتضم الأنظمة التي تبيعها هذه الدول العناصر التي رفضت الولايات المتحدة بيعها أحيانا بسبب اعتراضات إسرائيلية، مثل الطائرات المسلحة بدون طيار والصواريخ الباليستية ودبابات القتال الرئيسية وناقلات الجند المدرعة وبطاريات الدفاع الجوي وغيرها.
وتأتي هذه الوضعيات في الوقت الذي يشهد فيه الشرق الأوسط تغيرات سريعة، حيث وقعت دول عربية اثنتان منها خليجيتان معاهدات تطبيع تاريخية مع إسرائيل، مما خلق بيئة مختلفة مقارنة بما كانت عليه قبل عقد من الزمن فقط.
وتعتمد استراتيجية إسرائيل الأساسية المتمثلة في تعزيز وتقوية وتعميق علاقاتها مع دول الخليج، على مصلحة مشتركة تقوم على رؤية إيران كعدو استراتيجي.
ومع مواجهة كل من إسرائيل ودول الخليج لتهديد مماثل من إيران ووكلائها، لا يزال من غير الواضح مدى حكمة السياسة التي تنتهجها في الاعتراض على قيام دول الخليج بشراء أنظمة أسلحة حديثة من الولايات المتحدة.
وقد يؤدي منع مثل هذه المشتريات إلى دفع الإمارات إلى شراء طائرات مقاتلة روسية من طراز سوخوي – 57 الشبح بدلاً من طائرات أف – 35 الأميركية، والتي تمتلكها إسرائيل فقط في المنطقة.
وليس من الواضح كيف سيخدم هذا السيناريو بشكل أفضل المصالح المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل، إذ لا تزال مسألة ما إذا كان مثل هذا الموقف من شأنه أن يضر بالعلاقة الاستراتيجية الإسرائيلية – الخليجية المتشددة حديثًا ذات صلة.
وبينما يعتقد راماتي أنه لا توجد سياسة خالية من المخاطر الداخلية، فمن الضروري لإسرائيل تحديد هذه السياسة في سعيها لتحقيق التفوق العسكري النوعي في البيئة الجيوسياسية الجديدة، وإدارتها بشكل مناسب، إلا أنه يشير إلى عدة تحديدات، ويقول إن اثنين من أكثر المخاطر إثارة للقلق هما عدم استقرار النظام على المدى الطويل وإمكانية الانحدار الزلق للدول الأخرى التي تحقق تكنولوجيا دفاعية متقدمة.
وفي ما يتعلق بعدم الاستقرار الإقليمي، شهد التاريخ السياسي الإقليمي تغييرات متعددة في الأنظمة في السنوات الأخيرة، وقد تصبح الحكومات البراغماتية اليوم عدائية غدا، ومن الأمثلة المعروفة استيلاء الإخوان المسلمين على مصر، أو تحول تركيا من حليف لإسرائيل إلى خصم لدود.
يتخذ الدعم الأميركي لإسرائيل أشكالا متعددة والذي طالما ساعد حليفتها الرئيسية بالمنطقة على أن تكون متفوقة عسكريا
وقد خضعت إيران نفسها لأقسى التغييرات، حيث انتقلت من شريك وثيق للولايات المتحدة وإسرائيل حتى العام 1979 قبل الإطاحة بالشاه، عندما أصبحت خصما لدودا بعد الثورة الإسلامية.
ويعني خطر الانحدار الزلق أنه إذا كانت الولايات المتحدة ستبيع، بموافقة إسرائيل، أحدث التقنيات إلى دولة حليفة ما، مثل الإمارات في الشرق الأوسط، فإن منع دولة أخرى من الحصول على نفس التكنولوجيا أو النظام الأساسي، مثل السعودية، سيصبح شديد التعقيد والصعوبة.
وبالنظر إلى سياسة بايدن تجاه إسرائيل ورؤيته المختلفة عن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، فإن تحديث السياسات العسكرية بين واشنطن وتل أبيب والمعمول بها منذ ستينات القرن الماضي، يبدو أمرا محتملا، خاصة في ظل مساعي واشنطن لإحلال السلام في أكثر مناطق العالم سخونة.
العرب