اختار الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الجنرال المتقاعد لويد أوستن لتولي منصب وزير الدفاع، وهو الذي قاد القوات الأميركية لدخول العاصمة العراقية (بغداد) عام 2003.
وُلد أوستن في مدينة موبايل، في ولاية ألاباما، وتخرج من أكاديمية “وست بوينت” في عام 1975، وبدأ مسيرته في القوات المسلحة كملازم ثانٍ في المشاة، ثم تقدم في المناصب ليدير قوات المعارك في بنما، وخلال الغزو الأميركي للعراق (عملية حرية العراق الأميركية)، قاد القوات الأميركية لدخول بغداد، وكذلك في غزو أفغانستان (عملية الحرية الدائمة). وفي عام 2009، عين في البنتاغون مديراً للقوات المشتركة، ثم عاد للعراق، ليكون لاحقاً القائد رقم 12 للقيادة المركزية “سنتكوم” بين عامي 2013 و2016، حيث أشرف على الحملة العسكرية الأميركية لمحاربة “داعش” في العراق وسورية.
تاريخياً لم يسبق أن شغل هذ المنصب سوى جنرالين متقاعدين، وهما جورج مارشال في إدارة الرئيس هاري ترومان في أواخر 1950، وقبل أربع سنوات في بداية رئاسة دونالد ترامب الذي جاء بالجنرال جيمس ماتيس إلى الدفاع، والذي لم يحظ بتأييد واسع من المجلس رغم سيطرة الجمهوريين عليه.
ويحتاج منح عسكري محترف حقيبة وزارية قبل مرور 7 سنوات على تقاعده، إلى إعفاء خاص من مجلس الشيوخ، كشرط لضمان إبعاد العسكر عن السياسة إلا في الحالات الاستثنائية اللازمة. ومن هنا الاعتراض على أوستن كجنرال وليس ككفاءة. وبحسب الديمقراطيين، لم يكن هناك ما يوجب على بايدن اقتفاء أثر ترامب في هذا الخصوص واختيار عسكري لم يفت على تقاعده سوى 4 سنوات لتسلم هذه الحقيبة.
لكن يبدو أنّ للرئيس الأميركي المنتخب حساباته المحلية الأخرى. فثمة علامات استفهام مبطّنة حول ما إذا كانت الاعتبارات السياسية قد تقدمت في هذا التعيين على المعايير والمواصفات الأساسية الأخرى. ومن أبرز اعتبارات بايدن أنه حصر معظم تعييناته بمن يرتاح إليهم وسبق أن عملوا معه عندما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، وبما يؤشر إلى وجود نية بإعادة إنتاج النهج السياسي لإدارة أوباما في مجالي الأمن القومي والسياسة الخارجية.
وكان الجنرال أوستن قد تعاون مع بايدن أثناء تولي الأول لعملية الانسحاب من العراق في العام 2011. ولا يبدو من دون مغزى أن يشير بايدن في تصريح له إلى أن الجنرال المتقاعد “يعرف كلفة الحروب”. ومن المعروف أن موقفه من العراق اتسم بالتذبذب حيث تراوح من تأييد الغزو في 2003 إلى التراجع عنه، مروراً بطرح وصفة تقسيمه.
والأهم في هذا التعيين الذي يأتي في سياق تغليب الأقليات والملونين في تشكيل إدارة بايدن، أنه الأول لأميركي من أصول أفريقية قد يتولى حقيبة الدفاع، من بين 6 عسكريين من الأصول نفسها وصلوا إلى رتبة جنرال في الجيش الأميركي. الأمر الذي سوف يرتبط باسم الرئيس المنتخب كصاحب هذه الخطوة الريادية التي تعطي الصدقية لشعاره الذي طالما ردده بأنه الأقرب إلى هموم الأقليات خصوصاً الأميركيين من أصول أفريقية وتبني مظالمهم وقضاياهم.
كما أن هذه السابقة تنطوي في حساباته، على شيء من “رد الجميل” للأميركيين من أصول أفريقية الذين لعبوا الدور الرئيسي في رفعه إلى موقع المرشح الحزبي المتقدم بين الديمقراطيين من خلال ولاية ساوث كارولينا التي ضمنت مساندة النائب الديمقراطي الأسود والبارز جيمس كلايبورن، فوزه فيها في الانتخابات الحزبية والتي كانت بمثابة نقطة الدفع التي حملته إلى الترشيح ضد ترامب.
لويد أوستن، وهو آخر الجنرالات الأميركيين الذين قادوا غزو العراق. ويدخل لويد أوستن التاريخ، إذا ما صادق الكونغرس على تعيينه، كأول رجل أسود يقود البنتاغون، بعدما كان أول رجل أسود يتولى القيادة المركزية للجيش الأميركي، المعنية بمنطقة الشرق الأوسط، لديه 41 عاماً من الخبرة العسكرية، وهو خريج أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية المرموقة. ويأتي اختياره ملائماً لمطالب قواعد في الحزب الديمقراطي، من الأقليات، تريد رؤية عدد أكبر من الشخصيات ذوي الأصول الأفريقية وغيرها من الأقليات في مناصب رفيعة.
يعتبر أوستن المهندس العسكري الأول لحملات التحالف الدولي، الذي أنشئ لهزيمة “داعش” الإرهابي، وهو من صمّم الخطط الأساسية لضرب التنظيم، مع دعم قوات على الأرض، أهمها القوات الكردية. وخلال جلسة استماع في الكونغرس في 2015، كان أوستن أول مسؤول عسكري أميركي يعترف بدعم بلاده لوحدات حماية الشعب الكردية، في سورية. هذه السيرة الذاتية، تفتح تكهنات كثيرة، حول خطط بايدن في المنطقة، وما إذا كان سينفذ المزيد من الانسحابات منها، وهي انسحابات يريدها “سلسة”، وتضمن توازن المصالح الأميركية فيها. ويأتي تعيين أوستن، أيضاً، في وقت تؤكد فيه الإدارة الأميركية المقبلة، سعيها لاستعادة تحالفاتها التقليدية، في أوروبا، ومواجهة الصين، لا سيما عبر تعزيز الشراكة العسكرية مع دول الجوار الصيني، ومنها اليابان والهند، كما تعزيز الترسانة البحرية، والهجومية، والصاروخية، واستعادة اتفاقات للحد من أنواع من الأسلحة، واستمرار التفوق الردعي. وفي الشرق الأوسط، تبرز المسألة الإيرانية كأحد أهم تحديات أوستن المقبلة. وداخلياً، تواجه أوستن مهمة تكييف الموازنات الحربية وموازنة الدفاع، مع تخفيض الإنفاق العسكرية.
وحدة الدراسات الدولية