رغم الحديث عن تراجع مكانة الولايات المتحدة عالميا، بقي الدولار مسيطرا على التجارة الدولية خلال أزمة كورونا، ولا يزال يشكل العملة الاحتياطية الرئيسة في معظم البنوك المركزية عبر العالم.
وفي تقرير نشرته صحيفة “فايننشال بوست” (Financial Post) الكندية، يتساءل الكاتب روشير شارما عن مدى قدرة الدولار على الحفاظ على مكانته الرائدة بعد مرور 100 عام من الهيمنة على الاقتصاد العالمي، والبدائل التي قد تهدد عرش العملة الأميركية.
يقول الكاتب إن 5 دول فقط سبقت الولايات المتحدة في فرض عملتها على مستوى عالمي بداية من منتصف القرن الـ15 الميلادي، وهي البرتغال ثم إسبانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا، وكل منها هيمن مدة 94 عاما في المتوسط.
وخلال المدة الماضية ظهر بعض المنافسين للدولار دون أن تهتز مكانته، فقد كانت أوروبا تعلق آمالا كبيرة على اليورو عندما أطلقته عام 1999، لكنه فشل في كسب ثقة العالم بسبب الشكوك في فعالية العملة الموحدة في منطقة تضم عددا كبيرا من الدول، وفشل اليوان الصيني في المنافسة أيضا، لكن لسبب معاكس تماما، وهو المخاوف من الهيمنة الحكومية في دولة الحزب الواحد.
وبسبب استقرار وضع الدولار وسيطرته العالمية حتى بعد أزمة كورونا وما تبعها من تدابير إغلاق، كان المسؤولون الأميركيون واثقين من أن طباعة الدولارات بكميات غير محدودة لن تقوّض مكانته، ولن تؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الأميركي.
منافس جديد
أصبح للدولار منافسا جديدا منذ مدة، هي العملات الرقمية المشفرة على غرار “البتكوين” (Bitcoin)، وهي تعمل ضمن شبكات غير خاضعة لأي رقابة حكومية، ويروّج لها بوصفها بديلا ديمقراطيا لامركزيا للعملات الورقية.
وقد استفادت العملات الرقمية بشكل ملحوظ من أزمة كورونا، حيث اشترى العديد من الناس البتكوين بكميات كبيرة، بسبب خوفهم من قيام البنوك المركزية بقيادة الاحتياطي الفدرالي الأميركي بتخفيض قيمة العملات الورقية، وأصبح البتكوين أحد أهم الاستثمارات الرابحة في عام 2020.
وعمد القائمون على عملة البتكوين منذ إطلاقها عام 2009 إلى الترويج لها باعتبارها مخزنا موثوقا به للقيمة وملاذا آمنا في الأوقات العصيبة، لكن المشككين يرون أنها شديدة التقلب ومن الصعب الوثوق بها.
ويبدو من الصعب على كبار السن الذين لم يواكبوا تطور التكنولوجيا الرقمية، أن يثقوا تماما بهذا النوع من العملات، حيث يميلون إلى شراء الذهب كوسيلة للادخار عند تراجع أسعار العملات الورقية.
العملات الرقمية تعمل ضمن شبكات غير خاضعة لأي رقابة حكومية ويروّج لها بوصفها بديلا ديمقراطيا لامركزيا للعملات الورقية (رويترز)
هل يسقط الدولار؟
في العام الماضي تجاوز الدين الخارجي للولايات المتحدة 50% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهي النسبة التي تشير غالبا إلى أزمة اقتصادية مقبلة، ومع مستويات الاقتراض الإضافية خلال مرحلة الإغلاق، ارتفعت نسبة الدين إلى 67% من الناتج المحلي الإجمالي.
هذه المعطيات تشير -وفقا للكاتب- إلى إمكانية انتهاء هيمنة الدولار، مع فقدان دول العالم ثقتها في قدرة الولايات المتحدة على تسديد ديونها، وهو السبب ذاته الذي تسبب في سقوط العملات المهيمنة في الماضي.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة والحكومات الكبرى في العالم تبدي القليل من الحماسة لكبح العجز المتزايد في الميزانيات، وتجنح فقط إلى طباعة مزيد من الأموال، وهو الأمر الذي يرجّح أن يستمر حتى بعد نهاية أزمة كورونا.
ويرى الكاتب أن انعدام الثقة في العملات التقليدية، وفي مقدمتها الدولار، سيصب في مصلحة البتكوين الذي بدأ فعليا يعزز فرصه في أن يأخذ مكان الدولار، ويتحول تدريجيا من أداة استثمارية بالأساس إلى وسيلة للتبادل التجاري.
وقد بدأت بعض الشركات باستخدام البتكوين في التجارة الدولية، ولا سيما في البلدان التي يصعب فيها الحصول على الدولار، مثل نيجيريا، أو الدول التي تشهد عملتها تقلبات كبيرة في قيمتها، مثل الأرجنتين.
ورغم أن صعود البتكوين قد يكون مجرد فقاعة تنتهي قريبا، فإن حالة الاندفاع نحو شراء العملات الرقمية، ينبغي أن تكون علامة تحذير أمام الحكومات التي لا تفعل شيئا غير إصدار المزيد من الأموال دون قيود، خاصة الحكومة الأميركية.
ولا يجب على الحكومات -وفقا للكاتب- أن تطمئن تماما إلى أن العملات التقليدية هي المخازن الوحيدة للقيمة أو وسيلة التبادل الوحيدة التي يمكن أن يثق بها الناس، خاصة أن المبتكرين في مجال التكنولوجيا ما زالوا يبحثون عن بدائل تعوّض العملات الورقية إلى الأبد.
المصدر : الصحافة الأجنبية