يلوذ الكثير من العراقيين بتداول الأمثال الشعبية كجزء من محاولات التخفيف عن جسامة الظلم والاستبداد والقهر الاجتماعي والحرمان من الحقوق الإنسانية الأساسية في الحياة. “اللي يشوف الموت يرضى بالصخونة” (الحمى باللهجة العراقية) أي الذي يواجه الموت يقبل بالحمى.
ما يحصل في العراق منذ عام 2003 وإلى حدّ الآن من كوارث إنسانية من قتل واختطاف وتجويع وتعمّد حرمان الناس من حقوقهم الأساسية، جرائم تنفذها أحزاب شيعة وميليشياتها بوعي وإرادة وتخطيط مبرمج، وليست مشاكل جزئية طارئة تواجه حكومات هذه الأحزاب. ولم تعد شعارات نضال هذه الأحزاب ضد الدكتاتورية، وبعدها شعارات القضاء على البعثيين، مقنعة حتى لأقرب المريدين من تلك الأحزاب.
بسبب ضخامة كارثة العراقيين الأمنية والاقتصادية، يبدو إلقاء الضوء وكشف جوانب من الكوارث الاجتماعية الخطيرة التي تعصف بهم كنتائج حتمية، نوعا من الترف الاجتماعي الذي لا يثير الاهتمام، تطبيقا للمثل الشعبي “اللي يشوف الموت يرضى بالصخونة”.
أحزاب الإسلام الشيعي داخل مؤسسة البرلمان، الخاضع لإرادتها، ترفض وبقوة تمرير أي تشريع يوفر الحدود الدنيا لحماية المرأة العراقية في ما يسمى بالعنف الأسري
وتتعمد الأحزاب المسببة لهذه الكوارث وأجهزة الحكومات المتوالية إهمال التعرض لملف الانتهاكات الخطيرة لحقوق المرأة في العراق، بل تتهم من يثيرونها داخل العراق، من ناشطي منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الميدان، بالعمالة للغرب.
في مجتمع كالعراق، له تقاليده العربية والإسلامية، قد يكون طبيعيا تفسير حوادث انتحار النساء، أو تورط بعضهن بالفساد والانحراف الأخلاقي، بأنها ظواهر طبيعية تحصل في جميع المجتمعات البشرية المتخلفة وحتى المتقدمة في المدنية، لكن ما يحصل في العراق هو الوجه الثاني من الكارثة السياسية والاقتصادية، ونتاج مباشر لسيطرة الأحزاب المدعية للإسلام “الشيعي” وأحكامه وضوابطه وممارساته.
أحزاب الإسلام الشيعي داخل مؤسسة البرلمان، الخاضع لإرادتها، ترفض وبقوة تمرير أي تشريع يوفر الحدود الدنيا لحماية المرأة العراقية في ما يسمى بالعنف الأسري، وهو تعبير فضفاض تطلقه المنظمات العالمية المعنية بهذا الميدان وتردده المنظمات المحلية.
تدّعي هذه الأحزاب المتورطة بحماية الجرائم ضد النساء العراقيات، التي تتزايد أعدادها بالآلاف، أن وضعهن تحت حماية مراكز إيواء آمنة تشرف عليها مؤسسات حكومية ومدنية إنما يعني الخضوع لهيمنة الغرب والابتعاد عن الإسلام الشيعي، كما أنه موضوع غير مهم في نظر زعامات شيعية تدير ميليشيات مسلحة.
تقارير صحافية موثقة تتحدث عما خلفته حرب الموصل من معاناة لعشرات الآلاف من النساء الأرامل أو المطلقات أو زوجات آلاف المغيبين والمخطوفين خلال معارك تلك الحرب، اللواتي بقين بلا مأوى أو ضمان لحياتهن ولأطفالهن. كذلك أيضا أسر المنتسبين إلى داعش، فالمعزولات اجتماعيا يتعرضن للابتزاز الأخلاقي من قبل عناصر الميليشيات لقاء تسهيل معاملات تسجيل أطفالهن في السجلات الحكومية.
أدّى ذلك إلى تعرّض آلاف النساء لضغوط وأزمات نفسية واجتماعية، بسبب البطالة والفقر والانتهاكات الجسيمة والاغتصاب لقاء توفير لقمة العيش.
الملف الأخطر، الذي يكشف التدهور الأخلاقي والفساد الاجتماعي لقطاع كبير من النساء في العراق، في الأوساط الشيعية الفقيرة والجاهلة، هو التأثيرات الخطيرة لما يسمى “زواج المتعة”، وهو إباحة شرعية لقيام علاقة ما يعرف في المذهب الشيعي بالزواج المنقطع، لشهر أو يوم أو ساعة، لقاء اتفاق مدفوع الثمن بين رجل وامرأة، بحضور وإشراف رجل دين شيعي استند على فتاوى مرجعياته الكبرى بجواز مثل هذه العلاقة حتى من فتاة لا يتجاوز عمرها التسع سنوات.
هناك تستر عام من قبل أحزاب الإسلام الشيعي الحاكمة على هذا الملف، ورعاية مجرميه وبعض ممن يتعاطونه من رجال الدين، للإفلات من القانون، الذي يمنع شكليا مثل هذه الممارسة المنتهكة لحقوق المرأة وتحويلها إلى سلعة رخيصة في سوق الدعارة، ووصف من يتناولونه بالسذج الباحثين عن الإثارة. وهم محقون في ذلك لأن مسلسل قتل الشباب واختطافهم لا يجرؤ أحد على الإشارة إليه، فكيف الحال بحالات الانتحار والمخدرات وتجارة الجنس السرّية. رجال الدين هؤلاء منتشرون على أبواب المحاكم الشرعية في مدينة الصدر ببغداد تحت لافتات معاملات “الزواج والطلاق”.
قبل عام أنتجت القناة البريطانية “البي.بي.سي” تحقيقا تلفزيونيا استقصائيا صادما لهذه الظاهرة الخطيرة (زواج المتعة) في كل من بغداد -الكاظمية وكربلاء، استعرضت من خلاله صحافية جريئة برفقة طاقم صحافي وقائع قد يتخيلها المشاهد منقولة من مجاهل غابة مقطوعة عن العالم. استطاع الفريق الصحافي استخدام وسائل التقنية الحديثة كالكاميرات المخفية والتستر الشخصي، للوصول إلى تلك المعلومات والوقائع التي تدين أصحابها المدعين بأنهم رجال دين، ولديهم حماية من مراجعهم الشيعية ومن الميليشيات.
التحقيق يكشف عن عالم سرّي من الاستغلال الجنسي البشع، من قبل رجال دين شيعة في مدينة الكاظمية ببغداد، بجوار مرقد موسى الكاظم ومدينة كربلاء، قائم على استدراج مراهقات، لا تتجاوز أعمار بعضهن ثلاثة عشر عاما، وتحويلهن إلى سلعة جنسية رخيصة.
عالم رهيب تجري فيه صفقات تعرض خلالها البنات على شباب من قطاع جاهل متعطش للجنس لقاء مبلغ من المال للوسيط، رجل الدين، الذي يقوم بدور “القوّاد” الرخيص المتستر باسم المذهب الشيعي.
ما يحصل في العراق من كوارث إنسانية من قتل واختطاف وتجويع وتعمّد حرمان الناس من حقوقهم الأساسية، جرائم تنفذها أحزاب شيعة وميليشياتها بوعي وإرادة وتخطيط مبرمج
عرض التحقيق التلفزيوني شهادات مؤلمة لفتيات تعرّضن للاستغلال البشع، بعد أخذ هؤلاء المستغلين الفتيات لأنفسهم، ثم يحولونهن إلى تجارة تحت عنوان “زواج المتعة”. تبرر معظم تلك الشهادات الإقدام على هذا العمل البشع بسبب من الحاجة والجهل، ما دفع الكثيرات إلى الانتحار أو الهروب من عائلاتهن، وهي حالات يقع الإعلان في وسائل التواصل الاجتماعي عن بعضها. طبعا، أجهزة الشرطة تتهرب من تناول هذا الملف، لأن البعض من أفرادها متورط في تلك الجرائم مع رجال الدين “حماة المذهب الشيعي”.
ومن السخرية والسذاجة مطالبة الحكومة وأحزابها، المتورطة بأكبر فاحشة وهي سرقة مال الناس، مواجهة مشكلة التجارة السرّية للجنس، وهي أحد إفرازات النظام السياسي القائم.
وبعد كل ذلك لا يتردد هؤلاء في معاودة ترشيح أنفسهم للانتخابات المقبلة، بشجاعة رجال المافيا الماكرين، طالما كان لديهم غطاء مذهبي وديني يحميهم في وقت رفضهم فيه شعب العراق، ليصدق عليهم المثل الشعبي القائل “اللي يشوف الموت يرضى بالصخونة”.
العرب