مرت 6 سنوات من انتظار إيران قطف ثمار الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع الغرب، إلا أن جل حصادها حتى الآن لم يكن سوى عقوبات اقتصادية أميركية قاسية، وعدم إيفاء الدول الموقعة على الاتفاق بعهودها تجاه طهران.
وفي محاولة لردم الفجوات، توجهت إيران من غرب العالم إلى شرقه، حيث وقعت مذكرة تفاهم مدتها 25 عاما مع الصين، آملة -هذه المرة- تحقيق ازدهار اقتصادي لم تفلح في تحقيقه مع الغرب.
وتشمل هذه المذكرة -التي تم عرض إطارها الأولي منذ يناير/كانون الثاني 2016- التعاون في مجال النفط والطاقة وتطوير البنى التحتية، والمجالات الأمنية، والاستثمار الصناعي، وكذلك تعزيز القدرة اللوجيستية للموانئ الإيرانية.
وبعد توقيع المذكرة، انقسمت شرائح المجتمع الإيراني، وكذلك المحللون السياسيون والاقتصاديون إلى مجموعتين: مؤيدة ومعارضة لهذه الخطوة. ولعل عدم نشر تفاصيل ومحتويات مذكرة الشراكة هو القاسم المشترك في تصريحات كلا الطرفين.
مؤيدو المذكرة
اتفق مؤيدو مذكرة التفاهم على أن فائدتها تكمن في مساعدة إيران في الحفاظ على مشاركتها الاقتصادية الدولية خلال فترة العقوبات الأميركية الشاملة، كما أنها قد تحث الغرب على العودة إلى الاتفاق النووي وإعادة التعامل التجاري معها.
ويعتقدون أيضا أن الارتفاع المتوقع لإنتاج النفط والغاز الإيراني -وبالتالي زيادة واردات الصين- يعد أحد أهم ميزات العقد الصيني مع إيران، إلى جانب أن الغياب الغربي وحاجة إيران للتكنولوجيا في هذا المجال سيؤديان إلى تطوير منشآت النفط والغاز الإيرانية.
وأشار مؤيدو الاتفاق إلى جانب إيجابي آخر لا يجب الإغفال عنه، وهو مشاركة الصين في تطوير البنى التحتية الحيوية لإيران، والتي تبلغ قيمتها نحو 400 مليار دولار، والتي تتماشى مع مبادرة الصين لعبور طريق الحرير من إيران، والتي ستشكل انفراجا كبيرا في ظل شح الاستثمار الخارجي الذي عانت منه إيران على مدى سنوات بسبب العقوبات.
الدكتور حسين راغفر يعتقد أن الصينيين لا يفكرون إلا في مصالحهم الخاصة (مواقع التواصل)
إيران ليست للبيع
من جهة أخرى، لم يلق هذه الاتفاق ترحيبا واسعا لدى العديد من المواطنين الذين تجمعوا في بعض المناطق، منها مقابل البرلمان الإيراني؛ احتجاجا على الاتفاقية، كما عبروا عن امتعاضهم من المذكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضمن وسم #ایران_فروشی_نیست (إيران ليست للبيع).
ويعتقد الدكتور حسين راغفر المحلل الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الزهرا أن الصينيين لا يفكرون إلا في مصالحهم الخاصة، وفي العديد من البلدان -بما في ذلك أميركا اللاتينية وسريلانكا وكذلك أفريقيا وباكستان- كانت الصين تمارس الأسلوب نفسه في التعاقد، وهو “التعاقد على حساب البلد”، وحتى في إيران نفسها تخلت عن العديد من المشاريع، بما في ذلك مشاريع النفط والغاز وإنشاء الطرق، وغادروا إيران.
وأضاف راغفر -في حديثه للجزيرة نت- أن التوقيع على الاتفاقية جاء على نحو مفاجئ، وذلك بسبب الضغوط الأميركية والاجتماع بين وزيري الخارجية الأميركي والصيني الأسبوع الماضي، حيث استخدمت الصين ورقة إيران للضغط على الولايات المتحدة.
ومن أبرز الانتقادات التي طالت المذكرة من قبل المحتجين رفض الحكومة نشر تفاصيل الاتفاق، وفي هذا الصدد رد بعض المسؤولين بأن هذه المذكرة غير ملزمة، وهي مجرد خارطة طريق، وسيتم نشر التفاصيل بالتزامن مع توقيع الاتفاقية، وأشار آخرون إلى أن العقوبات الأميركية تمثل حاجزا أمام نشر التفاصيل، في حين رمى البعض الكرة باتجاه الصين بأنها غير موافقة على نشر التفاصيل.
وفي هذا السياق، قال الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي بهمن آرمان “إنه نظرا لوجود العقوبات الأميركية، وكذلك انسحاب الشركات الصينية من إيران بسببها، فضلا عن عدم قبول إيران اتفاقيات مجموعة العمل المالي “إف إيه تي إف” (Financial Action Task Force -FATF)) لا يبدو أن المذكرة ستحقق أهدافها، في حين لا تزال عائدات بيع النفط الإيراني للصين (تقدر بنحو 22 مليار دولار) محجوبة، ولم تتم إعادتها إلى إيران.
الدكتور بهمن آرمان يرى أن المذكرة لن تحقق أهدافها في ظل العقوبات الأميركية (مواقع التواصل)
الدول العربية والمنطقة
وأضاف آرمان للجزيرة نت أن التطور الاقتصادي لإيران يوفر فرصا استثمارية جيدة للدول المجاورة، وأعربت العديد من الشركات الخاصة من دول الخليج عن اهتمامها بالاستثمار في صناعة المواد الغذائية الإيرانية، كما تمتلك الآن شركة سعودية (صافولا) أعلى حصة في أكبر منتج للزيت النباتي الخام في إيران.
وقال آرمان إن نسبة صادرات النفط الإيرانية إلى الصين لن ترتفع عن حد معين، وذلك بسبب نقص التكنولوجيا في منشآت إيران النفطية، ومن جهة أخرى تحاول دول الخليج خفض مبيعاتها من النفط الخام لتقوم بحلول عام 2025 ببيع المزيد من المنتجات المكررة، لذلك لا يوجد مكان للقلق عند دول الخليج من هذه الاتفاقية.
وحسب المذكرة، فإن الصين وإيران تنظران إلى تنفيذ مشاريع مشتركة لبناء محطات الكهرباء وإنشاء خط سكك حديدية دولية، وكذلك إعادة إعمار دول المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان.
وفي ظل عدم معرفة تفاصيل هذه المذكرة وعدم وجود إلزام لكلتا الدولتين للإيفاء بوعودهما، وكذلك إزالة العقبات أمام الاتفاقية، بما في ذلك رفع العقوبات الأميركية، وحضور الشركات الصينية إلى إيران، وانضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي “إف إيه تي إف” لإجراء التبادلات المالية الدولية؛ يبدو أن اقتصاد إيران لن يحقق أي قفزة نوعية. وحسب رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية مجيد رضا حريري، فإن تدوين تفاصيل هذه الوثيقة سيستغرق أكثر من عامين.
المصدر : الجزيرة