الخطر على الأقصى: هل فات أوان الحماية؟

الخطر على الأقصى: هل فات أوان الحماية؟

المسجد-الأقصى

بدأت الكارثة بالهزيمة العربية في 1967 واستكمال السيطرة الإسرائيلية على أرض فلسطين، بما فيها كل القدس ومسجدها الأقصى، وكان حريقه في 1969 نذيراً مبكراً، ومن المخجل أن جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني كانت تتوقع أن يكون رد فعلنا لتلك الجريمة أقوى بكثير مما حدث فعلاً وأنها فهمت الرسالة: أنها باتت تستطيع أن تفعل أي شيء تنفيذاً للمخططات الصهيونية دون أن يكون هناك رد فعل رادع! ولذلك فإن ما يحدث اليوم للأقصى ليس جديداً، ولكن التطورات الأخيرة تمثل نقلة نوعية في مخططات إسرائيل، فهي الآن تشارك فعلياً في ملكيته بفكرتها الفاسدة عن التقسيم الزماني، بمعنى أن يعطى الحق للمستوطنين اليهود في دخوله لساعات محددة كل يوم، وبعد ذلك يأتي التقسيم المكاني، ثم الخطر على كيان المسجد ذاته، لا قدر الله.

وعلى رغم تفاقم الخطر على هذا النحو، فإن ردود الفعل الرسمية الفلسطينية والعربية ما زالت تراوح في مكانها منذ عقود: فهي لا تخرج عن التنديد والمطالبة بتدخل المجتمع الدولي ووضعه «أمام مسؤولياته»، وهو ما يعني أنه لا جديد في ردع الجرائم الإسرائيلية. وليس هذا بالأمر غير المتوقع، فلا أوراق مؤثرة بيد العرب وهم الآن مشغولون بمواجهة خطر داهم وحقيقي على عديد من دولهم من جراء موجة الإرهاب الراهنة ومخططات التفكيك الخارجية. كما أن القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تُظهر يوماً رغبة في مواجهة الإمعان الإسرائيلي في انتهاك الحقوق الفلسطينية، بل إن عديداً منها، وعلى رأسها الولايات المتحدة أيضاً، يمثل السند الأساسي لإسرائيل التي تضرب عرض الحائط دوماً بكل القوانين والأعراف الدولية. ولذلك، فإن الشعب الفلسطيني من الناحية العملية يواجه مصيره بنفسه، والحق أنه لم يقصر عبر الزمن في هذه المواجهة، وهو ما زال يقوم بهذا الدور حتى الآن كما نشاهد في تصدي المرابطين من الشباب الفلسطيني لآلة القمع الإسرائيلية، ولكن هذا العمل البطولي لا يكفي بطبيعة الحال لمواجهة المخططات الإسرائيلية، وإنما هو شهادة على صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه وهويته وإصراره على الدفاع عنها.

يتطلب الأمر إذن ما هو أكثر من التصدي البطولي من المرابطين والمرابطات من شباب فلسطين، وثمة تحولات إستراتيجية في المشهد الفلسطيني بحّت الأصوات من التنبيه لضرورتها والمطالبة بها، وتأتي على رأسها ضرورة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية عملاً لا قولاً، فمن المستحيل بناء إستراتيجية فاعلة للمواجهة مع استمرار الانقسام بين أهم فريقين فلسطينيين، وعليهما أن يدركا أن شعبهما وأمتهما العربية لن يغفرا لهما عجزهما عن إعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية على رغم خطر الضياع النهائي للوطن، وعليهما كذلك أن يعلنا إفلاس البدائل الراهنة التي يتبعانها، فلا التفاوض بات مجدياً في ظل السياسات الإسرائيلية وموازين القوى الراهنة، ولا التفاوض على التهدئة مع إسرائيل والحديث عن ميناء تابع في غزة ينفع في مواجهة الخطر الداهم. ولم يعد أمامهما سوى بديل المقاومة من أجل تحسين ميزان القوى من وجهة النظر الفلسطينية، وأبادر على الفور بالقول بأنني لا أتحدث بالضرورة عن مقاومة مسلحة وإنما أقصد المقاومة بالمعنى الإستراتيجي الشامل، وقد بدأت الحركة الوطنية ضد النظام العنصري في جنوب إفريقيا على سبيل المثال – وهي الأقرب إلى الحالة الفلسطينية – بالنضال المسلح، ثم أدرك مانديلا بحسه الإستراتيجي أن ثمة حدوداً لما يمكن تحقيقه بهذا الطريق، فبدأ النضال المدني الذي أخذ في التصاعد حتى تحقق هدف تصفية النظام العنصري، صحيح أن الصعوبة أمام الشعب الفلسطيني ستكون أشد لأن الوطنيين في جنوب إفريقيا ظلوا يمثلون الأغلبية دائماً في وطنهم عكس الحالة الفلسطينية، ولكنه لا مفر من النضال من أجل استرداد الحقوق والحفاظ على الهوية والانتفاض الشامل مجدداً بأقصى قوة وأطول نفَس.

ويقول بعض المحللين الإسرائيليين، إن هذا لن يحدث لأن الفلسطينيين في الضفة أصبح لديهم ما يخشون خسارته، ملمحين بذلك إلى التحسن في مستوى معيشتهم، ولكن التاريخ النضالي لشعب فلسطين وتمسكه بهويته، يجعلنا نقتنع بفساد هذا التحليل. قلوبنا مع المرابطين من أبناء فلسطين في الأقصى، وأيدينا على قلوبنا خشية عليه.

د.أحمد يوسف أحمد

صحيفة الاتحاد الإماراتية