بينما تقوم إيران وروسيا، علناً، بإدخال قوات عسكرية إلى الأراضي السورية، تعلن واشنطن أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، “يفكر” في مبادرة سياسية لحل الأزمة السورية. يلخص هذا المشهد جوهر الأزمة السورية، والمنطق الحاكم لها منذ أربع سنوات. تحرك عملي إيراني روسي داعم للنظام السوري، بأشكال مختلفة ودرجات تفاوتت حسب تطور الأزمة واحتياجات النظام للبقاء، في مقابل موقف أميركي غربي أقرب إلى “ظاهرة صوتية” منه إلى أي شيء آخر. وعلى الرغم من أن التدخل الروسي العسكري المباشر يبدو، ظاهرياً، أمراً مقلقاً ومرفوضاً أميركياً، حسبما ورد على لسان الرئيس باراك أوباما، عندما وصفه الخطوة الروسية بأنها خطأ “استراتيجي”، إلا أن السلوك الأميركي الفعلي لا يجسد هذا القلق الظاهري، بدليل أن واشنطن اعترفت بمتابعة تحركات موسكو، وإرسالها قوات إلى سورية، تابعت وفقط. هذا القبول الصامت، تأكد قبل أيام. عندما طالب البنتاغون موسكو بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي في الضربات الجوية ضد الدولة الإسلامية. هذا الإعلان الرسمي يتجاوز حدود المفهوم ضمناً من قبول أميركي بالتدخل العسكري الروسي، إلى حد الرغبة في العمل والتنسيق المشترك في العمليات التي يقوم بها الطرفان، خصوصاً الطلعات الجوية.
إشارات هذا الموقف الأميركي الذي تكشف، أخيراً، تصدر من واشنطن منذ أكثر من عامين. إذ دعت إدارة أوباما روسيا، غير مرة، إلى لعب دور إيجابي في “محاربة الإرهاب” في سورية. وعندما تقول موسكو إنها بادرت إلى التدخل العسكري المباشر بغرض مواجهة الإرهاب، فهذا يعني تلبية المطلب الأميركي المتكرر، ما يُبطل مسبقاً أي مبرر للاعتراض، أميركياً أو عربياً. لتصطف واشنطن مع موسكو في جبهة واحدة، وبينهما بالضرورة دمشق التي تبنت الموقف نفسه من اليوم الأول لنشوب ثورة الشعب السوري، قبل عامين كاملين من دخول (بل وربما نشأة) معظم الجماعات الجهادية الموجودة على الأرض السورية حالياً.
ربما تظن موسكو أنها فازت بموطئ قدم في المنطقة، وأن الأرض مهيأة لإقامة نقطة ارتكاز عسكرية قوية، للمرة الأولى في الشرق الأوسط منذ عقود. على خلفية الخروج الأميركي من المنطقة نحو الشرق، وخذلان أوباما للشعب السوري، ورداً على استحقاقات التقارب الإيراني الغربي.
غير أن واشنطن التي طالبت موسكو بدور في مواجهة ما تقول إنه إرهاب، لم تكن بحاجة إلى تدخل روسي لمواجهة الجماعات المسلحة، أو تنظيم الدولة، وكان في وسعها الاكتفاء بالاستنزاف المتبادل بين تلك الجماعات والنظام السوري، وبينها وبين بعضها بعضاً أيضاً. ولو أرادت واشنطن حقاً تقوية الجماعات التي تصفها معتدلة، في حربها ضد النظام وفي مواجهة الجماعات الأخرى، لفعلت ذلك بوسائل متعددة، ليس منها بالتأكيد الاستعانة بقوات روسية، ولا إيرانية بالطبع. الأمر الذي يجعل علامات الاستفهام الكثيرة التي تحيط بالموقف الأميركي من الثورة السورية من يومها الأول، تتبدد وتتبلور إجاباتها. فواشنطن لم تكن حريصة على إسقاط الأسد، أو إطاحته فعلياً. تماماً كما هي حالياً غير جادة في حربها ضد داعش. سواء المباشرة عبر التحالف الدولي، أو غير المباشرة بواسطة تحالف موسكو طهران دمشق. تدرك واشنطن جيداً أن وجود قوات عسكرية روسية على الأرض السورية قد يغيّر المعادلات الجيواستراتيجية المتعلقة بالمستقبل السوري. لكن واشنطن تراهن على معادلة الزمن والثمن، فالتغيير مشروط بالوقت الذي سيستغرقه تشكل “سورية الجديدة”، وأيضاً بالثمن الذي ستدفعه موسكو مقابل هذا الحضور العسكري. وبدلاً من أن تكون الأرض السورية (أو جزء منها) ساحة نفوذ وسيطرة روسية، وارد جداً أن تكون مستنقعاً يستنزف قدرات موسكو، وتنكسر فيه شوكة بوتين. بواسطة جماعات مسلحة ستُستنزف هي الأخرى بشدة، ربما إلى حد الانهيار، أو على الأقل التفكك والانفراط. هكذا واشنطن عندما تريد تجنب مواجهة مباشرة، تستدرج أعداءها وتستثير خصومها، ليصفي بعضهم بعضاً، وهو رهان شديد الخطورة، على الزمن والثمن.
إشارات هذا الموقف الأميركي الذي تكشف، أخيراً، تصدر من واشنطن منذ أكثر من عامين. إذ دعت إدارة أوباما روسيا، غير مرة، إلى لعب دور إيجابي في “محاربة الإرهاب” في سورية. وعندما تقول موسكو إنها بادرت إلى التدخل العسكري المباشر بغرض مواجهة الإرهاب، فهذا يعني تلبية المطلب الأميركي المتكرر، ما يُبطل مسبقاً أي مبرر للاعتراض، أميركياً أو عربياً. لتصطف واشنطن مع موسكو في جبهة واحدة، وبينهما بالضرورة دمشق التي تبنت الموقف نفسه من اليوم الأول لنشوب ثورة الشعب السوري، قبل عامين كاملين من دخول (بل وربما نشأة) معظم الجماعات الجهادية الموجودة على الأرض السورية حالياً.
ربما تظن موسكو أنها فازت بموطئ قدم في المنطقة، وأن الأرض مهيأة لإقامة نقطة ارتكاز عسكرية قوية، للمرة الأولى في الشرق الأوسط منذ عقود. على خلفية الخروج الأميركي من المنطقة نحو الشرق، وخذلان أوباما للشعب السوري، ورداً على استحقاقات التقارب الإيراني الغربي.
غير أن واشنطن التي طالبت موسكو بدور في مواجهة ما تقول إنه إرهاب، لم تكن بحاجة إلى تدخل روسي لمواجهة الجماعات المسلحة، أو تنظيم الدولة، وكان في وسعها الاكتفاء بالاستنزاف المتبادل بين تلك الجماعات والنظام السوري، وبينها وبين بعضها بعضاً أيضاً. ولو أرادت واشنطن حقاً تقوية الجماعات التي تصفها معتدلة، في حربها ضد النظام وفي مواجهة الجماعات الأخرى، لفعلت ذلك بوسائل متعددة، ليس منها بالتأكيد الاستعانة بقوات روسية، ولا إيرانية بالطبع. الأمر الذي يجعل علامات الاستفهام الكثيرة التي تحيط بالموقف الأميركي من الثورة السورية من يومها الأول، تتبدد وتتبلور إجاباتها. فواشنطن لم تكن حريصة على إسقاط الأسد، أو إطاحته فعلياً. تماماً كما هي حالياً غير جادة في حربها ضد داعش. سواء المباشرة عبر التحالف الدولي، أو غير المباشرة بواسطة تحالف موسكو طهران دمشق. تدرك واشنطن جيداً أن وجود قوات عسكرية روسية على الأرض السورية قد يغيّر المعادلات الجيواستراتيجية المتعلقة بالمستقبل السوري. لكن واشنطن تراهن على معادلة الزمن والثمن، فالتغيير مشروط بالوقت الذي سيستغرقه تشكل “سورية الجديدة”، وأيضاً بالثمن الذي ستدفعه موسكو مقابل هذا الحضور العسكري. وبدلاً من أن تكون الأرض السورية (أو جزء منها) ساحة نفوذ وسيطرة روسية، وارد جداً أن تكون مستنقعاً يستنزف قدرات موسكو، وتنكسر فيه شوكة بوتين. بواسطة جماعات مسلحة ستُستنزف هي الأخرى بشدة، ربما إلى حد الانهيار، أو على الأقل التفكك والانفراط. هكذا واشنطن عندما تريد تجنب مواجهة مباشرة، تستدرج أعداءها وتستثير خصومها، ليصفي بعضهم بعضاً، وهو رهان شديد الخطورة، على الزمن والثمن.
سامح راشد
العربي الجديد